اعتبر أنها أزيحت لمصلحة القومية العربية … «مداد»: ضرورة مجتمعية وسياسية لبلورة مفهوم محدّد للهوية الوطنية السورية
| الوطن
اعتبر «مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد»، أن هنالك ضرورة مجتمعية وسياسية لبلورة مفهوم محدّد للهوية الوطنية السورية، يستطيع استيعاب مجمل الهويات التي تحته والتي فوقه في الوقت نفسه، من دون الوقوع في تمييع الهوية الوطنية أو تضييقها أو إغلاقها على ثقافة أو إيديولوجيا معيّنة.
ونشر «مداد» دراسة بعنوان «الهوية الوطنية بين الإيديولوجيا والدستور»، للباحث، سعد الدين كليب، تلقت «الوطن» نسخة منها، لفت فيها إلى أن «الهوية الوطنية السورية تحضرُ في الوجدان الشعبي العام، في إطار الحدود الدولية للجمهورية العربية السورية، لكنَّ تحديد تلك الهوية، نظريّاً، يبدو محفوفاً بالكثير من الإرباكات الوجدانية والفكرية والإيديولوجية والثقافية أيضاً».
وأوضحت الدراسة أن ذلك لا يعود إلى ضغط الهويات ما تحت الوطنية، وإنما يعود أولاً إلى هيمنة الهويات ما فوق الوطنية، على الخطاب الإيديولوجي للنخب السياسية السورية منذ ثلاثينيات القرن العشرين تقريباً. فتحت ضغط ذلك الخطاب عُدّت الجغرافيا السورية وطناً مؤقّتاً أو وطناً ناقصاً أو منصّة انطلاق إلى الوطن الأكبر بصرف النظر عن اسمه أو رسمه. وهو ما جعل مفهوم الوطن في ذاته ملتبساً بين جغرافيا العيش وجغرافيا الحلم؛ فما نعيشه فعلياً لا نعترف به نظرياً، وما نعترف به نظرياً لا نعيشه فعلياً.
وجاء في الدراسة: أن الهوية الوطنية السورية تمّت إزاحتها، في الخطاب أو الممارسة، لمصلحة الهوية القومية العربية أو الهوية القومية السورية أو الهوية الأممية-الإسلامية؛ ذلك عبر تسميات مختلفة عدّة للجغرافيا السورية، كالقطر والكيان والإقليم والولاية؛ أما مصطلح الوطن «الحقيقي» فهو إما سورية الكبرى أو الوطن العربي أو أرض الإسلام. ووفق الدراسة فإنه «يُعَدُّ بدهيّاً أن يكون الخطابُ السياسيُّ بأشكاله القومية أو الإسلامية ذا نزعة توحيدية طاغية على أي نزعة وطنية أو محلّية، ولذلك لا غرابة في أن يكون شعار الوحدة هو الشعار الناظم لمجمل الحركات والأحزاب والجمعيات السورية التي تشكّلت في مرحلة الانتداب الفرنسي، وفي مرحلة التحرر الوطني أيضاً».
وأشارت الدراسة إلى أن «التنظير لهوية وطنية سورية قد يعني إقراراً قطعياً بسايكس بيكو، ومن ثَمّ إقراراً قطعياً بأن سورية، بحدودها الدولية، هي الوطن النهائي للسوريين». ويقول هنا: «إذا كان هذا مفهوماً جداً، فإنه من الواجب إعادة النظر فيه، ولاسيما بعد مرور قرن كامل على نشوء الدولة السورية، ليس من باب الاعتراف بسايكس بيكو، وإنما من باب الاعتراف بواقع جيوسياسي قائم، دولةً ومؤسساتٍ ودساتير ومجتمعاً وأحزاباً وجمعيات وأفراداً، منذ مئة سنة حتى اليوم؛ وإلى أن تتحقّق أحلام الوحدة العربية أو السورية، فإن صياغة مفهوم محدّد للهوية الوطنية السورية يكون ناظماً للوعي والسلوك أمرٌ يوجبه الواقع السوري».
ورأت الدراسة أن «مجمل المقاربات الدستورية والتربوية السورية لمفهوم الهوية الوطنية بقيت على حافة المفهوم، فهي لم تتوسّع ولم تتعمّق فيه، بما يجعله مفهوماً محدّداً واضح الدلالة، رغم الإشارات الدالّة عليه حيناً، والموحية به حيناً آخر، الأمر الذي أبقاه في حالة التباس أو اضطراب أو غموض، ليس في الحياة المجتمعية السورية فقط؛ بل في الخطاب السياسي والتربوي والإعلامي أيضاً».
كما استنتجت الدراسة، أن «الإيديولوجيا، بأشكالها المختلفة ولاسيما القومية العربية بوصفها الإيديولوجيا المهيمنة سياسياً والمعتمدة رسمياً، قد أسهمت في تمييع الهوية الوطنية وتهميشها؛ بل في استبدالها كذلك بالهوية القومية، كما ظهر في دستور 1973، والشأن نفسه تقريباً في المنهاج التربوي الذي لم يخرج عن إطار الالتباس أو الاستبدال في مقاربته لمفهوم الهوية الوطنية».
وخلصت الدراسة، إلى أن «هنالك ضرورة مجتمعية وسياسية فعلية في بلورة مفهوم محدّد للهوية الوطنية السورية، يستطيع استيعاب مجمل الهويات التي تحته والتي فوقه في الوقت نفسه، من دون الوقوع في تمييع الهوية الوطنية أو تضييقها أو إغلاقها على ثقافة أو إيديولوجيا معيّنة، أو إدخالها في قطيعة ثقافية مع المحيط الشامي أو العربي خاصة. مع التوكيد أن أي بلورة لذلك المفهوم لا تتأسس على المواطنة والحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان عامة، ولا يكون لها حضور فعلي في الدساتير والقوانين والممارسة السياسية والاجتماعية سوف تكون مجرّد استذهان نظري لا رصيد له في الواقع الحيّ».