الخارق والمتصعلك
حسن م. يوسف :
ابتكر الكاتب والطبيب الأسكتلندي آرثر دويل شخصية شارلوك هولمز في أواخر القرن التاسع عشر، كمحقق استشاري يتمتع بمهارة خارقة في التفكير المنطقي، والقدرة على التنكر، ويستخدم مهاراته لمساعدة الشرطة عندما يتعذر عليها إيجاد حلول للجرائم التي تواجهها. وفي عام 1953 قام إيان فلمنغ، بكتابة رواية «كازينو رويال» التي ظهر فيها العميل البريطاني الخارق جيمس بوند 007.
توفي فلمنغ عام 1964 غير أن أسطورة بوند لم تمت معه، إذ تبناها خمسة من الروائيين أبرزهم كينغسلي أميس. لكن شهرة بوند لم تأخذ أبعادها العالمية إلا عندما قدمت في السينما والتلفزيون، وتعاقب على تجسيدها سبعة ممثلين من أجيال مختلفة، أبرزهم شون كونري.
وحتى يومنا هذا لا تزال أسطورة بوند تُجدَّد وتُلَمَّع، إذ يتم حالياً تصوير فيلم عن هذا العميل الخارق بعنوان «الشبح». ولو أجرينا تحقيقاً ميدانياً في أي بلد لوجدنا أن شخصية بوند باتت عابرة للأجيال والثقافات.
لا يختلف بوند كثيراً عن رجل المخابرات الغربي، فكلاهما يعمل خارج القانون، ويفعل أي شيء لتحقيق غايته، بدءاً بالعنف مروراً بالسرقة والتهديد وانتهاء بالابتزاز والرشوة. غير أن صانعي بوند يبررون له ممارساته اللاأخلاقية من خلال تنميط خصومه وتصويرهم على أنهم أشرار يهددون أمن العالم، وهذا ينطبق على كل أفلامه، بدءاً من «الدكتور نو» الذي أنتج عام1962.
ما يزال الغرب حتى يومنا يؤسطر عميله الخارق بشكل يصل في بعض الأحيان إلى مستويات جنونية، وقد قرأت قبل أيام إعلاناً يتيح لعشاق بوند أن يستمتعوا لمدة ثلاثة أسابيع بالحياة على طريقته بما فيها من فنادق فاخرة ووجبات شهية وملاه ليلية وطائرات خاصة وقوارب سريعة. وكل ذلك مقابل مبلغ لا يزيد على 815.575 دولار أميركي! أي 244 مليون ليرة سورية وقليل من الفراطة! يا بلاش!
حتى الأطفال باتوا يعلمون قذارة الأساليب التي تستخدمها القوى الاستعمارية لا في الضحك على لحانا نحن فقط بل في الضحك على لحى مواطنيها أيضاً.
ففي أميركا لا يسمح القانون لوكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، بالتجسس على مواطنيها، وكذلك لا يسمح القانون البريطاني لمخابرات MI 6 بالتجسس على البريطانيين، لذا تتبادل المنظمتان الخدمات؛ المخابرات البريطانية تتجسس على الأميركان لحساب المخابرات الأميركية والمخابرات الأميركية تتجسس على المواطنين البريطانيين لحساب المخابرات الإنجليزية!
من حسن الحظ أنه حتى في أعشاش الشر هناك أشخاص يملكون الجرأة، وبفضل هؤلاء نعرف القليل من حقيقة ما يجري في الخفاء!
قبل عدة سنوات قال رجل المخابرات أندرو توللي صاحب كتاب «حقيقة الجاسوسية الأميركية»: الذي صدر عن دار دمشق بترجمة فؤاد أيوب:
«نحن في (لا نجلي)، حيث مقر المخابرات الأميركية، إذا أردنا أن نصنع رئيساً في العالم العربي ننتقي الأسوأ ونعيِّنه رئيساً. أميركا لا تريد رئيساً صالحاً على الإطلاق، تريد رئيساً مشرداً، متصعلكاً له الخبرة والتجربة في قتل الناس».
فمتى يأتي اليوم الذي نستخدم فيه نحن العرب عقولنا، ونتخلص من عملاء الغرب المتصعلكين؟