أوراق أردوغان وترامب تحترق
| تحسين الحلبي
يرى معظم المختصين بالشؤون السياسية التركية في أوروبا وداخل تركيا نفسها أن السياسة الخارجية التي يقررها الرئيس رجب طيب أردوغان بنفسه، تقوم على «استغلال المنافسات والخلافات الجيوسياسية القائمة حول المنطقة بين مختلف دولها لفرض سياسته المبنية على دعم وتأييد جميع القوى والتيارات الإسلامية الإخوانية وغير الإخوانية من أجل استثمار كل نشاطاتها ضد مصر وضد سورية وضد العراق لمصلحة فرض مرجعيته الإسلامية «السلطانية» على دول المنطقة العربية ولتشكيل شرق أوسط يتقاسم فيه النفوذ والهيمنة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
أردوغان في سياسته هذه يبلغ رسائل لأوروبا وللولايات المتحدة بضرورة الاعتماد على دوره الوظيفي في تشكيل مستقبل المنقطة بعد أن تراجع الدور الإسرائيلي في تشكيل شرق أوسط جديد على الطريقة الأميركية الإسرائيلية.
وتثبت سياساته التي تبناها منذ أحداث عام 2011 في العالم العربي أنه تبنى خطة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في التحالف مع تيارات الإخوان المسلمين ومعاداة من يعاديهم لكي يصلوا إلى الحكم والسلطة في عدد من البلدان العربية لمصلحة مرجعيته على كل من يصل من هذه التيارات حتى لو استخدمت الإرهاب ضد الحكومات العربية، وهذا ما أثبته سجله مع حركة الإخوان المسلمون في مصر ومع حركة الغنوشي في تونس ومع حركة الإخوان المسلمون في سورية وما تولد عنها من مئات المجموعات الإرهابية من منظمات قدم لها الدعم ضد القيادة السورية ومؤسساتها.
استخدم أردوغان لتحقيق هذه الأهداف مبررات واهية لا وجود لها على الأرض التركية أو المجاورة لها، ففي تركيا اتهم حزب الشعوب الديمقراطي برئاسة صلاح الدين ديمترتاش ورفاقه من قادة الأحزاب اليسارية التركية، بأنه يريد تقسيم تركيا وفصل الأكراد الأتراك من الوطن التركي الواحد، وسجن ديمترتاش رغم أن هذا الحزب لا يحمل مثل هذه الأهداف، لكن أردوغان بحاجة إلى مبرر يختلقه بهدف السيطرة على جبهة الداخل التركية المعارضة وشبه المعارضة واتهامها إما بالسعي للانفصال أو بمحاولة القيام بانقلاب.
وعلى جبهة الجوار السوري والعراقي، خرق أردوغان سيادة الدولتين باقتحامات عسكرية عدوانية نفذها داخل أراضيهما بحجة وجود أكراد يريدون الانفصال، وساندته الإدارة الأميركية بإرسال وحدات مارينز أميركية وأسلحة لدعم قادة أكراد سوريين ضد دولتهم ووحدة سورية، وبهذه السياسة وضعت واشنطن وأردوغان قواعد لعبة تقدم لأردوغان ما يحتاجه من دعم أميركي سياسي ضد العراق وضد سورية معاً.
يبدو أن قيادة «قوات سورية الديمقراطية – قسد» في شمال شرق سورية لم تتح لنفسها طرح سؤال حول أهداف واشنطن من دعمها عسكرياً وهي أي واشنطن الحليف الأساسي الإقليمي والدولي لأردوغان سواء في المنطقة أو في حلف الأطلسي؟! وإذا كانت قد أبدت هذه القيادة رغبتها الحقيقية بنزع هذه الصلة مع الوحدات الأميركية التي سمحت لنفسها بالانتشار في مناطق «قسد» وقررت العودة إلى حضن الوطن «دون شروط مسبقة» بموجب ما أعلنه عضو الهيئة الرئاسية لمجلس سورية الديمقراطية حكمت حبيب فإن الأعمال والتجاوب مع القيادة السورية ستظل هي المقياس الذي سيحكم على أي تغيير مطلوب منها.
سورية الرسمية والشعبية عدت كلاً من الوحدات الأميركية والتركية قوات احتلال غاشم للأراضي وللسيادة السورية الوطنية ومن يعد قوات أردوغان محتلة يجب أن يعد الوحدات الأميركية محتلة وتسعى لأهداف معادية للشعب والسيادة الوطنية السورية.
ومن يدعمه أردوغان من المجموعات المسلحة في أي منطقة اخترقتها الوحدات العسكرية التركية، يصبح خارجاً عن القانون، وهو نفس ما ينطبق على كل مجموعة تقدم لها الوحدات الأميركية المحتلة الدعم والإسناد، فأردوغان هو الذي يهدف إلى تقسيم العراق وسورية وهو الذي يدعم انفصاليين بطرق مباشرة وغير مباشرة على غرار دور واشنطن، وكلاهما ستجبرهما سورية شعباً وقيادة وجيشاً، على الانسحاب من الأراضي السورية بكل الوسائل الممكنة، ولا شك أن الأيام والأسابيع المقبلة ستحمل معها في أغلب الاحتمالات مخارج وطنية لكل المناهضين للدور الأميركي والتركي العسكري ضد سورية.