دمشق تبتسم للعيد.. وسورية تتنفس الفرح من جديد … الأسواق تستعيد ألوان الفرح.. وحياة السوريين تعود إلى مساراتها الآمنة
| محمود الصالح – تصوير: طارق السعدوني
ملايين المواطنين عادوا ليعيشوا ليالي دمشق الجميلة، حقيقة تعيشها اليوم عاصمة الياسمين، لتصبح قصص الألم من ذكريات الماضي، تشوق واضح في نفوس الجميع للعودة إلى عيش الحياة بشكلها الطبيعي، وتنفس حالة الفرح، الفرح الذي يتجسد في تحقيق أماني الأطفال في فعل وشراء وقول ما يحبون، وهم الذين حرموا منه لعدة سنوات ماضية، تسابق الناس إلى تأكيد حالة الأمن والأمان في كل مكان، الأسواق والحدائق ومحال العصائر والبوظة وحتى الأرصفة كلها كانت ميادين مزدحمة تؤكد تحقق مرحلة التحول الكبير في حياة الناس.
عين «الوطن» رصدت الحياة في ليلة من أواخر ليالي رمضان استعداداً للعيد يعيشها أهالي دمشق، والبداية كانت من أعرق أسواقها التراثية سوق الحميدية التي شهدت أروقتها ازدحاماً كبيراً يرسم واقع مدينة الياسمين الآمن، غصت محال الألبسة بالمشترين وامتلأت طاولات بكداش بالمتذوقين.
ولأسواق جلق الشعبية كان لنا وقفة أمام ازدحام لا يصدق في محال سوق شارع النور الشعبية في منطقة الزاهرة الجديدة وسوق عاصم في نهر عيشة التي قصدها من يبحث عن بضائع تتناسب مع دخلهم ما يؤكد زيارة طقوس العيد لجميع أبنائها، وفي أطراف المدينة في حي المزة، الازدحام على الإشارات الضوئية على غير العادة يعطي انطباعاً مختلفاً بشكل كلي عن التحول الكبير الذي بدأت دمشق تعيشه، الساعة العاشرة مساء في رمضان لا يوجد هذا الازدحام عادة، وعلى غير العادة أيضاً – خلال السنوات الأخيرة- ازدحمت محال السهر على أوتستراد المزة بروادها، ليكون من الصعب إيجاد طاولة غير مشغولة بالزبائن.
منطقة كفر سوسة وتحديداً في أحد مولاتها تشعر أن كل الشام قد تجمعت في مكان واحد، عائلات بأكملها تتسوق: الأب والأم والأطفال يختارون ما يزرع الفرحة والبسمة على وجوه وقلوب الجميع خلال هذه العيد، الذي أطلقت عليه المدام هيام «عيد الأعياد» لأنه لأول مرة منذ عدة سنوات تعيش دمشق رمضان والعيد دون خوف من الموت الذي تحمله قذائف الإرهاب، وتضيف هيام: إن سورية لا يليق بها إلا الفرح والحب، ومن حق الجميع العيش بفرح لأنهم دفعوا ثمناً غالياً للعودة إلى حالة الأمن والأمان، ومجرد الخروج ليلاً في هذه الساعات مع كامل أفراد العائلة هي حالة من المتعة الحقيقية.
أسواق لم تكن لتفتح ليلاً منذ سنوات في شارع خال بن الوليد والشوارع المتفرعة منه، حتى باب سريجة شهدت ازدحاماً كبيراً وثق جزءاً منه زميلي مصور «الوطن».
أعداد كبيرة من السيارات تملأ الطريق من ساحة الحجاز إلى دوار المحافظة، استفدنا من الوقت في التحدث مع أحد سائقي التكسي العمومي، الذي قال: منذ عدة سنوات لم نشهد هذا الازدحام في أيام العيد، ونجد هذه الفرحة في وجوه الركاب.
في منطقة الصالحية المشي على الرصيف بصعوبة لكثرة رواد السوق وعلى الرغم من أن الساعة قاربت الحادية عشرة والنصف ليلاً، ما زالت المحال تغص بالزبائن، وأصحاب المحال مشغولون بتلبية طلبات الزبائن، أبو محمد صاحب محل ألبسة في الصالحية أعطاني نصف دقيقة من وقته ليؤكد أن الازدحام الذي تشهده السوق اليوم لم يحصل منذ سنوات.
في حديقة السبكي لا يكاد يخلو مقعد من الجالسين الذين يبحثون عن متنفس لهم بعد سنوات من الحرمان وهناك الكثير ممن وجدوا في الأعشاب مكاناً يرمون عليه هموم أيام مضت، عشرات الأطفال يتسابقون إلى الألعاب في أحد جوانب الحديقة، هذه الصورة التي تجسدها كل هذه المشاهد تجعلنا نعيش حالة تحول كبرى في الواقع والطموح، الذي يمكن أن نرسم من خلاله مسارات جديدة في الحياة.
ونمضي في جولتنا إلى ساحة عرنوس ومحال البوظة حيث يتجمع العشرات من الشباب لتذوق البوظة والحلويات الدمشقية، التي تجعل حتى لجلسة الرصيف متعة خاصة في نفوس المواطنين، حالة من الارتياح ترتسم في واجهة كل محل وأكثرها اليوم محال الأطفال، كل ذلك وسط تفاؤل كبير بغدٍ أفضل يصنعه السوريون بإرادتهم التي انتصرت على كل ما فعلوه لكسرها.
إذاً هذه هي دمشق الياسمين تعيش ليالي العيد بكل تفاصيلها وعناوين الحب التي ورثتها كابراً عن كابر، دمشق كما عادتها ليست مدينة من حجارة وأسواق ومحال وأبنية جميلة، دمشق هي عنوان الانتصار والحب، دمشق اليوم ترسم بإرادة ساكنيها عناوين مرحلة جديدة في العلاقات الإنسانية.