رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب لـ«الوطن»: مشروع قانون مجهولي النسب أظهر التزام الدولة بحماية المجتمع وقيامها بواجباتها الدستورية والقانونية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية
| هناء غانم
لاقى مشروع قانون رعاية الأطفال مجهولي النسب الذي تتم مناقشته في مجلس الشعب الكثير من الأخذ والرد بين النواب، حيث احتدت النقاشات بين مؤيدين للقانون وآخرين معارضين، ومن يطالب بتعديل بعض مواده.
للوقوف عند تفاصيل المشروع وأبعاده التشريعية والإنسانية التقت «الوطن» رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب الدكتور أحمد الكزبري، الذي أكد أهمية مشروع القانون المتعلق بمجهولي النسب لما له من دور مهم في تنظيم ورعاية هذه الفئة في المجتمع وكفالة حقوقهم وحرياتهم وحماية حياتهم من خلال إنشاء وتطوير دور الرعاية وتأمين أسر حاضنة، كما يعزز التزام الدولة السورية بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل والإنسان والمواثيق الدولية الأخرى، ويتطابق مع الأحكام العامة للشريعة الإسلامية على اعتبار أن أحد المقاصد الأساسية لجميع الشرائع السماوية هو صيانة النفس وحفظها، علماً بأن القانون يعدّ موجهاً أساسياً من خلال النص على الواجبات التي يجب أن يقدمها المجتمع بمؤسساته وأفراده تجاه هذه الفئة، ومن شأنه أن يترجم اهتمام الدولة السورية على أعلى مستوى بالتلاحم في المجتمع السوري، ويعكس وجهها الحضاري المتمثل بسنها القوانين التي تراعي جميع فئات المجتمع وتوفير الحياة الكريمة والدعم اللازم لمحتاجيه.
وتطرق الحديث مع الدكتور الكزبري إلى العديد من النقاط الأخرى، وفيما يلي نص الحوار:
لماذا اختير هذا التوقيت لمناقشة مشروع قانون مجهولي النسب في مجلس الشعب؟
إن مناقشة إعداد مشروع القانون لا علاقة له بتوقيت معين، فمتى كانت هناك حاجة لإعداد صك تشريعي في أي مجال كان، تقم الحكومة بإعداد مشروعه عن طريق الوزارة المعنية تمهيداً لعرضه ومناقشته وإصداره وفق الأسس الدستورية. ومشروع قانون مجهولي النسب يظهر اهتمام الدولة الكبير بالجانب الاجتماعي وعملها الدؤوب لحماية المجتمع السوري من أي أبعاد سلبية في المستقبل قد تنتج عن تجاهل أو عدم احتضان الأطفال مجهولي النسب ولا سيما بعد ظهور ملامح النصر على الإرهاب بفضل قيادة وشجاعة وثبات سيد الوطن الرئيس بشار الأسد وتضحيات جيشنا العربي السوري المقدس، كما يظهر التزام الدولة وتجاوبها مع كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وبشكل خاص حقوق الطفل توافقاً مع اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ١٩٨٩ التي انضمت الجمهورية العربية السورية لها بموجب القانون رقم ٨ لعام ١٩٩٣.
لذلك قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإعداد مشروع القانون، وتمت مناقشته بشكل مفصل ودقيق في مجلس الشعب من لجنة مشتركة مؤلفة من لجنة الشؤون الاجتماعية ولجنة الشؤون الدستورية والتشريعية وبحضور وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريما قادري وحضور القاضي الشرعي الأول في دمشق محمد المعراوي والدكتور محمد حسان عوض ممثلاً عن وزارة الأوقاف وأحمد رحال مدير عام الأحوال المدنية في وزارة الداخلية.
ما المغزى من إصدار تشريع كهذا؟
المغزى من التشريع هو تنظيم رعاية هذه الفئة في المجتمع والعمل على المساواة بينهم وبين أقرانهم الآخرين في الحقوق والواجبات، وحمايتهم من التعرض للإساءة أو التمييز أو الضرر الجسدي أو المعنوي، وتحديد واجبات الدولة والمجتمع تجاه رعايتهم وتربيتهم من خلال إنشاء وتطوير دور الرعاية الحكومية والخاصة وتنظيم العلاقة مع الأسر الحاضنة التي ترغب في رعاية مجهول النسب، ومن جهة أخرى يعزز التزام الدولة بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل والإنسان والمواثيق الدولية الأخرى، والأحكام العامة للشريعة الإسلامية على اعتبار أن أحد المقاصد الأساسية للشرائع السماوية كافة هو صيانة النفس وحفظها، كما من شأنه أن يترجم اهتمام الدولة السورية على أعلى مستوى بالتلاحم في المجتمع السوري، ويعكس وجهها الحضاري المتمثل بسنها القوانين التي تراعي جميع فئات المجتمع وتوفير الحياة الكريمة والدعم اللازم لمحتاجيه.
لغط تحت القبة
ماذا تقول حول اللغط الذي أثير تحت قبة البرلمان عن علاقة مشروع القانون بالمرسوم التشريعي المتعلق باللقطاء؟
إن مشروع القانون ليس جديداً بمضمونه على الالتزامات التي تقوم بها الحكومة السورية دائماً من خلال رعايتها للأطفال مجهولي النسب، فلدينا المرسوم التشريعي رقم ١٠٧ لعام ١٩٧٠ بشأن رعاية اللقطاء الذي سيتم إنهاء العمل به إذا تم إقرار هذا المشروع، ولدى استعراض مواد المرسوم المذكور والنافذ حالياً نجد أن المادة ٥ قد نصت على ما يلي: أن «تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رعاية اللقيط وكفالته وتعليمه حتى يستطيع الاعتماد على نفسه وكسب عيشه»، ونصت الفقرة أ من المادة ٨ من المرسوم التشريعي على: أن «تنشأ دور لرعاية اللقيط مهمتها كفالة اللقطاء ورعايتهم من النواحي الصحية والتربوية والاجتماعية وذلك حتى يستطيعوا العيش معتمدين على أنفسهم ويتم إحداثها بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظة التي يرى ضرورة لإنشائها فيها».
كذلك نصت الفقرة ١ من المادة ١٠ من المرسوم التشريعي على: أنه «يجوز وضع اللقيط الذي بلغ السادسة من عمره لدى أسرة بديلة إذا طلبت ذلك وكان في مصلحة اللقيط وتحدد شروط الوضع لدى الأسرة البديلة بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل»، وجاء في الفقرة ٢ من المادة: إن «تؤمن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل نفقات الرعاية والكفالة والتعليم العام والمهني في المدارس والدور والأسر البديلة من اعتمادات تخصص في موازنتها لهذا الغرض».
إذاً، فمشروع القانون الجديد جاء لينص على المضمون ذاته وفق صياغة تشريعية جديدة مبيناً أهداف القانون المتمثلة بتحديد واجبات الدولة والمجتمع تجاه رعاية مجهول النسب وحمايته من التعرض للإساءة وتنظيم إنشاء دور الرعاية الحكومية والخاصة وتنظيم الرعاية البديلة لدى أسرة عن طريق عقد الإلحاق وفق ضوابط ومعايير وشروط معينة.
وعما يتعلق بعمر مجهول النسب فقد حدد بالطفل الذي لم يتم السابعة من عمره وذلك لتحديد ضوابط الرعاية البديلة لدى الأسرة الراغبة، على حين كانت الأسرة البديلة لا تستطيع ذلك إلا إذا بلغ مجهول النسب سن ست سنوات.
تسجيل مجهول النسب
ما الآلية التي سيتم من خلالها قبول تسجيل الأطفال مجهولي النسب؟
إن الآلية التي سيتم من خلالها تسجيل مجهول النسب هي الآلية ذاتها المتبعة لدى وزارة الداخلية والمنصوص عليها في المادة ٢٩ من المرسوم التشريعي رقم ٢٦ لعام ٢٠٠٧ النافذ حالياً، حيث تتولى دار الضيافة اختيار اسم لمجهول النسب ثم تقوم بإعلام أمين السجل المدني ليقوم بدوره باختيار اسم لكل من والديه ونسبة للأم واسم جد نسبة له ويقوم بتثبيت دينه وجنسه وفق المعطيات المتوافرة من ضبط الشرطة وكل ذلك ضمن قيود وسجلات خاصة لدى مديرية الأحوال المدنية، ويتم تعديل أو إلغاء ذلك التسجيل وفق حالات مختلفة، إما بموجب ضبط إداري من أمين السجل المدني في حال ثبوت أنه كان مسجلاً أصولاً على اسم أبويه الحقيقيّين قبل تسجيله وفقاً لأحكام هذا القانون أو يعاد تسجيل مجهول النسب على نسبه الحقيقي من أمين السجل المدني في حال ثبوت نسبه من أبيه بموجب حكم قضائي قطعي، وكذلك يتم تصحيح اسم والدة مجهول النسب ونسبتها من أمين السجل المدني في حال ثبوت بنوته من والدته فقط دون ثبوت نسبه بموجب حكم قضائي قطعي.
لاقى موضوع ديانة مجهول النسب ومنحه الجنسية الكثير من التحفظ لدى بعض النواب، والاستياء لدى آخرين، وذلك أثناء مناقشته في مجلس الشعب، فما وجهة نظرك حول المواد المتعلقة بتلك الموضوعات؟
موضوع الجنسية والدين، بداية إذا عدنا للتعريف القانوني لمجهول النسب الوارد في مشروع القانون نجده الوليد أو الطفل الذي لم يتم السابعة من عمره والذي يعثر عليه ولم يثبت نسبه، أو لم يعرف والداه، ولكنني أعتقد أن الحرب الظالمة على بلدنا الغالي وضعت تعريفاً مجتمعياً سورية جديداً لمجهول النسب، فمجهول النسب هو من يحمل الجنسية السورية والهوية السورية وباع وطنه وأهله بأرخص الأثمان، ومجهول النسب هو من تعامل مع الإسرائيلي بحجة ما يسمى الثورة على وطنه وأهله، ومجهول النسب هو من قتل وخطف وسرق وهدم الوطن تحت عنوان إسقاط النظام، إذاً فالجنسية لا تعطي انتماء ولا تصنع الوطنية، والنقاشات التي دارت تحت قبة المجلس تعكس حرص زملائي أعضاء المجلس كافة على الوطن وحماية المجتمع السوري وتبين درجة عالية من الوعي والمسؤولية، فمن صوت مع المادة ومن تحفظ عليها كان بدافع وطني بحت.
وبالعودة للموضوع القانوني فإن مشروع القانون لا يقوم بمنح الجنسية السورية الآن، ولا يحدد دين مجهول النسب الآن، وإنما هذا الأمر منصوص عليه في القوانين النافذة، فقانون الجنسية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ٢٧٦ لعام ١٩٦٩ ينص في الفقرة ج من المادة ٣ على أن «يعتبر عربياً سورية حكماً: ج- من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس، كما تنص المادة ١٣ من المرسوم التشريعي رقم ١٠٧ لعام ١٩٧٠ على أن «1- يعتبر اللقيط عربياً سورية. 2- يعتبر اللقيط مسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك».
كما تنص الفقرة ب من المادة ٢٩ من المرسوم التشريعي رقم ٢٦ لعام ٢٠٠٧ على أن «ب- يعتبر اللقيط عربياً سورية مسلماً ومولوداً في سورية في المكان الذي عثر عليه فيه ما لم يثبت خلاف ذلك».
إذاً، فمشروع القانون لم يأت بجديد من هذه الناحية ولم يقم بمنح الجنسية الآن، فقانون الجنسية قد نصّ عليها منذ ما يقرب من الخمسين عاماً إضافة إلى ورود ذات النص في القوانين النافذة الأخرى، وتمت إعادة ذكر المادة ذاتها في مشروع القانون لكونه قانوناً خاصاً لمجهولي النسب مما يوجب ورود جميع الأحكام المتعلقة بهم في هذا القانون، ومن جهة أخرى فالنص يتفق مع مسؤولية الدولة بعدم خلق حالات لانعدام الجنسية، مع الإشارة إلى إمكانية التغيير إذا ثبت في أي وقت من الأوقات خلاف ذلك النص.
كذلك الأمر من ناحية الدين فقد نصت الفقرة ٦ من القرار رقم ١٣٧ لعام ١٩٢٦ على: أن «اللقطاء الذين أمكن إثبات الطائفة التي ينتمون إليها يسلمون إلى طائفتهم إذا ما قدمت طلباً بذلك وأرادت تربيتهم. وكل لقيط وجد في أحد الأحياء الإسلامية أو بقرب أحد الجوامع في حي غير إسلامي يعتبر مسلماً. وكل لقيط وجده مسلم في أحد الأحياء غير الإسلامية يعتبر مسلماً أيضاً. أما إذا وجد اللقيط على مقربة من إحدى الكنائس أو أحد المعابد سواء كان ذلك في حي إسلامي أم غير إسلامي وسواء كان الملتقط مسلماً أم غير مسلم فيجب تربية اللقيط على الديانة التابعة لها الكنيسة أو المعبد»، ثم صدر المرسوم التشريعي رقم ١٠٧ لعام ١٩٧٠ ونص في الفقرة ٢ من المادة ١٣ على اعتبار اللقيط مسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك وهذا ما تم بيانه آنفاً، وألغى في المادة 20 منه القرار رقم ١٣٧ لعام ١٩٢٦، ثم بعد ذلك صدر المرسوم التشريعي رقم ٢٦ لعام ٢٠٠٧ واعتبر اللقيط مسلماً وفق أحكام الفقرة ب من المادة ٢٩ منه.
رعاية بديلة
ما الرعاية البديلة وما عقد الإلحاق؟
الرعاية البديلة هي رعاية مجهول النسب ضمن أسرة مناسبة ترغب في رعاية مجهول النسب، والأسرة تتكون من الزوجين أو المرأة التي لا زوج لها وقد نص مشروع القانون على الشروط الواجب توافرها في الأسرة وكذلك الالتزامات المترتبة عليها، والإلحاق هو رعاية مجهول النسب وتربيته والإنفاق عليه والاهتمام بشؤونه كافةً ضمن الأسرة من دون أن يترتّب على ذلك أي حق في النسب أو الإرث، وينظم بعقد يسمى عقد الإلحاق بين الدار والأسرة الراغبة بذلك.
وقد نص مشروع القانون على تشكيل لجنة باسم «لجنة الرعاية الأسرية» مؤلفة من خمسة أعضاء يرأسها مدير الشؤون الاجتماعية والعمل وتضم ممثلاً عن وزارة الأوقاف ومدير الأيتام ومدير الدار والمشرف الاجتماعي، وتتمثل مهامها بدراسة طلبات الإلحاق وفق أحكام القانون ومتابعة أوضاع مجهول النسب الملحق بالأسرة وإعداد المقترحات حول جميع الطلبات والشكاوى والاعتراضات المتعلقة برعاية مجهول النسب ورفعها إلى الوزير لاتخاذ القرار اللازم.
هناك فصل كامل أفرده مشروع القانون يتعلق بالعقوبات جراء استغلال هذه الشريحة من أطفال مجهولي النسب، فكيف توضح ذلك؟
بالفعل، أفرد مشروع القانون فصلاً خاصاً بالعقوبات التي يعاقب عليها المخل بأحكام القانون، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، وتشدد في بعض العقوبات كعقوبة الحبس والغرامة على كل من يجبر مجهول النسب على أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليمه، أو أن يكون ضاراً بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، حيث إن قانون العمل النافذ ينص في الفقرة /أ/ من المادة ١١٣ على منع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة من عمرهم أيهما أكبر، والعقوبة هي غرامة لا تقل عن ٢٥ ألف ليرة سورية ولا تزيد عن ٥٠ ألف ليرة سورية، الأمر الذي يوجب على الحكومة إعادة النظر ببعض أحكام قانون العمل ولاسيما المتعلقة بالأطفال ووضع عقوبات رادعة كعقوبة الحبس وعدم الاكتفاء بعقوبة الغرامة المالية فقط.
حالة أخرى
إذا كان مجهول النسب من لم يثبت نسبه أو لم يعرف والداه، فما العمل إذا عثر على طفل لم يعرف والده وعرفت والدته فقط؟
انتهى المشروع بأحكام عامة وانتقالية، حيث نص على تطبيق جميع أحكام القانون على الطفل الذي لم يتم السابعة من العمر ولم يثبت نسبه لأبيه، وثابت البنوة لأمه في حال كانت أمه متوفاة أو غائبة وفاقداً للرعاية، وكذلك تطبيق أحكام بعض مواده على الطفل الذي أتم السابعة من العمر وعثر عليه ولم يثبت نسبه أو لم يعرف والداه أو ضل الطريق ولا يملك القدرة على الإرشاد عن ذويه لضعف عقله أو لأنه أصم أبكم، وهذا يبين مدى التزام الدولة بحماية المجتمع وقيامها بواجباتها الدستورية والقانونية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية على أكمل وجه.