ثقافة وفن

العيد حلم عشناه

| دمشق- منير كيال

يوم كان العيد عيداً، كان الناس على نحو من التواصل واللقاء والتحاب، بتبادل الزيارات بحلول العيد. أكان ذلك بين الأهل أم بين الجوار والصحب. وما كان لأحد أن يتناسى أو يتجاهل جانباً من هذه الظواهر كأن يستبدل جانباً منها بالموبايل أو الهاتف أو بأي وسيلة من وسائل الاتصال المعاصرة وإذا أصبحنا نجد بين ظهرانينا من لا يعير لهذه الظواهر اهتماماً، أكان ذلك على نطاق الأسرة أم على نطاق الحي، فإن ذلك يأتي ضمن المحذور العام، لخروجه عن معطيات الوجدان الشعبي. فقد كان الناس على مستوى الأسرة رجالاً وشباباً ونساء وأطفالاً، يلتقون صباح أول أيام العيد على مائدة عميد أو كبير الأسرة بعد زيارة المقابر وصلاة العيد، لتقديم التهنئة بحلول العيد وعلى ذلك فقد كان للعيد بتلك الأيام من القرن المنصرم نكهة قد لا تجدها بهذه الأيام كنا نجد أن المرء يكد طوال عامه ليلبس اللباس الجديد بالعيد وكذلك جميع أفراد أسرته، من الطربوش إلى البابوج احتفاء وبهجة بالعيد.
وكانت سيدة البيت ومن معها من الصبايا والكناين لا يدخرن جهداً خلال الأيام التي تسبق حلول العيد، لإعداد مآكل العيد من محاشي القبوات والقشة والحفاتي والسجق والمعاليق المحشوة بالرز واللحم والصنوبر. بل إعداد ما يلزم للعيد من حلويات تكون بمتناول الجميع من أهل البيت ومن يقوم بزيارتهم للتبريك بحلول العيد. وقد كانت تلك الحلويات من المعمول والتوتيات والكرابيج والسنبوسك المزينة بالسكر الناعم والفستق الحلبي المبشور غير ما نجده بالأسواق في أيامنا هذه من الحلويات التي تعتمد على المنكهات أكثر من أي شيء آخر، وبالتالي فإن الدور بذلك للمستطعم، وكان الأطفال يعيشون أيام العيد بجميع جوارحهم، كنت نراهم يقفون مشدوهين أمام الحوانيت المقامة بالهواء الطلق، والمجللة بالستائر الزاهية الألوان وقد عرض عليها: أصناف السكاكر وراحة الحلقوم والنوكا والألاعيب، والفتيش، فضلاً عن ذلك فإن باعة الفول النابت (المسلوق) وباعة شرابات الطويلة والقصيرة وشواء المعاليق وأكداس المخلل بألوانها المائلة إلى الاحمرار ربما أضيف إليها من الشوندر، وما إلى ذلك يسيل اللعاب ويحث على التناول.
وكان أكثر ما يشد الأطفال بالعيد ما كان بساحات العيد من الفُرج ومن ذلك الفرجة على:
الضبع الذي أكل بياع الحلاوة على طريق جوبر، والفرجة على الرأس المقطوع الذي يتكلم مع من يتفرج عليه.
زد على ذلك ما كان من أمر عربات مريكب وهودج الحج والأراجيح والدواخات التي تأخذ بألباب الأطفال فيقبلون عليها فرحين جذلين ويصرفون عليها معظم ما معهم من مال العيدية.
ونذكر أن الأطفال يتوجهون إلى ساحة من ساحات العيد التي كانت تنتشر بمدينة دمشق ومن هذه الساحات ما كان بمحلة الحريقة، ويلتقي بها أبناء حي الشاغور وباب السريجة والقنوات، وساحة الجزماتية وبوابة اللـه في حي الميدان ومنها بنهاية نزلة جورة الحدباء قرب سوق العتيق لأبناء حي سوق ساروجة.
وقد كانت ساحة الحريقة، قبل أن ينتشر عمرانها الحالي أكبر هذه الساحات، وكثيراً ما كان شبان من أبناء ما يجاور مدينة دمشق ما يقدمون إلى ساحة الحريقة، فيعقدون الدبكة احتفالاً بالعيد.
وقد أصاب هذه التقاليد الخاصة بالعيد العديد من التبدلات، ومنها ما توارى ولم يعد له وجود إلا بالذاكرة.
وكان من هذه التبدلات ما كان من انفراط عقد الأسرة التي كانت تضم الجد فالأب والأولاد والأحفاد، وذلك بعد أن عمد الشباب من هذه الأسرة إلى الانسلاخ عن أسرهم وبناء أسر جديدة أقل ارتباطاً مع بقية أفراد الأسرة الكبرى التي كانت تضمهم بسبب انشغالهم بأعباء الحياة ومتطلباتها التي أخذت تختلف عما كانت عليه من قبل كما نجم عن الانفجار السكاني الذي تمثل بتزايد عدد السكان أن جعل الناس يكتظون في بيوت طابقية لا يكاد المرء يعرف بها جاره.
ولعل من المجدي حتى يعود إلى الناس ترابطهم وتوادهم بالعيد بل على مدار السنة أن تقسم المدينة إلى أقسام بعدد أيام العيد، بحيث يقيم سكان القسم بدورهم حتى يتسنى لأبناء الأقسام الأخرى زيارتهم للمباركة بالعيد وكذلك الحال لأقسام المدينة الأخرى وبذلك تتحقق الغاية المرجوة من العيد فلا تكون المعايدة بأجهزة الاتصال المعاصرة كرفع عتب ومن ثم تعود زيارات المباركة بالعيد إلى ما كانت عليه من صلة الرحم وتوثيق عرى المحبة والتسامح والتواد بين الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن