عودة مهاتير محمد.. والاستفادة من تجربته الناجحة في الأزمة
| قحطان السيوفي
أعلنت هيئة الانتخابات في ماليزيا في أيار الماضي، فوز ائتلاف المعارضة بزعامة مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، البالغ من العمر 92 عاماً، ليتولى من جديد رئاسة الوزراء، ويحضرني هنا لقاء جمعني بالرئيس مهاتير في طوكيو عندما كنت سفيراً لوطني سورية في اليابان، حيث دُعيت عام 2006 لحضور حفل منح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة «واسيدا» اليابانية المعروفة للزعيم الماليزي مهاتير وكان يومها خارج السلطة، وسألته كيف استطاع أن يُخرج ماليزيا من أزمتها، وكان الرد لسياسي خبير ومخضرم ودود ومحب لسورية، وسأوجز رده البناء مع خلاصة الموضوع.
عاد مهاتير من اعتزاله السياسة لقيادة المعارضة من أجل إزاحة الحزب الحاكم الذي تزعمه هو نفسه لأكثر من 22 عاماً، صعد نجم مهاتير في الحياة السياسية مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، تولى منصب رئاسة الوزراء من عام 1981، وحوّل ماليزيا من دولة زراعية إلى دولة صناعية حديثة.
وبلغت صادرات السلع المصنعة نحو 82 بالمئة من إجمالي الصادرات الماليزية، واستقال مهاتير محمد من حزب المنظمة الوطنية المتحدة الحاكم عام 2006، قائلاً في حينها: إنه من «المخجل أن يرتبط بحزب يدعم مظاهر الفساد في البلاد، وتابع: إنه «عاد للسياسية لتخليص البلاد من مستويات فساد غير مسبوقة» وشهدت تجربة بلاده تراجعات، وشوّه وجهها الفساد.
المهمة اليوم أمام مهاتير تتمثل بالوفاء بوعوده بإصلاح المؤسسات الفاسدة وتوزيع عادل للموارد الاقتصادية.
أصبحت ثقافة الفساد والتواطؤ والمحسوبية هذه جزءاً لا يتجزأ من الخدمة المدنية في ماليزيا ونالت رسالة المعارضة المناهضة للفساد شعبية؛ لأنها ربطت الغضب من ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم المساواة الاجتماعية على نطاق واسع بتجاوزات الإدارة السابقة، وارتبط نموذج التنمية في ماليزيا بشخصية مهاتير محمد، كما اتسم بصلابة مواقفه في مواجهة التحديات، وكان موقفه الأبرز في أزمة 1997، وتجاهل توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، وأخرج ماليزيا أقوى مما كانت عليه قبل الأزمة.
عودة مهاتير للحكم، قد تختلف عن تجربته الأولى، فثمة أوضاع وترتيبات سياسية عالمية وإقليمية مختلفة الآن، وستكون الملفات الاقتصادية على رأس أجندة حكومته، أربعون في المئة من الإنفاق الحكومي السنوي، المتوقع أن يصل إلى 59 مليار دولار كان يضيع بسبب الفساد والهدر.
سيعيد مهاتير التفاوض لمشاريع البنية التحتية، والمتفق عليها مع الحكومة الصينية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية ما يوفر فرص عمل محلية.
حاصرت رئيس الوزراء الخاسر، نجيب عبد الرزاق، تهم فساد تتعلق باختلاس نحو 4,5 مليارات دولار أميركي من صندوق التنمية الوطني الماليزية لتفتح قضايا الفساد الداخلية، ومن أبرزها تحويل 681 مليون دولار على الحساب الشخصي لرئيس الوزراء الأسبق، نجيب، وهذا المبلغ، حسب وزير خارجية السعودية، حوّل على سبيل الهبة، وهو سلوك سعودي متبع لكسب الشخصيات.
ممارسات الفساد، انعكست في ترتيب ماليزيا على المؤشر العالمي للفساد لعام 2017 في المرتبة 67 من 180 دولة، على حين كان 37 عام 2003، ما يعني أنه بعد مهاتير توسّع الفساد في الجهاز الإداري للدولة، وتكتسب مواجهة الفساد أهميتها لكون ماليزيا تعتمد على الاستثمار والتصدير والسياحة، وهي ملفات شديدة الارتباط بالعالم الخارجي، ما يؤثر سلباً على هذه الملفات.
حينما ترك مهاتير السلطة في 2003، كانت الديون الخارجية بحدود 50,7 مليار دولار، لكنها في 2016 قفزت إلى 200 مليار دولار، ونسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي في 2016 وصلت إلى 67,5 بالمئة، والتحدي أمام مهاتير، هو تخفض قيمة الدين الخارجي لمعدلات، لا تجعل منه ورقة ضغط على الدولة.
مهاتير صاحب رؤية تنموية لنموذج جديد للشراكة والتعاون بين ماليزيا وغيرها من الدول النامية، وهي ليست تكرارا للنموذج الرأسمالي القائم على المصلحة من طرف واحد، واستنزاف ثروات الشعوب، وتحويل اقتصاداتها إلى مجرد أسواق للسلع الاستهلاكية.
رغم التحديات على أجندة مهاتير الاقتصادية، إلا أن الرجل لديه بنية أساسية قوية في قطاعات الصناعة والزراعة، ونهضة تعليمية وعلمية حقيقية، وسيكون الدور الأكبر هو تفعيل دولة القانون، فضلًا عن أن مهاتير له تجربة طويلة، وخبير بمكونات المجتمع الذي لم ينقطع عنه، وكان قراره بالعودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى نتاج اندماج قوي مع ما يعيشه المجتمع من مشكلات.
الآن الشركات الكبيرة المملوكة للدولة أصبحت في حالة تجميد مؤقت، والمستثمرون الأجانب يشعرون بالتوتر من اندفاع الحكومة الجديدة إلى الكشف عن تفاصيل مستنقع المشكلات المالية للعهد السابق.
وزير الشؤون الاقتصادية الجديد، قال: «الاقتصاد كله فوضى، والتحدي الأكبر هو رسم سياسات جديدة، ومعالجة عدم المساواة الاجتماعية، مع تقليص الإيرادات في الوقت نفسه عن طريق إلغاء ضريبة السلع والخدمات، وزيادة بعض الدعم للوقود، والتركيز على تحسين الحوكمة وإزالة الضغوط السياسية عن الشركات الحكومية وتطويرها.
وأذكر هنا، بدقة وأمانة، جواب مهاتير محمد على سؤالي في بداية المقال: «عندما أصبحت رئيساً للوزراء عام 1981 ؛ كان بلدي يعيش أزمة الفساد والدين، استدعيت كل أباطرة المال من المستفيدين من الأزمة إلى اجتماع وأفهمتهم بلهجة حازمة أنني سأخرج ماليزيا من أزمتها وسأتعاون مع الجميع بما فيها أنتم كرجال أعمال بغض النظر عن الطرق التي حصلتم فيها على ثرواتكم، مشروعة أو غير مشروعة، وستساهمون معنا في إخراج البلد من أزمته وتحقيق النهوض الاقتصادي، ووافقوا على المساهمة بدفع «ضريبة وطنية» طوعية نسبة مئوية من ثرواتهم واستمرت أكثريتهم معنا لإخراج البلد من أزمته وتحقيق النمو».
وجهة نظر؛ تُرى بعد أن حقق جيشنا العربي السوري الانتصارات، وبدأنا مرحلة التعافي وإعادة البناء، هل سيكون من المفيد الاستفادة من التجربة الماليزية الأولى الناجحة لمهندسها مهاتير في التصدي لصعوبات الأزمة، ومنها تأمين موارد عامة؟ مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف الكبير الآن بالظروف والوقائع والزمن!
بقي أن نذكر أن الخروج من الأزمة وحالة النجاح التي سيحققها استدعاء المهندس القديم مهاتير، هي أن الإصلاح والتنمية وتفعيل دور المؤسسات مشروع دولة وثقافة مجتمع.