قضايا وآراء

ترامب وإستراتيجية زيادة توليد النزاعات الإقليمية

| تحسين الحلبي

إذا كانت الأرقام الأميركية والدولية تشير إلى أن الولايات المتحدة تمكنت من تصدير 49 بالمئة من مجموع صادراتها العسكرية إلى سوق الشرق الأوسط خلال (2013- 2017) فإن من مصلحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المحافظة على تصدير السلاح إلى المنطقة، بل أيضاً العمل على زيادته وإضافة إلى ذلك يشير «معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي» إلى أن الولايات المتحدة فاقت جميع الدول المصدرة للأسلحة خلال فترة (2013- 2017) لأن حصتها في التصدير على مستوى العالم بلغت 34 بالمئة أي إنها تصدر للعالم ثلث أسلحته التي يقاتل أو يتقاتل بها.
وتجارة كهذه تعد من أكثر الأعمال تحقيقاً للأرباح، فتصدير السلاح يظل قائماً ويزداد دوماً مع ازدياد النزاعات المسلحة وغير المسلحة بين الدول ولذلك تصبح عملية توليد النزاعات الإقليمية في العالم مصلحة أميركية إستراتيجية وهذا ما كانت تستند إليه السياسة الأميركية منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي قيل إن السلام بين دول العالم سيسود فيها في أعقاب هزيمة النازية وحروبها!
ويبدو أن هزيمة مجموعات داعش والقاعدة والنصرة في سورية والعراق والمنطقة بدأت تدفع إدارة ترامب إلى توسيع بؤر الحروب الإقليمية بل إلى خلق بؤر جديدة داخل دائرة حلفائه من دول النفط العربية.. فقد لاحظ الكثيرون أن كل انتصار يحققه محور دول وقوى المقاومة على هذه الحروب الداعشية المدعومة من الخارج يقابله دعوة أميركية لتصعيد الحرب على أحد أطراف هذا المحور بل على جميع أطرافه دفعة واحدة في ظروف مناسبة.
ولكي يصدّر ترامب أسلحته للدول القادرة على دفع ثمنها زاد تحريضه على إيران وقرر أن يحشد السعودية والإمارات والبحرين ضدها وضد حلفائها، فازدادت صفقات بيع الأسلحة الأميركية لهذه الدول إضافة إلى أشكال الابتزاز المالي الأخرى التي فرضها على الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وابنه بحجة حماية انقلابهما على قواعد لعبة اختيار ولي العهد.. ولم يكتف ترامب بتحريض هذه الدول على إيران بل خلق بؤرة توتر بين حلفائه أنفسهم حين سمح لعدد من دول الخليج بإعلان نزاع مكشوف وحصار على إمارة قطر التي بلغت فيها درجة الخوف إلى شراء أسلحة أميركية جديدة بقيمة 30 مليار دولار بل طلبت من واشنطن ضمها إلى حلف الأطلسي لزيادة التصعيد وهي التي تعلم أن الحلف لم يستطع ضم إسرائيل ربيبته وثكنته الحربية في المنطقة، فكيف يمكن أن يضم إمارة يبلغ عدد سكانها ربع مليون نسمة رغم ثرواتها في الغاز والنفط.
وكان آخر الأدلة على هذه السياسة الأميركية تجاه دول المنطقة هو «مذكرة الأمن الرئاسية» التي أصدرها ترامب من البيت الأبيض في 19 نيسان الماضي لتشجيع الدول التي تعتمد جيوشها على استخدام الأسلحة الأميركية منذ فترة طويلة على عقد صفقات لإعادة تحديث ومراجعة قدرة هذه الأسلحة مع وزارة الدفاع الأميركية وهذا يعني فتح سوق جديد لسلب أموال هذه الدول النفطية بشكل خاص.
وحين علمت إسرائيل بهذه العروض الأميركية العسكرية سارعت إلى عرض خدماتها في هذا الموضوع لكي تحقق أرباحاً من دول النفط وتزداد صلاتها بالمؤسسات العسكرية لهذه الدول.. فقد كشف (مركز بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية) في 15 حزيران الجاري تحت عنوان: «سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل في تصدير تحديث الأسلحة» أن فرص إسرائيل في هذا المجال إلى جانب الولايات المتحدة كثيرة وتحقق لها مصالح كثيرة أيضاً.. يذكر أن أنقرة كانت قد وقعت مع إسرائيل في التسعينيات على صفقة بقيمة 300 مليون دولار «لتحديث طائرات فانتوم التركية» ودبابات (إم 60) واعتمدت إسرائيل بموافقة أميركية على هذه الخدمات لأي دولة متحالفة مع الولايات المتحدة وتستورد أسلحة أميركية.
ويبدو أن مشروع توليد الحروب بين الدول في المنطقة سيظل على جدول العمل الأميركي مادام ترامب قد ابتكر له خطة يصدر من خلالها «خبرة وقطع تحديث الأسلحة» لدول الخليج العربية إضافة إلى تصدير أسلحة حديثة لها، ومن المحتمل أن يكون ترامب قد استخدم خبرته في بيع العقارات حين كان يرمم عقاراً ثم يبيعه بثمن باهظ!
وبدأت إسرائيل تضع منذ هذه اللحظة توصيات على مشروع بيع الأسلحة الحديثة وتحديث الأسلحة القديمة ومن هذه التوصيات عدم بيع أحدث طائرة من نوع (إف 35) من الجيل الجديد لدول الخليج لكي تحافظ على تفوقها الإقليمي العسكري في المنطقة، كما تطلب إسرائيل من ترامب توضيح قواعد التعاون الأميركي- الإسرائيلي في مشروع تحديث الأسلحة ومشاركة إسرائيل فيه وخصوصاً تحديث أنظمة الدفاع الجوي لأي دولة تطلب هذا التحديث من واشنطن.
وفي هذه الحالة ستحاول إسرائيل تحقيق أرباح مالية من ناحية وتقييد أنظمة الدفاع لهذه الدول العربية بطريقة تكنولوجية لا تسقط الصواريخ الإسرائيلية؟!
فإسرائيل تعرب دوماً عن خشيتها من تسرب أنظمة أميركية فعالة لأطراف معادية أو من وقوع انقلابات داخل دول عربية حليفة وتغيير سياستها تجاه واشنطن وحلفائها في المنطقة.
فقد أطلقت واشنطن وتل أبيب حروباً على المنطقة منذ عام 2011 وعلى الرغم من إحباط سورية وحلفائها لأهداف هذه الحروب إلا أن واشنطن ستظل تستثمر أموال العرب في الانتقال إلى حروب ونزاعات أخرى مادام الحكام العرب لا يدركون حقيقية ما يجري أو أنهم سيستمرون في تواطئهم مع ترامب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن