ثقافة وفن

هروب من الواقع المؤلم إلى الكوميديا الخفيفة … «جوليا» يقدم شخصيات متعددة القوالب في إطار رومانسي درامي بسيط

| سوسن صيداوي

من منا اليوم لا يلبس وجها غير وجهه المألوف، من منا لا يلبس شخصية غريبة تماما عن شخصيته ويبدع في تقمص الشخصيات، إذا الواقع فرض علينا هذا، فنحن مضطرون لخلع وجوهنا الحقيقة وشخصياتنا الحقيقية كي نماشيه ونسايره. بداية الكلام مؤلمة ولكن حلو الكلام يأتي عندما نصادف صنفاً من الصنوف البشرية الموجودة حولنا، القريبة أو التي نصادفها ربما في العمل أو في أي مناسبة حياتيّة. هذا الصنف البشري يعلق بالذاكرة لأنه حساس وسريع التأثر، ويكون قريباً من القلب لأنه صادق. وبما أن الدراما مرآة تعكس الواقع بكليته، جاءنا اليوم مسلسل «جوليا» في السباق الرمضاني، كي يأخذ لنفسه مكانا ويستقطب جمهورا يسعى لمتابعة الكوميدايا الخفيفة «اللايت»، في مهرب مما تعرضه باقي المحطات من مسلسلات لواقع معيشي، قاسٍ ومر.

طاقم العمل
ربما ستكون عادة عند الفنانة ماغي بو غصن بأن تقتحم الأجواء الكوميدية وخاصة بعد أن أثبتت نفسها ونجحت في مسلسل «كراميل» الذي حظي بنجاح كبير برمضان الماضي. وفي الموسم الحالي تطل على جمهورها بمسلسل يحمل النكهة الكوميدية نفسها ولكن في «جوليا» الكثير من التعقيد وتطلب منها الكثير من الجهد والفصل، لأنها اضطرت أن تلبس- وربما في اليوم الواحد أثناء التصوير-العديد من الشخصيات. المسلسل من بطولة ماغي بو غصن ويشاركها بها الفنان السوري قيس الشيخ نجيب إضافة إلى مجموعة من الفنانين السوريين واللبنانين وهم على سبيل الذكر:تقلا شمعون، ليليا الأطرش، وسام صباغ، جيسي عبدو، نيكولا مزهر، نزيه يوسف، سلطان ديب. مسلسل «جوليا» من تأليف مازن طه، وإخراج ايلي ف. حبيب، والإنتاج يعود إلى جمال سنان- شركة ايغل فيلمز. وأغنية المسلسل بصوت النجمة نانسي عجرم، وحملت عنوان «عم بتغير» وهي من كلمات الشاعر أحمد ماضي وألحان الفنان زياد برجي وتوزيع أحمد إبراهيم.

من الأحداث
تدور قصة المسلسل حول فتاة في منطلق شبابها وطموحها، وحتى إقبالها الشديد في أحلامها، واندفاعها الأكبر لتحقيقها. الفتاة البطلة – تعشق التمثيل- بسيطة وصادقة وبريئة ومحبوبة من الجميع، ولكن مشكلتها في حياتها وفي تحقيق أحلامها، بأنها تعيش الحالة، وعند تأديتها لأي دور تتقمص الشخصية لتصبح واقعها المعيش، ومن هنا تنطلق المشاكل بابتعادها عن المنطقية والواقعية، الأمر الذي دفع والدتها للاستغاثة بطبيب الشابة النفسي د. عاصي «قيس الشيخ نجيب»، الأخير الذي تلفت انتباهه الفتاة وفي البداية يتعاطف معها ومن بعدها ينجذب إليها ويتودد لها وخاصة أنه يعاني إخفاق تجربة في الزواج، الأمر الأخير الذي يقحم كلاً من البطل والبطلة في الكثير من المشاكل التي تثيرها طليقة الطبيب «ليليا الأطرش» في العديد من الحلقات. هذا وهناك جانب من قصة المسلسل يطرح فكرة زواج والدة البطلة السيدة «ديانا» وانجذابها لجارها «رشيد» وكيف أن جوليا وأخاها شادي يمثلون على الاثنين ويعملان المقالب كي يعدلا عن فكرة الزواج، والجميل هنا، طرح فكرة تقبّل الأولاد بأن من حق الأهل الاستمرار في الحياة وخاصة بأنهم ضحوا وبذلوا كل ما هو ممكن لتربية أولادهم حتى أصبحوا شباباً قادرين على اعتراك الحياة بأنفسهم. على حين تفرد حلقات المسلسل جانبا لصديقة البطلة وهي الصحفية «جيسي عبدو» وهي فتاة وحيدة، ولأنها مستقلة تأخذ جانباً مسترجلاً في شخصيتها كي تدافع عن نفسها وتحميها، ومن خلال عملها الصحفي تلتقي المخرج المشهور «روني» وفي غمار أحداث وأمور تفرضها المصادفات والمواقف تنشأ بين الاثنين قصة حب، وعلى سيرة الفن أخو جوليا «شادي» لديه مكتب يوفر الكومبارس للأفلام والمسلسلات، ما يمكنه من لقاء فتاة يغرم بها، ومع سياق المسلسل تثار المشاكل والمطبات حتى الأخلاقية التي تتعرض لها فتاة الكومبارس «سارة» نسبة إلى كل المشاكل التي يتعرض لها كل من يهوى ويحلم بمهنة التمثيل المتعبة. بالإضافة إلى الحس الفكاهي في الأحداث البوليسية من خلال عصابة يتمتعون بالمال والنفوذ ويسعون إلى تصفية الفنانة «وعد»، حيث تتشابك الأحداث وتتقارب الشخصيات وتلتقي في حبكة معقولة ليس فيها أي استخفاف للمشاهد ضمن جو فكاهي سلسل.

المشاركة السورية الفاعلة
في خطة إنتاجية مدرّة للمال، ومحببة في الوقت ذاته للمحطات التي تلهث في استقطاب الجمهور المتلقي، أصبحت خطة الأعمال السورية المشتركة مع الدول العربية، هي الخطة الناجحة والمرغوبة، وفي نفس الوقت فرضت نفسها وهي قادرة على المنافسة واحتلال المراتب الأولى في السباق الرمضاني، ونخص هنا المشاركة السورية اللبنانية لأن المسلسل محل الحديث «جوليا»، هذا الخليط ساهم في إنتاج أعمال عربية مميزة، كما رفع من مستوى الدراما اللبنانية، وأعطى فرصاً للعديد من الممثلين اللبنانيين للمشاركة إلى جانب أبرز نجوم الشاشة السورية. ونعود لمسلسلنا لأن البطلة قد أقحمت نفسها في نمط كوميدي ليس من السهل إثبات النفس به، ولكن»بو غصن»حققت رقماً في المعادلة الصعبة وفي الموسم الحالي، وأصبحنا نسمع عنها صفة «مهضومة»، كما تجدر الإشارة إلى أنها استعانت في تأدية دورها وكيفية معالجة الشخصية بالممثلة «عايدة صبرا» لمساعدتها في إنجاز الدور الذي تطلّب منها جهداً إضافياً للانخراط في شخصيات عديدة ومتنوعة. في حين بطل المسلسل النجم قيس الشيخ نجيب ممثل مُقل جداً بالأدوار الكوميدية والرومانسية، ولكنه استطاع بجدارة وبأداء متزن واحترافي أن يقدّم نفسه في شخصية الشاب الرومانسي اللطيف والمتناقض مع شخصيته الجدّية الحازمة كطبيب نفسي، ويشار إلى أنه اجتمع مع «ماغي بو غصن» في بطولة مسلسل «يا ريت» في موسم 2016.
و هنا لابد لنا من أن نتكلم عن السيناريو الذي هو من تأليف الكاتب الدرامي «مازن طه» الذي نقل صورة الواقع والمجتمع إلينا في إطار كوميدي خفيف أو ما هو معروف بالتسمية «لايت كوميدي» بعيداً عن الابتذال أو التكلّف أو المبالغة، هذا وكان اعتمد الكاتب خطاً درامياً منطلقاً من المشاكل التي تعاني منها البطلة، كما أجاد في بناء خط درامي عاطفي، يسير مع الخط الأول ضمن الكثير من الجرعات الكوميدية. وأخيراً وما يمكن استدراكه من المتابعة والمشاهدة لحلقات المسلسل والتي شارفت على النهاية بأن المؤلف مع المخرج وبقية الكادر تمكنوا من جذب المشاهد وتمكينه من الاستمتاع بالوجبة المقدمة له والقادرة في نفس الوقت أن تبعده عن مرارة الواقع والأحداث التي يعيشها، وخاصة بأن هكذا نوعية من الأعمال هي معقدة من حيث الكتابة والتحضير والتنفيذ. وبسبب طبيعة الفكرة تتطلب جهداً كبيراً من التركيز والفصل.

في لِبس الشخصية وتقمصها
مهنة التمثيل ليست مجرد عمل، فإبداعها يتطلب من الممثل المؤمن بهدفه وحلمه ومهنته بأن يتحمل ما ستأخذه منه مقابل ما تعطيه، ولأن مسلسل «جوليا» يتحدث عن التوق الحار لهذه المهنة-من جانب البطلة طبعاً- والصدق في امتهانها وبذل كل مجهود لنيل الإعجاب والتقدير من الجمهور، من الجميل أن نذكر لكم حالات من الفنانين كانوا عاشوا الشخصيات، ودخلوا في الحالة، الأمر الذي انعكس عليهم بالسوء. نذكر أولاً أن الممثل الراحل حسين رياض، تعرض للإصابة بالشلل بسبب واحد من الأفلام التي شارك بها، وهو فيلم «الأسطى حسن»، الذي قام بتمثيله في عام 1952، فلقد أصيب بالشلل في الجزء الأيمن من جسده في ذراعه وساقه، تماماً كما هو حاله في الفيلم، حيث كان يقدّم شخصية لرجل أصبح عاجزاً ويجلس على كرسي متحرّك، وبسبب تقمّصه الشديد للدور، أصبحت حالته تشبه حالة الشخصية السينمائية التي يقدمها، إلا أن زوجته قامت بعلاجه سريعاً، حتى لا يتسبّب ذلك في مرضه، ويستمر الشلل لفترة طويلة. أيضاً ومن زمن ليس بالبعيد، يُحكى أن الممثلة المصرية «صابرين» أُصيبت باكتئاب شديد استمر لسبعة شهور، بعد تقديمها مسلسل عن حياة كوكب الشرق أم كلثوم، حيث استخدمت شتى الوسائل والسبل كي تتقمص الشخصية وتعيش الدور بحذافيره، الأمر الذي أرهقها على الصعيد النفسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن