روح الفنِّ ببراءته وجماله … بثينة شيا لـ«الوطن»: العمل التلفزيوني لا يتطلب «مَلكَات» يتطلبها المسرح والإذاعة والدوبلاج
| أحمد محمد السح
يعرفها الجمهور من خلال صوتها أكثر من معرفتها كفنانة دراما تلفزيونية، وتعرفها قلوب الأطفال الكبيرة، فيشعرون أن هذا الاسم الذي يتصدر برامج الكارتون الخاصة بهم، هو عالمهم وملتقاهم الأول مع الفن والحياة، بثينة شيا، فنانةٌ سوريةٌ أكاديمية، تتميز بروح الطفولةِ التي لا تغادرها وابتسامة الوجه الذي يرتاح له من يعرف، أما الصوتُ فهو حكايةُ النعمة التي تولد مع الإنسان وتكون انعكاس الروح النقية والجمال، تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1989، لها أعمالٌ في المسرح والتلفزيون لكن حيز العمل الأكبر كان مع الدوبلاج وكارتون الأطفال.. لنسألها عن هذه التجربة كان لها مع جريدة «الوطن» الحوار التالي.
الفنانة بثينة شيا من خريجي دفعة 1989 للمعهد العالي للفنون المسرحية، حين نقرأ أسماء هذه الدفعة نجد أن معظمكم أو كلكم ابتعد عن التمثيل التلفزيوني واتجه أغلبكم للدوبلاج هل من تفسير؟
يكمن التفسير بأن سوق صناعة الدراما عموماً في تلك الفترة لم يكن ذا رواجٍ كما اليوم…! فضلا عن أنه لا يمكننا استخدام مفردات المعظم أو الكل أو الأغلبية…! فدفعة عام 1989 اشتغلت منقسمةً بين الدراما والمسرح والدوبلاج ولم تبتعد بشكل تام عن العمل الدرامي عموماً سواء في المسرح أم الإذاعة، إضافة إلى التمثيل التلفزيوني.
يعرف اسمكِ معظم الأطفال، وحين يكبرون يعرفون أن بثينة شيا هي إنسانة وهي ليست إيكوسان أو آش كيتشام في البوكيمون أو ألفريدو أو هزيم الرعد وسواها من الأعمال الجميلة.. هل يشعركِ هذا ببصمتك الخاصة؟
كل الشخصيات التي ذكرتها سابقاً يراها الطفل إنساناً، على حين نراها نحن حالات إنسانية! ولا فرق بين الأمرين، ومن ثم هذا ما يدفعني للقول بأن وقع تلك الشخصيات في أذهان الأطفال يشعرني ببصمات خاصة، وليست بصمة واحدة وحسب. ولاسيما أنك أشدت بأن الأعمال جميلة وأشكرك لإشادة أشعر بمتعتها حين يطلب مني معظم الأطفال سماع أصوات تلك الشخصيات «الإنسانية» وأنا الإنسان أمامهم!
ما شروط بثينة شيا للذهاب إلى الشاشة الصغيرة أو الكبيرة أو العودة إلى الخشبة؟
لنحدد أولا معنى مصطلح شروط!… ففي العمل الفني «المهني» المسألة مسألة اختيار مخرج، وللممثل الحق بالرفض أو القبول ولا مكان لوضع شروط من كلا الطرفين سواء على الشاشتين الكبيرة والصغيرة أم على الخشبة التي لم أغب عنها حتى أعود إليها. فقد شاركت في أكثر من عشرين عملاً مسرحياً. وبدأت العمل في الإخراج المسرحي. إضافة إلى المشاركة في تجربة سينمائية قيد الإنتاج.
وصل الشغف ببعض الشباب والشابات حين نجحت الدراما السورية إلى حد الهوس الذي يقصر الفن والتمثيل على التلفزيون وأن المسرح والإذاعة والدوبلاج «ترقيع» وأعتذر للكلمة!! كيف يمكن أن يصل الجيل الجديد إلى نظرة أشمل وأحق للفن بالعموم؟
النظرة الأجمل والأحق للفن، تكون بأن يُدرك الجيل الجديد بأن العمل التلفزيوني لا يتطلب «مَلكَات» يتطلبها المسرح والإذاعة والدوبلاج، على حين أن رعاة الانطلاقة الفنية في سورية، كانوا قد تركوا بصماتهم من خلال العمل في المسرح والإذاعة… بوقت كان شغفهم حقيقياً، ولم يصل بهم حد الهوس رغم اشتغال بعضهم بالتلفزيون…! أما «البعض» الذين ذكرتهم فــَ «الهوس» الذي يعيشونه ما هو إلا حالة مؤقتة لا ترتبط بموهبة حقيقية تدفعهم إلى الاشتغال -على سبيل المثال- بأبي الفنون أو تجربة «أنسنة» شخصية كرتونية.. وهذا ما يتطلب مقدرات وخبرة كبيرة قد لا يصنعها التلفزيون بعدّة تجارب. وإن كان اعتبارهم للمسرح والإذاعة والدوبلاج هو «ترقيع» فلا شك أن هناك مشكلة أصلاً في حالة الشغف لديهم… وفي فهمهم للفن!
ظهور نجوم الدوبلاج في برنامج «صاحبة السعادة» مع إسعاد يونس أعطى لكم إضاءة على المستوى العربي من حيث الظهور الإعلامي، من المقصر في ظهوركم الإعلامي وتعرّف الناس إليكم كنجوم حقيقيين في عالم الدوبلاج المتفرد؟
الإعلام وضع السجادة الحمراء «إن صح التعبير» للمشتغلين بالدراما التلفزيونية، سلط الضوء عليهم ولم ينتبه «إطلاقاً» إلى أن المشتغلين في التلفزيون هم في الذاكرة المؤقتة للمشاهد فقط، على حين أن صاحبة السعادة أحيت ذاكرة المشاهد البعيدة وأرجعت للملايين في العالم العربي شخصيات راسخة في ذاكرتهم مثل عمر بالكابتن ماجد وإيكوسان وآش بالبوكيمون. وسلطت الضوء علينا بمهنية عالية استندت إلى البحث عن صنّاع هذه الشخصيات، لأن هناك مهنيين إعلاميين مهتمين بالبحث عن النجوم الحقيقيين أمثالك وأمثال إسعاد يونس وهذا ما يغنينا عن ظهور لحظي على السجادة الحمراء!
كأن لديكِ نوستالجيا دائمة للعودة إلى عالم الطفولة من خلال الدوبلاج الكرتوني؟ هل هذا التفسير لشغفك بهذا العمل صحيح؟
أجبتك سابقاً أن تلك الشخصيات راسخة في ذاكرة الملايين وهذا دليل إضافي على أن الطفولة في كل إنسان، لا يُمكن أن تُنسى…! المتعة التي أكتسبها من خلال عملي في الدوبلاج الكرتوني هي أنني لا أتذكر الحالة الطفولية لدي وحسب، بل أحياها على الدوام. ولست في حالة حنين إلى الماضي (نوستالجيا) كما أسميتها أنت…!
هل لاحظت بثينة شيا أن ثمة تغيراً في محتوى برامج الأطفال التي يتم استجلابها للدبلجة وهل فعلاً يتعرض العالم إلى غزو ثقافي وأدلجة استهلاكية تستهدف الطفل؟
مادام محور حديثنا أصبح يتحدث عن الطفل، فدعني أقول إن طفل اليوم ليس مجرد طفل وحسب، في عالم الشبكة العنكبوتية المفتوح صار هذا الطفل باحثاً أو مستقصياً عن العمل الفني الأصلي، فالتغيير لم ألحظه أنا فقط…! بل لَحِظهُ الجميع والطفل أولاً.
أما مسألة الغزو الثقافي والأدلجة الاستهلاكية، فهي الشكل الجديد لحروب القرن الواحد والعشرين.
كيف تغيرت مهنة الدوبلاج الكرتوني من الأمس إلى اليوم وأنتِ عرفتها ربما ليس في البدايات ولكن في مرحلة البدايات وهنا أتحدث من حيث التقنية وآلية العمل؟
التغير كبير في مهنة الدوبلاج، فوفق التطور التقني وتطور آليات العمل، صارت ماكينة الإنتاج أقوى من دون شك! لكن قد تقع أحياناً في مشكلة المستوى، فالانسجام الذي يُفقدنا إياه هذا التطور التكنولوجي حين نستطيع تسجيل الشخصيات كل واحدة على حدة وليست مجتمعة كما هو في السابق -على سبيل المثال- يُوقِع المشرف الفني على العمل في مطب الإيقاع الصحيح للعمل الفني..! التطور المهني حالة لا بد منها شرط أن تكون مرتبطة بمهنية عمل عالية.
ماذا تقول لنا بثينة شيا اليوم في ظل ما نعيش؟
نعيش اليوم في ظل تغييرات تطرأ على خريطة العالم أجمع، ومن الواجب علينا أن نستوعب أو نعي «بشكل أدق» هذه التغييرات.. نواكبها، ونستفيد من الإيجابي منها، وأن نسعى لأن نترك أثراً كما فعل أسلافنا سواء أكان فنياً أم إنسانياً لأننا جزء من رسالةٍ حضاريةٍ يجب عيلنا أن نشارك في كتابتها.