قضايا وآراء

معركة الحديدة معانٍ ومؤشرات

| عبد المنعم علي عيسى

يجري الحديث منذ أواخر الشهر الماضي عن هجوم تشنه قوات التحالف السعودي على مدينة الحديدة الاستراتيجية، والتي تشكل عملياً الرئة التي يتنفس منها «أنصار الله» ومعهم مليون ونصف المليون من اليمنيين، واللافت في هذا السياق هو ذلك التضارب الكبير في التقارير الصادرة عن كل من الطرفين، ففي يوم الخميس الماضي قالت قوات التحالف إنها على بعد 6 كم من مطار الحديدة، في حين يؤكد «أنصار الله» أن تلك التقارير لا أساس لها من الصحة، لكن الراجح هو أن ثمة تقدماً حقيقياً لقوات التحالف وهو لا ينفصل عن الحرب الأميركية المعلنة على إيران منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن انسحاب بلاده من اتفاق فيينا النووي في الثامن من شهر أيار الماضي، فقد كان واضحاً أن تلك الحرب سوف تأخذ أشكالاً وأنماطاً جديدة، ففي أعقاب إعلان ترامب سابق الذكر، قالت وزارة الخزانة الأميركية إنها «ستواصل العمل مع حلفائها في التحالف العربي وتدريب طياريه على دقة الضربات والحيلولة دون وقوع ضحايا مدنية» وهو تصريح وإن كان يتستر تحت لبوس «أخلاقي» إلا أنه في جوهره إيذاناً برفع سقف الدعم المقدم لقوات التحالف بعد أن ذكرت تقارير بريطانية منذ شهر آذار الماضي عن وجود وحدات أميركية على الحدود ما بين المملكة السعودية واليمن وهي التي تتكفل بالتعامل مع الصواريخ التي يطلقها الأخير على الأولى.
ولذا فإن معركة الحديدة تقرأ على أنها محاولة لخلق انعطافة كبيرة في مسار الحرب اليمنية الذي بات يشكو مراوحة بين مد وجزر بعد مرور أربعين شهراً على تلك الحرب، وعبرها أراد الإماراتيون، وكذلك السعوديون الاستفادة من المناخات الصدامية التي خلقتها واشنطن في مواجهة طهران، إلا أن للأمر وجوهاً أخرى عديدة، والمناخات الأميركية إذا ما كانت ستوصل أبوظبي إلى زيادة نفوذها على امتداد الشاطئ اليمني على البحر الأحمر والخليج العربي أيضاً، فإن هذا لا يروق للكثيرين وأبرزهم بريطانيا التي لا توافق على التعاطي مع الإمارات «كقوة إقليمية صاعدة» وفي هذا السياق كانت دعوة لندن لاجتماع مجلس الأمن يوم الإثنين والخميس الماضيين لمناقشة الوضع الإنساني الذي ستخلفه معركة الحديدة، صحيح أن هذي الأخيرة ستكون لها آثار كارثية من بينها ترك 300 ألف طفل بين أنياب الموت، إلا أن بريطانيا لم تكن في يوم من الأيام من النوع الذي تحرك سياساته قضايا أو أزمات إنسانية.
اللافت هو في الموقف الإيراني الذي يبدو أقرب إلى غض البصر، لكنه يمثل رؤيا أخرى جديدة لطهران في مقاربة تلك الحرب في ضوء المناخات التي خلفتها الحرب الأميركية ضدها، وربما كان هناك ثمة رهان على موقف الرئيس اليمني منصور عبد ربه الرافض للهجوم على الحديدة، إلا أن ذلك الرفض لم يصمد لأكثر من نصف ساعة احتاجها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لـ«إقناع» الرئيس اليمني بجدوى ذلك الهجوم، إبان لقاء جرى ما بين الاثنين في الرياض بترتيب سعودي يوم الإثنين الماضي.
من المؤكد أن ما يجري في الحديدة والتعثر في صد الهجوم هو نتاج للخلاف الحاصل ما بين «أنصار الله» وبين حزب المؤتمر بزعامة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والذي انتهى بقتل هذا الأخير في كانون أول الماضي، وإذا ما كان أولئك، أي «أنصار الله»، قد جهدوا لجذب قواعد وقيادات الحزب منذ ذلك التاريخ إلا أن الجهد لم يفضِ كما يبدو سوى إلى جذب تيار ليس فاعلاً كما يجب في مواجهة تيار قوي يدعو إلى فك التحالف مع «الحوثيين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن