قضايا وآراء

أمس.. اليوم!

| اسكندر لوقــا

في سياق المبادئ التي تتحكم بسياسة الدول، وخصوصاً الدول الكبرى، كثيراً ما يلاحظ المرء تأرجح هذه السياسة بين المبدئية وعدمها، وذلك طبقا لمصالحها في معظم الحالات، وقد لا يظهر لها وجود في بعض الحالات أيضا، فتصبح سياسة عشوائية لا بداية لها ولا نهاية.
في إطار هذه المعادلة، كثيراً ما ظهر التباين في سياسة الدول الكبرى حول قضايا عالمية كانت موضع خلاف أو نقاش بين الدول المتصارعة لتحقيق مصالحها في إحدى مناطق العالم حصراً بشكل أو بآخر، وكمثال على ذلك إعلان ناطق باسم الحكومة الفرنسية في السادس والعشرين من شهر آذار عام 1956 أن البلدان العربية التي تؤلف قسماً كبيراً من المنطقة صاحبة العلاقة المباشرة بأي مباحثات تدور حولها «ليس من المعقول أن تقبل حلولاً تأتيها من الخارج»، ويذكر في هذا المجال أيضاً، صدور تصريح بلسان مسؤول أميركي معتبرا موقف فرنسا «ظاهرة تخاذل يجب محو أثرها من الأذهان» منطلقاً من فهم إدارته بأن هذه المنطقة هي جزء من المصالح الغربية وأن هذا الأمر «يقتضي حصر المباحثات التي تدور حولها بين دول الغرب فقط من دون إشراك أحد سواه».
بمثل هذا المنطق، صدرت هذه التصريحات وذلك لمناسبة قرب موعد انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية لدراسة الأوضاع في بلدان الشرق الأوسط.
ودليل التباين المشار إليه في هذه المناسبة هو موقف فرنسا بوجوب عدم التدخل الخارجي بشؤون هذه البلدان بالأمس، ودعوتها اليوم، للتدخل في شؤون سورية الداخلية وهي من بلدان الشرق الأوسط، بل قيامها بالتحريض ضد سورية التي خرجت من العباءة الفرنسية منذ عقود طويلة وما زالت حية في الذاكرة الفرنسية والحلم الذي يراود أصحابها في الوقت الراهن.
بين الأمس واليوم، كما هو معروف، ثمة العديد من التغيرات التي طرأت في العالم، في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي سورية خصوصاً، ومن هذه التغيرات يقظة السوريين الذين سبق أن عانوا الكثير من الاستعمار الفرنسي على مدى ربع قرن من الزمن وأنهم ما زالوا على نهج آبائهم وأجدادهم في التمسك باستقلالية القرار في وطنهم سورية، كما بقدرتهم على دحر أي اعتداء يقع عليهم، بفعل التباين الذي يظهر جلياً في نهج الدول الكبرى ومنها فرنسا التي كانت بالأمس على قناعة بأن دول المنطقة من غير المعقول أن تقبل حلولاً تأتيها من الخارج، ترفع اليوم شعاراً للتدخل في الشأن السوري، في إطار الحرب الكونية التي تشن عليها.
بالأمس كانت فرنسا دولة استعمارية عانى شعبنا العربي السوري من غلوها في محاربة يقظتهم الوطنية والقومية على حد سواء، واليوم هي تحاول، ولكن عبثاً، كي تعيد تاريخها الاستعماري على حساب السوريين الذين يدفعون الثمن غالياً، وبلا هوادة لتكون كلمة الفصل لهم لا للفرنسيين ولا لسواهم، ما دامت المؤامرة الدولية مستمرة تسعى للنيل من صمودهم وحماية إرثهم الحضاري المتوارث منذ آلاف السنين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن