الانتخابات التركية.. لن يغادر حتى لو خسر!
| بسام أبو عبد الله
يتوجه المواطنون الأتراك يوم الأحد القادم للتصويت عبر صناديق الاقتراع في أكثر الانتخابات البرلمانية حساسية في تاريخ تركيا المعاصر حسبما يشير أغلبية المراقبين إلى أن تركيا ستدخل في اليوم التالي لهذه الانتخابات في نظام رئاسي تنفيذي جديد يلغي النظام البرلماني القديم، والدور الرمزي لرئيس الجمهورية لتتحول تركيا إلى نظام دستوري جديد.
سوف يتمتع الرئيس التركي بناءً على التعديلات الدستورية التي أقرت في استفتاء شعبي نيسان 2017 بصلاحيات واسعة حيث سيلغى منصب رئيس الحكومة الذي كان يتمتع بصلاحيات تنفيذية وسياسية واسعة يكتسبها من الأغلبية البرلمانية، ومن ثم يلغى دور البرلمان في تسمية رئيس الحكومة، ليحل محل ذلك نواب الرئيس الذين يسمون من الرئيس مباشرة، ويعزلون من قبله أيضاً، كما يحق للرئيس إصدار المراسيم التشريعية التي لها صفة القانون، وكذلك إعداد الموازنة السنوية للدولة، وإعلان حالة الطوارئ، وحق حل البرلمان، إضافة إلى تعيين القضاة، كما شملت هذه التعديلات الدستورية زيادة عدد أعضاء البرلمان من 550 حالياً إلى 600 سيتم انتخابهم الأحد، وتم تخفيض سن المرشحين إلى 18 عاماً بعد أن كان 25 عاماً، وستتم الانتخابات البرلمانية كل خمس سنوات بدلاً من 4، وفي يوم إجراء الانتخابات الرئاسية نفسه.
يبلغ عدد الناخبين الأتراك 59.39 مليون ناخب، منهم أكثر من 3 ملايين ناخب في الخارج، و56.34 مليون ناخب داخل تركيا، وستجرى الانتخابات البرلمانية، والرئاسية في 81 محافظة تركية، و123 بعثة دبلوماسية في 60 بلداً، و34 معبراً حدودياً، من خلال 181.896 صندوق اقتراع، حسب ما نشرت العديد من وسائل الإعلام التركية والأجنبية، ومن الجدير بالذكر هنا أنه تم تمرير قانون في البرلمان التركي في 3 آذار قبل الماضي يسمح للأحزاب بتشكيل تحالفات انتخابية، وفي حال تجاوز التحالف عتبة إلى 10 بالمئة من الأصوات على المستوى الوطني فإن كل الأحزاب يمكن أن تمثل، وذلك بهدف مساعدة الأحزاب الصغيرة على الوصول للبرلمان.
تتوزع التحالفات الانتخابية للبرلمان بين «تحالف الشعب» الذي يضم حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير، و«التحالف القومي» الذي يضم حزب الشعب الجمهوري، وحزب الخير بزعامة ميريل آكشنير التي انشقت عن حزب الحركة القومية، وحزب السعادة الإسلامي، والحزب الديمقراطي، وأما حزب الشعوب الديمقراطية فسوف ينافس وحده، وكذلك حزب «الهدى» الإسلامي التوجه، وحزب وطن القومي التوجه.
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية فينافس الرئيس رجب طيب أردوغان كلاً من محرم اينجة، مرشح حزب الشعب الجمهوري، وميريل آكشنير زعيمة حزب الخير، وصلاح الدين ديميرتاش مرشح حزب الشعوب الديمقراطي، وتميل كارامولله أوغلو زعيم حزب السعادة الإسلامي، ودوغو بيرنتشيك زعيم حزب وطن ذو التوجه القومي.
تبدو هذه الانتخابات هي الأكثر حساسية في تاريخ تركيا المعاصر، ليس فقط بسبب التعديلات الدستورية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ وإنما أيضاً بسبب إجرائها في ظل قانون الطوارئ الذي فُرض بعد محاولة الانقلاب في تموز 2016، ولذلك فإن الكثير من الملاحظات ومؤشرات التشكيك تعلو في كلام المؤسسات الأوروبية، والغربية حول نزاهة هذه الانتخابات، وشفافيتها في هذه المرحلة بالذات، ومع كل ذلك فإن السيناريوهات المحتملة في تركيا بعد هذه الانتخابات تتمحور في ثلاثة احتمالات حسب ما يذكر الكاتب التركي مراد يتكين في حرييت ديلي نيوز، وهي:
1- السيناريو الأول: إذا لم تتم إعادة انتخاب أردوغان، وفقد الائتلاف الحكومي أغلبيته البرلمانية، فإن البرلمان الجديد على الأغلب سوف يرفع حالة الطوارئ كخطوة أولى، وسيبدأ العمل مع الرئيس الجديد لكتابة دستور جديد قد لا يتضمن العودة للنظام القديم، ولكن قد يكون أقرب للنموذج الفرنسي «نظام شبه رئاسي» يعطي المزيد من السلطة للقضاء والبرلمان.
2- السيناريو الثاني: أن يعاد انتخاب أردوغان رئيساً، ولكن يفقد حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية، وهنا يتوقع مرحلة اضطرابات سياسية، وعدم يقين، ومثال ذلك: إذا رفع البرلمان حالة الطوارئ، وعاد الرئيس كرأس للدولة لفرضها مرة أخرى مما سيؤدي إلى صراع بين الرئيس والبرلمان، وهو ما يفرض على الرئيس بموجب صلاحياته الجديدة حل البرلمان، والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة، الأمر الذي سيتسبب بمرحلة من عدم الاستقرار في البلاد، وتبعات ذلك الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
3- السيناريو الثالث: إعادة انتخاب أردوغان رئيساً، وفوز تحالفه البرلماني «حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية» بالأغلبية البرلمانية، وهو ما سيعني على الأغلب التحرك بسرعة في مشروعه لإعادة هيكلة جهاز الدولة التركي وفقاً للنموذج الرئاسي التنفيذي الذي يمنح الرئاسة كل السلطات التنفيذية وهذا سيكون له انعكاسات اقتصادية، وفي السياسة الخارجية.
برأي مراد يتكين يصبح أمام حزب العدالة والتنمية بعد الانتخابات سيناريو واحد، وهو: الولاء لأردوغان بدلاً من الولاء لمبادئ الحزب السياسية وقيمه، الأمر الذي اتضح بشكل بارز بعد انتخاب أردوغان رئيساً عام 2014 إذ أطاح بـعبد اللـه غل، كبديل له في رئاسة الحزب، ثم أزاح أحمد داوود أوغلو لاحقاً من رئاسة الحكومة، والواضح تماماً أنه سيأتي بجيل من الشباب يدخل عالم السياسة عبر بوابة أردوغان، وهو ما سيجعل ولاءهم، وتطلعهم للمستقبل ولتركيا الجديدة من خلال منظار أردوغان فقط.
– تبدو آمال المعارضة التركية محصورة في أمرين:
1- نقل التنافس على الرئاسة إلى دورة ثانية، والهدف إظهار أردوغان بمظهر الضعيف، الذي لم يستطع الحصول على النصف زائد واحد.
2- منع حصول تحالفه الانتخابي على الأغلبية في البرلمان من خلال انتظار نتائج حزب الشعوب الديمقراطي الذي تشير التقديرات إلى أنه قد يحصل على أصوات تتراوح بين 8-11 بالمئة، حسب مصادر متناقضة لاستطلاعات الرأي العام.
إن كل القرارات والتقديرات تتفق حتى الآن على أن أردوغان سيفوز بالرئاسة، وسيحاول حسم الأمر من الدورة الأولى، وإذا لم يتمكن فهذا يعني الانتقال إلى دورة ثانية مع محرم إينجه مرشح حزب الشعب الجمهوري، ما سيزيد المنافسة بشكل أكبر بين المرشحين.
تراقب واشنطن الانتخابات التركية عن كثب، وكان لافتاً ما نقل عن أوساط أميركية من أن تركيز أردوغان على استثمارات البنية التحتية خلال حملاته الانتخابية لم يكن عبثياً، لأن المعنى الحقيقي لها أنها ستكون مرتكزاً لسياسة خارجية تقوم على تعاون اقتصادي إستراتيجي كبير مع الصين خلال فترة قصيرة ضمن إطار مشروع طريق الحرير، ويدللون على ذلك إشارات إردوغان لـقناة إستانبول البحرية، والجسر الثالث في إستانبول والمطار الثالث كذلك.
يعتقد المختصون حسب مواقع إعلامية، أن روسيا ستلعب دوراً فعّالاً في هذا المشروع، وأنه يجري وضع أسس شراكة قوية جديدة على الصعيد العالمي مركزها أوراسيا وموجهة ضد الولايات المتحدة، ويقولون: من الضروري تصور وضع تركيا ضمن هذا الإطار، وتقرأ الإدارة الأميركية الانتخابات التركية المرتقبة ضمن إطار صيغة قادرة على خفض احتمالات تكوين هذه الشراكة إلى أدنى مستوى ممكن!
بغض النظر عن إذ كانت هذه التوجهات الجديدة سيسمح بها لتركيا، أم لا، وهو أمر يحتاج للتدقيق والمراقبة والمتابعة ما بعد الانتخابات، فإن أجمل تعليق حول الانتخابات التركية جاء من أحد الشبان الأتراك الذي قال لصحيفة «يو إس إيه توداي» الأميركية: «أردوغان لن يغادر السلطة حتى لو خسر، فهو سيفعل أي شيء، وكل شيء، من أجل أن يفوز»، فلننتظر ونرى.