الوطنية وتربيتها!
| إسماعيل مروة
تجلس مع أي شخص كان فيحدثك اليوم بالوطنية، وقد صار مفهوم الوطنية اليوم مشاعاً لكل إنسان، وحقاً فإن كل إنسان يملك الحق بالحديث عن الوطن والوطنية، وعلى كل إنسان أن يحب وطنه، وأن يتشبث به، وأن يعليه على كل شيء، لكن المشاعية اليوم تدفعك إلى التدبر، فأنت تسمع قطبين متناقضين، أو تشاهد متناقضين، وكل واحد منهما يحدثك عن الوطن والوطنية من منظوره، ومن دون أن نقف مع أحدهما في مواجهة الآخر، إلا أن الوطن لا يخضع لمصلحة شخصية أو فئوية أو دينية أو ما يماثل ذلك، والوطن يقف ساخراً من كل المتشدقين باسمه، فهو يدرك أنه باق وكل من يتشدقون باسمه، وبالحديث عنه سيرحلون مطرودين مذمومين أو مشكورين على ما قدموه، وفي كل حال فإن الغد القادم هو الذي سيحدد المفهومات ودقتها، والشخصيات وصوابية رأيها.
الوطن لا يتحدث عنه شخص غادره طوعاً، واختار سكناً متسولاً له، وانقاد لأناس لا علاقة لهم بوطنه، من إستانبول أو الرياض أو الدوحة، أو حتى من عمان أو القاهرة.. فالذي ينظر متلذذاً بعذابات ناسه، داعياً إلى ضرب الوطن، متشفياً وسعيداً بكل ما يقع على وطنه، لا يحق له التحدث باسم الوطن والشعب.. لاشك في أن بلداننا العربية تحتاج ديمقراطية وحريات، وسورية ضمناً، ولكن هل تأتي الحريات بدعوة الأميركان والأوروبيين للتدخل في سوري؟ ولن أدخل في جدل لا طائل تحته، فالمنافع الشخصية تمنع من الرؤية السليمة، وقد تحدثت مع كثيرين حتى من المعارضة عن مفهوم الحرية، وأنا أزعم أن الحرية الموجودة اليوم في ظل الحرب أعلى مما هي في دول تدعو إلى الحرية في سورية! ولو عدنا إلى ما قبل الحرب على سورية فإننا سنجد كماً هائلاً من الحرية، دون طموح الإنسان السوري الحضاري، لكنه فوق كل تخيل، فأنت يمكن أن تلتقي بسيارتين- وقد حدث- إحداهما من سهر وسرور قادمة، ولا تراعي أي تقليد، والأخرى قادمة من مسجد أو ذاهبة إليه! قبل الحرب، وإلى اليوم أنت تتعامل بالنقد السوري والنقد العملة الصعبة من دون أي مشكلة، أنت تكتب وتنتقد ولا أحد يتعرض لك، وكل ما نسمعه من هذا وذاك ضرب من خيال، وربما كان بعض المسؤولين الذين صاروا في الخارج هم من كمّم أفواه بعضهم وأخذ حريتهم.
عدد كبير منا زار دولاً غير سورية عربية وغير عربية، وإن نسبة الأمان العالية لم تكن في غير سورية، ليل نهار لا تتوقف الحركة، ولا يتعرض لك أحد، ولا يقترب مما تحمل أحد ولا يسرق متجرك أحد، ولا يسرق مصاغك أحد، باستثناء حوادث فردية.. قد يقول قائل: إنها القبضة الأمنية! هب أنها كذلك لكن أراهن من يملك ذاكرة منصفة أن يشير إلى حالة اقترب منه أحد إلا إذا تجاوز، ولم يكن يطلب من أحد أي إثبات من أي نوع لشخصه وملكيته!
ولاشك بأن بعض الناس أخذت حقوقهم من متنفذين، وعدد من هؤلاء اليوم في الخارج، فهل هؤلاء يحق لهم التحدث باسم الوطن والوطنية؟
وكما أولئك يوجد عدد كبير في الداخل يتحدثون بالوطنية، وكل ما يقومون به يقف ضد الوطن والمواطن! فإذا اضطهدت المواطن فهل تعد وطنياً؟ وإذا استغللت بساطته وسلبته حقه في الحياة الكريمة فهل تمثل الوطن؟
وإذا تحكمت بمصائر الناس وأرزاقهم بالمنع والإجازة فهل أنت تنتمي إلى الوطن؟
الوطن مواطن أيها السادة، وليس من حق أحد أن يصادر حياته الكريمة، أو أن يتحدث باسمه إلا إذا كان عاملاً لراحته وكرامته.. في كل يوم نكتشف قضايا جديدة، ونتعرف إلى شيكات لبيع الوطن، أو إلى سرقات من جيب الوطن، أو إلى تجاوزات على حدود الوطن، فأين الوطن والوطنية؟
يقول الرحابنة: شو يعني وطن.. الوطن أنا وأنت.
تردد الأميرة هذه الكلمات، وترفض أن تلطخ شالها النقي بالذل..!
والذل لا يأتي من الأعداء والمتآمرين، ولكن قد يكون من الحاقدين والمصلحيين والمرتبطين بالخارج وهم في الداخل!
وللحديث صلة