ثقافة وفن

أغنية مسلسل «هارون الرشيد» تمثلني بكل تفاصيلها … عادل الجراح لـ «الوطن»: أغني الفصحى لأنني أحب أن أخاطب الآخر بلغة عالمية لا بلهجة محلية

| سوسن صيداوي

الريادة منذ الطفولة أن يختار المرء الأصعب، وأن يلتزم بقراره مع الإصرار بعمق المضامين، وتبني أو طرح قضية خلال بذل كل عطاء للوصول إلى تحقيق القرار، كلّها أمور يمكن الرهان عليها، ولكنه قد كسب رهانه، وخصوصاً أن لديه من الرغبة والرؤية ما يكفي بأن تكون المحرك الباعث، رؤيته أصيلة ونافذة، وموهبته خُلقت وتباركت بمجهود الأهل، إنه ابن مدينة حلب الفنان عادل الجراح الذي استطاع أن يفنّ بالعديد من الإبداعات، مستلذا مع بداية تقويم نطقه وانطلاقه، بجمع حروف الكلام وصياغتها في أبيات شعرية متمثلا بنزار قباني وامرئ القيس والإمام الشافعي، مشاكساً مع النوتة الموسيقية في عزفه على الغيتار ومحاولاً تنغيم ما يضعه من كلام، منتقلاً في حيز آخر إلى الإبحار في خيال الخطوط والألوان. وهو اليوم يطل علينا وعلى جهات أخرى من الكون مخاطبا بلغته العربية الفصيحة، ومتمسكاً ومؤكداً أنها العنوان لإرث حضاري لا يجب الاستهانة به. فناننا الشاب تربى وترعرع في كنف عائلة تقدّر الفن وتستمع إلى كل ما هو أصيل، وبين اهتمامات الأم والأب امتزجت عند الابن-منذ الرابعة من العمر- الكلمة بالنغم ملونة مقتديا بوالده الرسام، وبعدها أصبح مستعدا ليعتلي خشبة المسرح ويقابل الجمهور حاظياً بالريادة على مستوى محافظة حلب ومستوى القطر وهو تلميذ في الابتدائي. فناننا الشاب لا يضيع بين الشعر أو الغناء أو الرسم، بل يلبس الحالة مستمتعا في تقمصّها، ذاهبا معها إلى الآخر باحثاً عن الجمال مبتعدا عما تنشره الزوبعة الفنية الحالية، في فترة ليست ببعيدة أطلّ على الجمهور من خلال الدراما لمدة ثلاثين يوماً في الموسم الرمضاني، من خلال شارة مسلسل «هارون الرشيد»، ولماذا هو غير معروف محلياً بل مقدّر عربياً؟ بالنسبة له الأمر ليس مزعجاً لأنه يعرف تماما ما يقدم وأن الوقت مازال حليفاً معه، ولكن هذا السؤال نسأله نحن كمتابعين ومعنيين ونوجهه إلى أصحاب القرار من إعلاميين وشركات إنتاج -إن وجدت- تهمل المواهب السورية الواعدة. نحن التقينا الفنان ولتعريفكم عليه أكثر نقدم لكم حوارنا معه:

أنت من أسرة فنية.. حدثنا عن البدايات.. من اكتشف هوايتك وشجعك عليها؟
أنا من عائلة عاشقة للموسيقا والفنون، نشأت على مزيج من حضارات الموسيقا. ومنذ البداية كانت والدتي وعائلتي الكبيرة الداعمين للحالة الفنية الموجودة عندي، فوالدتي دائماً تسمع الجمال من عبد الحليم إلى فيروز مرورا بخوليو إلى موسيقات وأصوات عديدة. الجو كان مناسبا ومنه انطلقت وبدأت-منذ الصغر-بكتابة الشعر، وعندما أصبحت في الخامسة صرت أيضاً أصنع نغما للكلمات وأغنيها. بعدها تتالت التجارب وأخذ العشق يكبر، إلى أن أصبح بمقدوري أن أقدّم نفسي في المسابقات المدرسية، وأحصل على التكريمات كرائد على مستوى مدينة حلب والقطر.
لماذا لم تدرس الموسيقا وتحولت إلى كلية الفنون الجميلة.. وماذا كان اختصاصك بالأخيرة؟
لم أدرس الموسيقا لغياب جامعة تُعنى بالموسيقا في مدينة حلب، فكلنا نعلم بأن المعهد العالي في مدينة دمشق، والأهل لم يرغبوا بابتعادي عنهم لهذا درست في حلب. في كلية الفنون الجميلة كان اختصاصي قسم الرسم والتصوير، لأنني كنت عاشقا منذ الصغر للرسم واللون والتفاصيل بجانب حبي للموسيقا، فوالدي رسام وأنا ورثت حب الريشة واللون منه، ولكن هذا لم يمنعني من دراسة الموسيقا والغناء، بل تابعت ودرست عند كبار الأساتذة بحلب وخارج سورية، وربما أهتم بكل تلك الأمور الإبداعية لأنني أسعى دائماً إلى صياغة نفسي بصورة مختلفة عما هو سائد في مجتمع الفن.
أنت نخبوي الاختيار وتغني العربية الفصحى.. هل اختيارك هذا لأنك تتجه نحو النخبة فقط؟ المقصود من السؤال أن اللون الذي تغنيه تهتم به فئة معينة؟
بالعكس تماماً.. اختياري للغة العربية الفصحى لأنني أريد أن أتوجه للعالم بأسره، فالفصحى هي لغة القرآن الكريم ولغة أجدادنا، وفيها الأصالة والجمال والعمق بعِبر التاريخ، هذا من جهة ومن جهة أخرى أحب أن أغنيها لأنني أحب الوصول بفني وأن أخاطب الآخر بلغة عالمية لا أن أخاطب بلهجة محلية، وهنا أحب أن أشير إلى أن اللهجات السورية أو اللبنانية أو المصرية أو….. تبقى محدودة حسب الكلمات الموجودة لكل منطقة كما أنها لا تُفهم من الجميع، أضيف إنه ليس عندي مشكلة بالغناء بأي لهجة إذا كان موضوع النص مهما. أما بالنسبة لاهتمام فئة معينة بغناء العربية الفصحى، فهنا لدي تحفّظ وعتب كبيران جداً، لأننا وبالفعل وصلنا إلى زمن صار الاستماع لأغان فصيحة في بعض البلاد للفئة المخملية والمتحضرة، وهذا المبدأ كلّه تخلّف وفيه الكثير من التراجع، لأن العربية ليست حكراً على أحد للأسباب التي ذكرتها أعلاه، ومن ثم إذا كان الناس في مجتمعنا لا يفهمون الأغاني المنسوجة بكلمات ميالة للبساطة نسبياً، فهنا تكمن المصيبة الأكبر لأنهم عرب ولغتهم الأم هي العربية.
ما رأيك بالأغنية الشعبية؟ وهل فكرت مرة بأن فنانين مثلك مهتمين بالفكر والمضمون بإمكانهم أن يرقّوا هذه الأغنية ويساهموا في نشرها بصورة أفضل؟
برأيي اللغة واللهجة ليست معيارا للرقي، فالرقي يكون بالمحتوى أينما وجد وأينما كان، وأضيف إن الأغنية الشعبية هي حضارة منطقة وجغرافيا ومكان، وبشكل عام الهدف من الغناء والفن هو إيصال رسالة على اختلاف أنواعها، وأختم هنا بأن الفنان إذا غنى بأي لغة أو لهجة، وإذا كان له توجه وفكر، فهو في النهاية سيصل للجميع.
برأيك إلى أي مدى القصيدة الفصيحة مطواع مع اللحن؟
موسيقياً لطالما كانت لغتنا العربية بحراً، فلا خوف على مطواعية القصيدة إذا كان الملحن ذا فكر متجدد وإيمان مع تصميم بما يقدم.
ألا تخشى أن تقولب في قالب القصيدة المغناة وألا تستطيع الخروج منه؟
على الإطلاق.. أنا لا أخشى أن أتقولب لأنني من الأساس لم أضع نفسي في قالب معين، لأني أحاول دائماً أن أبحث عن الجديد وعن الابتكار ومواكبة الجيل الجديد بروح الأصالة.
ماذا عن مقارنتك بكاظم الساهر؟
كاظم موسيقار ومدرسة موسيقية وأنا أحب فنه جداً، ومتأثر بما قدم، وأنا أحرص أبداً ألا أكون شبيها له في فنه، بل أطمح دائماً وأسعى إلى أن أقدم نفسي وأقدم ما يشبه تماما عادل جراح. وهنا أحب أن ألفت إلى أن المقارنة تقع دائماً ربما من باب الغناء باللغة الفصحى، لكن لكل منا روح وبصمة خاصة وأرى نفسي البعيد القريب.
الفن يمشي في عروقك.. متى تكتب أو تلحن أو تغني أو ترسم؟
أبدع فناً عندما أدخل في حالة وأتأثر بها، لا عندما يجب علي ذلك، أحياناً يُطلب مني عمل ولا أستطيع إنجازه بسرعة، لأن ملاك الإبداع لم يخاطبني، لا أحب تأدية الواجب فقط من دون جموح في عوالم إبداعية.
قلت مرة (أنا أؤمن باتحاد المجهود وأحب فكرة المسرح الغنائي، وأحاول خلق حوار بالأغنية يشابة المسرح الغنائي وأسعى لتطوير الفكرة دائما)…. هل سيبقى هذا كلاما قلته في السابق؟ ألن تسعى إلى تحقيقه؟
أنا أسعى بكل جهدي إلى تحقيقه ولكن لكل وقت آذان، وإن شاء اللـه حين يحين الوقت سنحقق الأمنيات.
برأيك ألا يحتاج الفنان إلى الانفتاح على تجارب الآخرين؟
بالنسبة لي أنا أحب كثيراً الانفتاح على تجارب الآخرين، كما أحب الاستماع والإنصات للجمال أينما وجد، فالأمر يعنيني سواء في معرفة ماذا يُقدم أم بماذا يجب علي أن أقدم.
حدثنا عن معاناتك مع الإنتاج السوري؟
بصراحة في الأساس أنا لم أعان الإنتاج السوري لسببين، الأول لأنه وفي الأصل لا يوجد في سورية إنتاج، وهذه هي مشكلتنا الحقيقة، فنحن بحاجة فعلاً إلى شركات لصناعة الموسيقا كشركات صناعة الدراما. والسبب الثاني: أنا أنتج أعمالي بنفسي، وبالطبع أنا أعاني كثيراً كي أصنع عملا يمثلني وفي الوقت نفسه العمل يقدم رسالة، في النهاية نتمنى أن نصل في سورية لمرحلة صناعة الفن بشكل كامل، وألا يقف الموضوع عند الدراما فقط.
مؤخراً شارة مسلسل هارون الرشيد كانت بصوتك، حدثنا عن هذه التجربة.. وماذا أضافت إليك؟
القصيدة من العصر العباسي وأسرت قلبي، للشاعر أبو نواس ومن ألحان المؤلف الموسيقي المبدع رضوان نصري. التجربة جميلة جداً لأنها تمثلّني بكل تفاصيلها، ابتداءً من القصيدة وآلية الطرح والسرد وانتهاء بالألحان والموسيقا والفكر الجديد بالعمل، وأحب أن أشير إلى أن المؤلف الموسيقي رضوان نصري هو صديق ويعرف تماماً كيف يتعامل مع صوتي.
في الختام ما جديدك؟
جديدي في الدراما من خلال المشاركة في غناء شارة مسلسل «فرصة عمر» الذي سيعرض قريبا. كما أنني قيد التحضير لألبوم من نوع خاص ومميز جداً لأنه يهتم ويركز على الأغاني الهادفة والكلمة التي لها وقع على المجتمع، وسيصدر خلال الأشهر المقبلة.
بطاقة تعريفية
– الفنان عادل جراح، تولد 1988 في مدينة حلب، خريج كلية الفنون الجميلة.
– مغن وملحن يجيد العزف على الغيتار والبيانو.
– يكتب الشعر.
– أغانيه الوطنية: جرح الروح، راجع على سورية، طوق النجاة، حكاية سلام، حلب…لقاء النصر.
– ومن أعماله الأخرى: واهاً لقلبي- عشقت هواك- يا ملهمي– خذني إليك– شديلي ايدي– الحب يعني الآه– أشواق أرواح– مضى المشوار- مدري ليش– نور عيني اذكريني-الثأر ثأري-طوق النجاة، وغيرها من الأعمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن