من دفتر الوطن

حوار غريب!

| عصام داري

عادة لا أسترق السمع في أي حوارات تدور بالقرب مني، فأنا لست فضولياً بطبعي، ولا أهتم بأحاديث الآخرين، حتى لو كانوا قريبين مني، لكنني منذ أيام قليلة وجدت نفسي مضطراً لاستراق السمع ومتابعة الحوار الذي دار بين مجموعة أشخاص في الطاولة المجاورة لطاولتي في أحد المقاهي الدمشقية.
وجدت نفسي أخرج من محفظتي قلم رصاص صيني الصنع وبعض الأوراق، ورحت أدون رؤوس أقلام من هذا الحوار الذي أظن أنه من أطرف وأغرب الحوارات التي سمعتها في حياتي، وسأحاول اختصار هذا الحوار قدر المستطاع.
كان الحديث يدور حول نهائيات كأس العالم بكرة القدم المقامة في روسيا، وهذا أمر طبيعي، فمعظم الأحاديث تدور هذه الأيام حول هذا الحدث الرياضي الكبير، لكن غير الطبيعي أن ينحرف الحوار ويصبح عن الحياة والموت، وماذا يحدث بعد الموت وغير ذلك.
قال السيد ميم: بعد أربع سنوات سنتابع كأس العالم في قطر.
أجابه السيد لام: الله يعطينا طول العمر، من يضمن أن يعيش حتى الغد؟
السيد واو: هناك سؤال يحيرني..
السيد سين (ساخراً): ما هو يا طويل العمر؟
واو: ماذا يحدث لنا بعد الموت؟
انصبت نظرات الجميع نحو السيد واو، فسؤاله صادم وغير متوقع، فقال له السيد ميم: بسيطة إما سنذهب إلى الجنة وإما إلى النار.
عاد السيد سين إلى سخريته: لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار، كما يقول شاعرنا الكبير نزار قباني.
واو: أعرف، لكن هل نذهب فوراً إلى الجنة أو إلى النار أم إننا سننتظر حتى يوم القيامة؟
السيد ميم: طبيعي لا ندخل هذه أو تلك إلا بعد الحساب، أي يوم الحساب، أو يوم القيامة.
واو: هذا ما قصدته، بعد وفاتنا إلى أين نذهب بانتظار حلول يوم الحساب؟
السيد لام: والله أنا لست خبيراً في الدين، لكنني أظن إلى برزخ، أو مرحلة وسطى بين الحياة الدنيا والآخرة.
السيد سين (جاداً لأول مرة): أنا أعرف أن علم البرزخ عند اللـه وحده، لكن يقال إن حياة البرزخ هي: الحاجز الذي يحجز بين البشر وبين الرجوع إلى الدنيا أو الانتقال إلى الآخرة.
واو: هنا بيت القصيد، ماذا نفعل في البرزخ، أو في هذه المرحلة الانتقالية بين الحياة الدنيا والآخرة؟
تدخل السيد ميم وقال بشيء من ضيق الصدر: يا جماعة كنا نتحدث عن كأس العالم فإلى أين أخذتمونا؟
واو: أنا لم أخرج عن الموضوع!
نظر الجميع، بمن فيهم كاتب هذه السطور نحو السيد واو، فسأله السيد سين: كيف لم تخرج عن الموضوع، وصار الحديث عن الموت والبرزخ والحياة الآخرة؟.
واو: أعني، في البرزخ هل يمكن أن نتابع كأس العالم كل أربع سنوات، وهل بإمكاننا متابعة منتخبنا في المستقبل بعد موتنا؟
انفجر الجميع في الضحك، حتى أنا لم أستطع إخفاء ابتسامة عريضة، فسأله السيد لام: باختصار أنت لا تهتم بالموت وما بعد الموت إلا بكرة القدم والمباريات.
واو: أنا أستغرب فقط كيف سنمضي عشرات الآلاف من السنوات في البرزخ من دون عمل ولا حركة، لذا أتمنى أن تكون هناك فسحة نتمتع فيها بشيء يسلينا، ولا بأس أن نتابع مباريات الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة.
نقلت جانباً من هذا الحوار، لكنني أعترف أن هذا الموضوع يطرح أسئلة عن الموت والحياة لا حدود لها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن