قضايا وآراء

ترامب يمضي وحيداً.. يواجه عالماً يُناصبه العداء

| قحطان السيوفي

الجدلية الأساسية للتقلبات المزاجية الشرسة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تشبه توالي الليل والنهار؛ التهديدات الهوجاء يتبعها المصالحة يليها الغضب ثم التهديدات… هذا النمط اتبع مع كيم يونغ أون زعيم كوريا الشمالية. هدد ترامب بمسح هذا البلد من على وجه الخريطة. ثم اكتشف أن «رجل الصواريخ كان شريفا»، وآخر الاستعراضات الترامبية انسحابه من مجلس حقوق الإنسان تأييداً للكيان الصهيوني.
حلفاء أميركا يتشبثون بالأمل ليبقى ترامب رئيساً لمرة واحدة. أو عليهم الانتظار لمدة عامين ونصف العام.
إذا فاز ترامب مرة أخرى عام 2020، فإن أميركا ستصبح أكثر بعداً عن النظام العالمي الذي أنشأته.
آخر توصيف للرئيس ترامب أن المؤيد للشركات يشعر بالقلق من ترامب الحمائي على الصعيد الداخلي بعد فترة وجيزة من إقرار تشريع تخفيضات الضرائب، قرر ترامب طرد عدد من كبار المسؤولين الذين أظهروا أنفسهم أنهم الراشدون… بالتوازي أزال توقيع أسلافه على اتفاقية باريس للمناخ، أو الشراكة العابرة للأطلسي، أو الاتفاق النووي، وأخيراً سحب توقيعه على بيان قمة «مجموعة السبع» في كندا.
عُقدت قمة كندا على خلفية توتر غير مسبوق بين واشنطن وحلفائها في مجموعة السبع، تسبب به قرار الرئيس الأميركي فرض رسوم إضافية على استيراد الصلب والالمنيوم من كندا والدول الأوروبية، والمكسيك بحجة وجود عجز تجاري معها. تذرع ترامب باعتبارات الأمن القومي كي يبرر فرضها. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اعتبرتها «غير قانونية» ووزير التجارة البريطاني وليم فوكس وصفها بـ«العبثية»، كما ندد بها بيان لوزراء المال للدول الست الصناعية.
ترامب حمّل كندا مسؤولية إخفاق قمة السبع… فبعد دقائق من نشر بيان مشترك للقمة، طلب الرئيس ترامب سحب التأييد للبيان، على حين قال كبير مستشاريه الاقتصاديين، إن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (طعننا في الظهر…)، وقال ترودو للصحفيين إن قرار ترامب التذرع بالأمن القومي لتبرير الرسوم على واردات الصلب والألمنيوم هو أمر «مهين» للمحاربين الكنديين القدامى الذين وقفوا إلى جانب الأميركيين في الحرب العالمية.
وأضاف «لن نسمح بأن يتم فرض أي شيء علينا». وأننا «نتحرك لفرض تدابير انتقامية في 1 تموز، بحيث سنفرض رسوماً مساوية لتلك التي فرضها الأميركيون علينا».
مكتب الرئاسة الفرنسية ردّ بأن «التعاون الدولي لا يمكن أن يكون رهناً لنوبات غضب… » كما اتهمت برلين: ترامب بتدمير علاقة الثقة التي تجمع واشنطن بأوروبا، مجموعة السبع تستحوذ على نحو نصف إنتاج الأرض وحده، ويقدر حجم اقتصاداتها بحوالى 45 ترليون دولار. تمثل 60 بالمئة من التجارة العالمية.
رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس، يلخص فكر ترامب (في عهد الرئيس ترامب، قررت واشنطن ألا تنضم إلى الشراكة العابرة للأطلسي، وأن تنسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وتهدد بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة (نافتا)… أميركا أولاً والنظام الدولي ضدان لا يلتقيان. لكن الولايات المتحدة هي مهندس النظام الليبرالي الدولي وكفيله… لذلك يشكل قرارها بالتخلي عن دور لعبته منذ سبعين عاماً منعطفاً كبيراً).
الهيمنة الأميركية، التي استندت إلى ٨٠٠ قاعدة عسكرية في أرجاء الأرض وعشرات الحروب واالغزوات، واستغلت المؤسسات الدولية والمعاهدات، كالأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية… جاء الرئيس ترامب بشعاره (أميركا أولاً) دعوة ليشهد أفولها التدريجي.
الولايات المتحدة في عهد ترامب لم تعد نصيراً للعولمة، التي جاءت لمصلحة الصين وأوروبا واليابان… ليصل العجز التجاري الخارجي الأميركي الى ٥٦٦ مليار دولار لمصلحة الاتحاد الأوروبي والصين.
رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، حذر من خطر حقيقي وأضاف: (الذي يشكل هذا الخطر ليس المشتبه فيهم المعتادين)، وأثار فرض تعريفات ترامب التجارية موجة غضب، حتى مع حلفاء الولايات المتحدة الذين أصبحوا عرضة لتكبدها كغيرهم. وأثارت الخطوة مخاوف من اندلاع حرب تجارية.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض يقوم الرئيس ترامب بإضعاف جميع المؤسسات والبنى التي انشأتها الولايات المتحدة وحلفاؤها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، مثل حلف شمال الاطلسي واتفاقات التجارة الدولية. في وقت تتأزم أكثر العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في مواجهة التغريدة الترامبية، لم يصدر أي جواب أوروبي يسمي الرئيس الأميركي بالاسم، يتناسب مع حجم التحديات، والتهديدات التي يطلقها ترامب للمصالح الأوروبية. مدير «مركز الأداء الإستراتيجي» في مدريد، براء مكاييل، يرى أن الترامبية ظاهرة عابرة في العلاقات ما بين ضفتي الأطلسي: «من بين الأوروبيين من يراهن على أن المشكلات التي يثيرها ترامب مع الاتحاد الأوروبي والعالم، تحتاج فقط إلى انتظار ثلاث سنوات، وهي المدة المتبقية من ولاية الرئيس الحالي في البيت الأبيض، إن ضعف الأوروبيين أمنياً وإستراتيجياً إزاء الولايات المتحدة وعجزهم عن تحويل الكيان الاقتصادي الأوروبي من مجرد سوق إلى عملاق سياسي ودفاعي قادر على الاستغناء عن المظلة الأمنية الأميركية و«الناتو» جعل ردود الفعل على تصرفات ترامب الحمائية خجولاً، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقول «لا يمكن تصور أمن الغرب من دون الولايات المتحدة، لكنه حذر من أن الأعضاء الستة الآخرين بمجموعة السبع قد يشكلون مجموعتهم الخاصة إذا اقتضى الأمر، مضيفاً إنه «لا زعيم يبقى إلى الأبد».
ولكن ردود فعل الدول الست قوبلت باستخفاف ترامب الذي يعتقد أن هذه الدول غير قادرة أو غير مستعدة لتحدي الولايات المتحدة من خلال فرض إجراءات مضادة.
بالمقابل فصول الحرب التجارية بين ضفتي الأطلسي بدأت بتاريخ 19/6/2018 حيث فرضت أوروبا إجراءات جمركية ضد قرارات ترامب وذلك على عشرات المنتجات الأميركية مثل الويسكي، والجينز، والدراجات النارية… كما هدد ترامب بفرض رسوم 20 بالمئة على السيارات المستوردة، هل حدث أن كان مستقبل الاقتصاد العالمي يتوقف بشكل كبير على نزوات شخص وأهوائه؟
ولم يحدث قط في تاريخ هذه المؤتمرات السنوية للدول السبع منذ 1975، أن وجد رئيس أميركي نفسه وحيدا ومعزولا في مواجهة قادة دول حليفة لواشنطن، ترامب يمضي وحيداً، يتنكر لحلفائه، ويتحدى العالم ويُعكر صفو النظام العالمي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن