«تحت سرّة القمر» حين ينتقل من الرواية إلى الشاشة الفضية
| أحمد محمد السح
تأخر عرض الفيلم السينمائي «ليليت السورية» للمخرج السوري غسان شميط قرابة عام ونصف العام، ثم عرض الفيلم في شباط الماضي، وكان للمهتمين ملاحظة ضعف الاحتفال بالفيلم يوم الافتتاح، واقتصاره على قاعة صغرى في دار الأسد للثقافة والفنون، الفيلم المأخوذ عن رواية «تحت سرة القمر» للكاتبة جهينة العوام يعيد توجيه اللغة لتصير صورةً تحكي حياة الحرب والفوضى التي تحكم المجتمع.
الفيلم عرض على شاشة سورية دراما في آخر أيام عيد الفطر السعيد فكان مفاجئاً أن يتم توزيعه بهذه السرعة من المؤسسة العامة ومنحة للشاشة الصغيرة على حين لم يصل الفيلم إلى المراكز الثقافية ودور العرض في المحافظات السورية كافة، وهي مشكلة قديمة حديثة وقد يكون هذا مفيداً للفيلم والمخرج من حيث الانتشار، ولكنه ظالم للقيمة الفنية للسينما الفن الملكي من دون منازع، وفيه شيء من الاستعجال، ربما تحكمه ظروفنا وظروف سينمانا الكثيرة الشجون.
يتشابك الماضي والحاضر في الفيلم لنشهد ماضياً ماجناً لشخصية نبيل (وضاح حلوم) رجل السلطة الذي يتحالف مع الحاج عبد القادر (عبد الرحمن أبو القاسم) عبر زواج ظالم من ابنة الثاني سناء (علا باشا) لتعيش شخصية إنسان مكسورة ضعيفة، يصل بها الضعف إلى الاعتراف بمشاعر عابرة مع جار سابق لها في الحي هو المهندس علاء (مروان أبو شاهين) لتظل تحت تعذيب الضمير وفقاً للأسس التربوية التي أحاطها بها والدها الذي يتخذ من الدين مطية، ليدفع ابنه أحمد (مجد فضة) ثمن ماله الخسيس واستغلاله للناس حين يخطفه الرجال الذين اعتمد عليهم والده في استغلال القرية وتحجيم أبنائها بتقديم الخدمات الدينية لهم فقط، من دون تقديم أي قيمة خدمية لحياتهم البائسة التي تعريها الحرب.
ينجح المخرج غسان شميط في توظيف موهبة الممثلة علا باشا، وإعطائها دوراً لشخصية أكبر منها سناً من دون الوقوع في مطب جعلها كهلة، فهي شابة أجبرت على الزواج المبكر الذي جعلها تبدو كبيرةً في السن، ولكنها من حيث العمر هي شابة… وتستعيد شبابها بعد وفاة الزوج الذي عاش معوقاً معها نتيجة تفجير أراد أحد موظفيه قتله من خلاله؛ انتقاماً من سلوكه الرديء واستغلالاً منه لفوضى الحرب، على حين تدفع سناء تعبها عناية به وهو الخائن الظالم الفاسد الذي لم يعاملها أكثر من جارية في عهد سطوته، الأداء الناجح للممثل وضاح حلوم في دور المشوه رافقه أداء متميز وبسيط للممثلة علا باشا في حين كانت اللمعية تبدو في جهد الممثل مجد فضة الجانب الطيب والجميل في الفيلم ضحية جرائم والده الذي لا يتفق معه في سلوكه، ولكنه لا يعبر عن ذلك إلا مع شقيقته سناء فقط، لكن وهن الأداء يبدو في انفعالات الممثلة ليا مباردي التي تستخدم تقنيات تلفزيونية عادية جداً في أداء دور سينمائي كان من الممكن لها استغلاله ليكون خطوة محسوبة لها في السينما، تستطيع أن تعتمد عليها في أرشيفها مستقبلاً.
تبدو إهانة المجتمع واضحة من خلال تحالف الدين والسياسة وهي الرسالة التي يقولها المخرج على لسان إحدى شخصياته: (إيمتى بقى بدنا نخلص من السياسيين ورجال الدين ليرجعلنا اللـه) هذا الاستخدام المباشر لاسم الذات الإلهية يعطي جرأة لغسان شميط في فيلمه وهو ما يحاذر المخرجون الاقتراب منه عادةً لأسباب رقابية أو أسباب عدم التصادم مع المجتمع ورقابته الخاصة، المجتمع الذي يسرد له الفيلم شيئاً من مذكراته عبر تقديم ذاكرة بعض التفجيرات عبر الشاشة كتفجير القزاز الشهير وتفجير ساحة السيوف في مدينة جرمانا، ويربط لنا المأساة السورية بالمأساة العراقية عبر مشهد مؤثر تقوله شخصية عراقية لتوصّف ببساطة استقبال السوريين للعراقيين وقت لجوئهم، مستخدمين اللفظة السورية (معوضين) ليرد لهم الرعاقي دينهم بدموعه الساخنة، قائلاً (معوضين يا أطيب وأخير ناس)، ولا يكتفي المخرج بروي الأحداث روياً فقط إنما يعود لرسمها وانتزاعها من ذاكرة شخصياتها مثل حالة خطف أحمد التي يبدو ضعيفاً أن يتم سردها كلاماً لكن المخرج يعود لتصويرها فلاش باك حين يعيدها أحمد بالتفاصيل بعد تحرره من الخطف، وهي سمة الشرح الواضح والتسلسل المنطقي التي وصف بها أفلام غسان شميط صاحب «شيء ما يحترق» و«الهوية» و«الشراع والعاصفة» فهو يعتمد السبب والنتيجة فلا سلوك من دون تبرير، فلا خير أو شر مطلق من دون ارتباطه بسبب إما الثأر أو السرقة أو التربية، وهو نجاح والتزام بمعايير السينما التي تعلّمها المخرج وتربى عليها، المخرج الذي يترك أفلامه بنهايات فجائعية ومفتوحة، وصرخات شخصياته الموجعة يترك المشاهد أمام التساؤلات التي يعرف الإجابة عنها ولكنه يتهرب منها، مع أنها واضحة في ذهنه وضوح صحون الفواكه الكبيرة التي تحضر كثيراً في الكوادر السينمائية لمشاهد صاحب «شيء ما يحترق» معبرةً عن الترف أحياناً والجوع أحياناً أخرى أو تعدد الخيارات للشخصيات في اختياراتها.