ثقافة وفن

«دو ري مي» عرض مسرحي يحترم عقل الطفل … غسان الدبس لـ«الوطن»: النص يحمل فكرة جميلة وبسيطة تعتمد على الحلول غير التقليدية

| سارة سلامة

تحمل مدينة الفرح كل الألوان والألعاب والموسيقا والرسم والألوان وتعكس حالة الحب والهناء التي يعيشها سكان هذه المدينة، ويمارس أطفالها النشاطات كافة إلى أن اقتحمها الغيلان محاولين زرع الشرّ فيها وبث السواد، ولم يكن أمام الوالي وأبنائه من حلّ سوى حرق وإغراق المدينة للتخلص من الغيلان الأشرار، ولكن هذا كله لم ينفع بل عاد عليهم بنتائج سلبية، وما من فائدة أنجتهم إلا نصيحة كان قد ذكرها والد طفلة تدعى ليلى التي كانت والدتها تعاني مرضاً خطيراً ومع عجزهم عن تأمين المال الكافي لتأمين الدواء البعيد المنال قال لابنته إن العلم والثقافة والموسيقا هي من تستطيع إيصالك للدواء فأنت تملكين أثمن ما يمكن أن يحصل عليه المرء، وبالفعل استطاعت أن تحول حياة والدتها وحياة المدينة كلها إلى فرح واستطاعت نزع السواد وتحوير قلب الغيلان إلى المحبة والسلام وذلك ليس من خلال قتلهم إنما أنسنتهم موسيقياً وتشكيلياً وتعليمياً.
هذا أبرز ما احتوى عليه عرض «دو ري مي» الذي أطلقه مسرح الطفل في مديرية المسارح والموسيقا بوزارة الثقافة، والنص من تأليف جوان جان وإخراج غسان الدبس والعرض مستمر إلى الساعة السادسة من مساء يوم غد على خشبة مسرح القباني.

الموسيقا لغة لا تترجم
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال المخرج غسان الدبس: «إن النص يحمل فكرة جميلة وبسيطة هي التي دفعتني باتجاهه، وفكرته الأساسية تعتمد على الحلول غير التقليدية، الإنسانية أكثر من الحلول الفنية، أي إنه عندما نتعامل مع الموسيقا تحمل الأمور بالمجمل حالة رائعة وجميلة وإنسانية، ومقدمو العرض هم مجموعة من الأطفال والكبار وأسميهم بالمجموع العام أطفالاً، وهناك أطفال كانوا موجودين على صعيد الموسيقا والإضاءة والديكور، أي إن الديكور أيضاً من تصميم الأطفال وبإشراف الديكورست ريم الخطيب، فكان الأطفال يرسمون إلى أن وصلت لحالة تجميع لرسم الديكور وهذا الشيء يجعلنا نقول إن العمل من صنع الأطفال بامتياز».
وبالنسبة للصعوبة التي واجهها في التعامل مع الأطفال أوضح الدبس «أن العمل صعب ولكنه ممتع، وتكمن الصعوبة إننا نحاول أن نلعب مع الطفل لعبته، وهو قادر بدقيقة واحدة على ابتكار 20 لعبة، وكان التحدي أمامنا هو إلى أي درجة قادرون على صنع لعبة بمفهوم هذا الطفل، لأنه اليوم طفل ذو عقل متطور وتكنولوجي وحضاري، وهو قادر على الاطلاع على جميع ثقافات العالم ومسارحها بآن واحد من خلالها جهازه الذكي، ونلعب هذه اللعبة مع الطفل لنخرج بعمل يكون على قدر السوية العقلية التي يتمتع بها الطفل».
وعن الخوف الذي يمكن أن يراود المخرج في عمل أسمى ما يمكن أن يطلق عليه بقيادة أطفال بين الدبس: «أنه ليس تخوفاً بل حرصاً كي لا نكسر عند الطفل شفافيته العالية، ونحترم عقله ونخرج مع بعضنا أسوياء، ولا يوجد في العرض ألعاب تكنولوجية، حيث إن الألعاب تعتمد على الذاكرة وعلى احترام مستوى الطفل، وهناك ألعاب طفولية عالقة في ذاكرتنا تندثر اليوم ونحن لا نكسر هذه الذاكرة ولا نكسر التكنولوجيا في آن معاً، وفكرت في استخدام كل الألعاب الالكترونية، ولكن إلى درجة يستطيع الطفل افتعال ردات فعل وحركات وهو يمسك بيده جهاز موبايل مثلاً وعلى الرغم من المتعة التي يحتويها إلا أنها متعة جامدة».
وعن أهمية إدخال المسرح إلى حياة الطفل قال الدبس: «إن عند كل طفل هاجس الوقوف على المسرح والتمثيل، ولا أخاف من استقطاب الأطفال لأننا منذ المشهد الأول نبدأ نحن الكبار بروح الطفل».
وإلى أي درجة كرس العرض أهمية الموسيقا والثقافة أفاد الدبس «أن الحلول في العرض هي حلول موسيقية والحلّ النهائي يعتمد على التشكيل والموسيقا، أي إن العلم والفن هو الآلية التي دفعتني باتجاه هذا النص، ويحتوي العرض على 3 خطوط رئيسية وهي علاقة الأب بالطفل وهي علاقة مفصلية بين الأب السلبي والأب الإيجابي، والحلول هي موسيقا وتشكيل، وهما يعتمدان على العلم، والموسيقا هي لغة لا تترجم وليست بحاجة للترجمة، ونقوم بترجمة أي معزوفة إلى حالة إنسانية ولو أننا تمسكنا بهذه الحالة وسمعنا الموسيقا ولو آمنا بالفن التشكيلي وبروحه الجميلة فما كنا لنتقاتل».
وعن الرسالة من عرض «دو ري مي» قال الدبس: «إن رسالتي موجهة للطفل باحترامه واحترام عقله، وألا نتعامل معه بأسلوب قاسٍ وصوت عال وخاصة في مجتمعاتنا التي تحمل إرث اجتماعي سيئ، وتعليم الطفل ألا يخاف من الكبار وهي ليست آلية تحريض، بقدر ما هي رسالة مزدوجة مفادها: (احذروا أيها الكبار من الأطفال لأنهم بمستوى ذكاء عال ومن الصعب الوصول للمستويات التي وصلوا إليها».
وعن إقبال الناس على العرض وهل كان بمستوى يرضي الجهود المبذولة أكد الدبس «أن إقبال الناس على المسرحية كان بشكل كبير، ولا أخفي أنني قلقت بداية، ولكن التفاعل كان إيجابياً لدى الأطفال بالدرجة الأولى، ونحن لعبنا لعبة فنية بامتياز ولم نخدش خصوصيات معينة إنما قلنا للكبار إن هؤلاء الأطفال يستحقون أن يكونوا موجودين باحترام، وركزنا على مسألة تخويف الأطفال من الغيلان وهي مسألة خطيرة حيث يقوم الكثيرون بتخويف أطفالهم».
وعن التقنيات المستخدمة في العرض بين الدبس: «أنها كانت مقبولة إلى حد ما على صعيد الإضاءة والمؤثرات البصرية والموسيقا كانت جميلة وهي لسامر الفقير، وعلى صعيد الديكور كان بالتعاون مع ريم الخطيب التي عملت ديكوراً من نتاج الأطفال وكان بتصوري ديكوراً أكاديمياً احترافياً».

لا يحمل وقتاً للملل
ومن جهته أكد كاتب النص جوان جان «أن مسرح الطفل هو إحدى الوسائل التربوية الفنية التي نتوجه من خلالها للأطفال لتقديم المعلومة المفيدة والموعظة الأخلاقية، بإطار وقالب فني مقبول يحتوي على الأغنية والموسيقا واللحن ومجمل عناصر العرض المسرحي، وهو مسرح ضروري ومطلوب وخصوصاً في هذا الوقت التي ازدادت فيه التحديات أمام أطفالنا الذين يتعرضون لمختلف أنواع غسل الدماغ إعلامياً في ظل الواقع الحالي، وهو العمل المسرحي الثالث الذي أكتبه للأطفال بعد (مغامرة في مدينة المستقبل) و(حيلة العنكبوت)».
وأضاف جان: «إننا نركز اليوم على أهمية الفن والعلم بحياة الطفل، وأنها السلاح الحقيقي بيده التي يمكنه من خلالهما تجاوز مختلف العقبات والصعوبات، وندعو في هذه المسرحية إلى تعليم الأطفال الفن بطريقة صحيحة منذ الصغر لكي يقدروا في المستقبل على تجاوز المصاعب والعقبات التي تعتريهم».
وتابع جان حديثه قائلاً: «إن إقبال الناس جيد بالعموم ونرى تجاوب الأطفال طوال مدة العرض، لأن العرض لا يحمل وقتاً للملل ولا يشتت انتباه الطفل أو يشغله عن مواصلة المسرحية، وهذا ما ركزنا عليه منذ البداية حتى النهاية وخاصة أن الطفل يُشدّ دائماً للحكاية ونحن منذ المشهد الأول ندخل الطفل بأجواء الحكاية، وهذا يوضح الجهد الكبير الذي قام به المخرج غسان الدبس مع مجموعة الممثلين لتحويل الكلمات المكتوبة إلى كائن من لحم ودم، وخاصة أن النص المسرحي لا يكتمل إلا على المسرح، وهذه التجربة حملت ترجمة الأفكار الموجودة في النص والحوارات والشخصيات بطريقة سهلة ومفهومة بالنسبة للطفل».

الاستسهال في مسرح الطفل
أما الفنان جمال نصّار فبين «أن رسالة مسرح الطفل هي رسالة نبيلة وتزداد أهميتها وخاصة في هذه الأيام العصيبة التي تمر على بلدنا، والأثر الذي يبقى في نفوس أبنائنا الذين عاشوا سنوات صعبة انعكس عليهم سلبياً، ونحن في مسرح الطفل يقع على عاتقنا بشكل كبير إرجاع هؤلاء الأطفال إلى السكينة والسلام من حالة التوتر والرعب التي مرت عليهم، والتوجه إلى الطفل هو واجب يمس كل الشرائح وأخذه إلى التعلم واللعب بسلام كناشئ جديد على هذه الحياة».
وأضاف نصار: «إنني منذ تخرجي في المعهد اخترت الانحياز إلى العمل في مسرح الطفل، وباعتقادي هو واجب عليّ كفنان لتأسيس وبناء الأجيال، وللأسف نعاني في سورية الاستسهال بمسرح الطفل، وحتى العاملين في هذا القطاع مهمشون وغير مسلط الضوء عليهم، مع أن الرسالة التي يحملها ممثل مسرح الطفل رسالة نبيلة ويجب أن تحترم وتقدر بشكل أكبر مما هي عليه».
وأفاد نصار «أن رسالة العرض تقول إنه بالحب والموسيقا والعلم والمعرفة نستطيع كبح جماح الشرّ وإعادة الإنسان الشرير إلى إنسانيته لأنه في الأصل لم يخلق شريراً ولكن ظروف معينة أجبرته على أن يكون هكذا، ومهمتنا ليست قتل هذا الإنسان وإنما إعادته إلى الحياة من جديد وأن نبث فيه روح الحياة الطبيعية التي يجب أن يعيشها».

تقصير كبير
وقالت الفنانة تماضر غانم: «إنني أجسد في العرض دور زعيمة الغيلان حيث نقوم بالهجوم على القرية، وهدفنا هو التخريب وترهيب الأطفال، وكلما كنا نقترب من المدينة أكثر يقوم الوالي وأولاده بإحراق المدينة وأيضاً إغراقها من أجل أن نحترق أو نغرق، ولكن ذلك ينعكس سلباً على الملك والمدينة، والحدتوتة في النهاية تعلم الطفل الموسيقا لغة العالم والمحبة وتصبح هناك ألفة بين الغيلان والأطفال، وأعمل منذ العام 1999 في مسرح الطفل وهناك تقصير كبير من الإعلام في تناول موضوع مسرح الطفل».

الطفل أصدق من الكبير
وتحدثت الفنانة رشا الزغبي عن دورها في العرض قائلة: «إننا نمثل مجموعة من الغيلان، ونتبع زعيمة تقودنا للشر ولكننا عندما ندخل إلى المدينة ونرى الألعاب نحبها ونلعب بها ونجرب كل شيء، وتكون الشخصية من داخلها رافضة للشر ومتقبلة أكثر للفرح والخير ونراها أخيراً تنضم للأطفال وتميل للرسم والموسيقا، وبالعموم فإن تجربة مسرح الطفل هي تجربة ممتعة وتحديداً أن العمل مع المخرج غسان الدبس يحمل شيئاً مختلفاً، وهذه التجربة الثانية معه وهو لا يقول لنا اعملوا بروفات بل يقول تعالوا العبوا وهذا ما يسمح للمثل تقديم أفضل ما يملك، وهناك صعوبة في مسرح الطفل بشكل خاص لأن الطفل عادة ما يكون أصدق من الكبير، والكبير يمكن أن يجاملنا ببساطة أما الطفل فلا يمكن أن يجامل، ولفتت إلى أن لديها مشاركة سينمائية قصيرة مع المخرج فراس محمد».

الأطفال يعملون على أنستنا
وبدورها قالت الفنانة إنعام الدبس: «إنني أجسد دور غولة غبية تنفذ كل ما تؤمر به وهناك ترابط بين أدوار الغيلان، وتقوم فتاة اسمها ليلى بتقريب الغيلان من الأطفال من خلال الموسيقا والقراءة، ويعمل الأطفال على أنستنا».
ويذكر أن العرض من بطولة مجموعة من الأطفال هم (ماريا عيد، ربيع جان، شادي جان، جوليا سالم، بتول عيد، وكل من الممثلين جمال نصار روجينا رحمون وتماضر غانم ورشا الزغبي وإنعام الدبس وسنا حسن وماجد عيسى ومحمد سالم).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن