قضايا وآراء

التصعيد في غزة.. ضرورة أم هدم لصفقة القرن

| عبد المنعم علي عيسى

في لقاء أجرته معه جريدة «الأخبار» اللبنانية ونشرته يوم الجمعة الماضي قال السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين: إن حسابات التفوق الإسرائيلي التي تصح مع باقي الدول العربية لا تصح مع سورية أو لبنان أو فلسطين.
التصريح مهم وأهميته لا تتأتى من الدراية الدقيقة لتاريخ المنطقة الحديث، ولكنها تتأتى من أن قائله مدرك جيد لتأثير الجغرافيا وهواجس الأمن في صناعة القرار السياسي لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي وقد يكون من المفيد هنا أن نقول إن تلك العلاقة كان قد قرأها الراحل محمد حسنين هيكل في الوثائق الإسرائيلية بين أعوام 1970- 2000 ونشرها في جريدة السفير صيف هذا العام الأخير، وفيها قال إن تل أبيب كانت تعتمد في حروبها على الجبهة الغربية، أي مع مصر، طريقة الصيد بالرمح (Harpoon) التي تتيح قتل السمكة وإدماءها، على حين اعتمدت على الجبهة الشرقية، أي مع سورية، طريقة الصيد بالشبكة (Net) التي تتيح الإمساك بالسمكة من دون إيذائها إلا في حالات الضرورة القصوى، منعاً لتكريس ثقافة إراقة الدماء في شعوب مجاورة على مرمى حجر منها.
منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في العام 2007 اعتدت إسرائيل على هذا الأخير أربع مرات متتالية 2008- 2009- 2012- 2014 لكنها فشلت في أي منها في فرض واقع سياسي يتناسب مع أهوائها، وفي المرحلة التي تلت العدوان الأخير كانت المعادلة الناظمة للعلاقة بين تل أبيب والقطاع تقوم على: العين بالعين والصاروخ بالصاروخ، وعندما أطلقت الحركة «مسيرات العودة» في يوم الأرض 30 آذار الماضي بدا أن تل أبيب مستعدة للذهاب في قمعها إلى أي مدى يتطلبه ذلك المسعى، وفي يوم واحد، وهو الذي ترافق مع الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل 14 أيار الماضي، قتلت 60 شهيداً بينما سقط 2500 جريح، وعلى الرغم من ذلك لم يستطع المجتمع الدولي إدانة تلك المجزرة ولو إنسانياً في مؤشر على دقة التقديرات التي كانت تضعها تل أبيب أمامها وهي تقرر الاندفاع إلى ما اندفعت إليه، الأمر الذي لم تضعه حماس في حساباتها وهي تشجع على الاستشهاد وتسويق ثقافة نكران الذات، وفي هذا السياق بدا كأن القطاع أضحى كرة نار متدحرجة وهي تهدد بذرو ما تحمله تحت طائلة اضطرام الحريق في المنطقة برمتها، والسؤال الأبرز الآن هو: هل يمثل التصعيد الحاصل ضرورة لدفع صفقة القرن قدما إلى الأمام؟ أم إن تل أبيب تدرك أنها ماضية في هدم بنيان تلك الصفقة عبر ذهابها إلى استخدام مفرط للقوة؟
لا يبدو أن ثمة تحوّلاً حقيقياً في القرار السياسي الذي تتبناه حماس، وهي ماضية فيما بدأته تحت أي ظرف كان، على الرغم من أن تلك «المسيرات» قد تحولت إلى كرنفال دم لا يغري الكثيرين، بمشاهدته، وهي لم تستطع مناجاة ضمائر العالم أو تحريك مشاعر الإنسان فيه، على حين أن تل أبيب مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى لأجل كسر الإرادة التي تعتبر المحرك الأول لتلك المسيرات، ومن يرقب السياسات الإسرائيلية فسيرى أن القرار في لحظة من اللحظات التي يتعرض فيها الأمن القومي الإسرائيلي لتهديد ما، فإنه يخرج من بين أيدي الساسة ليصبح بين أيدي العسكريين والأمنيين، والفارق هنا كبير ففي الحالة الأولى هناك حسابات لردة الفعل الإقليمية والدولية على حين تغيب تلك الحسابات في الحالة الثانية، وهو ما يمكن أن يشكل مبرراً دولياً للقرارات الصادرة في تل أبيب هذه الأيام، ومن المؤكد أن ضرورات «صفقة القرن» تقول إن تحطيم القوى القادرة على مقاومة الاحتلال ومشاريعه، من أجل انطلاقة صاروخية بلا عوائق، بينما الظروف الإقليمية، وكذلك الدولية تبدو أكثر من مواتية، أما الذريعة فقد تكفلت بها حماس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن