بولتون في الكرملين
| سيلفا رزوق
لاشك أن الحديث عن تفاصيل المعارك الحاصلة جنوباً والتقدم المستمر للجيش السوري هناك سيصبح جزءاً من ماضي الحرب السورية عما قريب، مع ذهاب المعطيات صوب نصر عسكري أكيد وإعلان أميركي واضح بالتخلي عن أدواتها الذين راهنوا طويلاً على دعم أميركي إسرائيلي مؤكد.
نتائج اليوم التالي لإخراج ملف الجنوب السوري من حسابات الأميركيين والإسرائيليين، لا يبدو وفقاً للتطورات السياسية التي شهدتها الأيام الماضية، بأنها ستقتصر على إتمام بسط الدولة السورية لسيطرتها على أراضيها وصولاً إلى شريط فصل القوات في الجولان، وإغلاق آخر منافذ التدخل الإسرائيلي المباشر بأمن البلاد، بل إن معركة سياسية دولية محتملة يبدو أنها تلوح بالأفق والحديث عن صفقات تحتاجها واشنطن لتبرير اقتراب خروجها من الملف السوري.
خلال الأيام القليلة الماضية شهد الملف السوري عودة الحملة «الكيميائية» من بوابة توسيع صلاحيات لجنة «الحظر الكيميائي» قادتها هذه المرة بريطانيا ومعها فرنسا وألمانيا، في محاولات غربية مستميتة لاستعادة أي دور كان على ساحة الحل السياسي السوري المنتظر، وتوسيع حجم تدخلاتها بعد اقتراب إعلان خروجها الكامل من الملف السوري، وهي محاولة بدت للقاصي والداني غير محسومة النتائج بعد التصدي الروسي الواضح، والوقوف في وجه أي محاولة بريطانية فرنسية «لمد اليد» مجدداً إلى الساحة السورية تحت أي ذريعة كانت.
النقطة الأخرى التي شكلت أحد العناوين اللافتة هو اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، وتأكيده على الاستمرار في تنفيذ خريطة طريق الطرفين في مدينة منبج السورية، واستعداد واشنطن للذهاب بعيداً وصولاً إلى رمي أدواتها كما فعلت جنوباً، في سبيل الحصول على موقف تركي مؤيد بالكامل لتحركات واشنطن، وإبعادها عن تحالفها الثلاثي مع إيران وروسيا.
الخطوة الأميركية الأخيرة والتي قد تشكل مفصلاً في سياق التعاطي الروسي الأميركي، كانت بزيارة مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جون بولتون إلى موسكو، بما يمثله من تيار داخل الإدارة الأميركية كان مسؤولاً عن سلسلة من القرارات الخارجة عن إرادة «البنتاغون» كما بدا واضحاً، بدءاً من قرار خروج واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، إلى التقارب الأميركي الكوري الديمقراطي، وصولاً إلى استعادة آليات التفاهم والحوار مع موسكو، والذي كانت إحدى نتائجه على ما يبدو التخلي الأميركي الأخير عن مساندة أدواتها في الجنوب، والذي بررته واشنطن صراحة بأنها «لا تريد الدخول في مواجهة مع روسيا».
الأوراق التي حملها بولتون إلى الكرملين بعضها بات معلوماً وبعضها يخفى على العديد من الفرقاء الدوليين، لكن التساؤلات التي بدت مشروعة، دارت جميعها حول بنود الصفقة التي قد يكون عرضها بولتون على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحول الملفات التي تحتاج فيها أميركا لروسيا في للمساعدة في حلحلتها أو «تمريرها»، والتي لن يكون الملف السوري فيها وحيداً بالتأكيد.
المحاولة الأميركية المستجدة للتقرب من موسكو والحديث الذي يدور عن مفصلية اللقاء المنتظر بين بوتين وترامب منتصف الشهر القادم، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن مخططاً أميركياً جديداً يجري الترتيب له وهو بحاجة لدعم أو مساندة روسية، بثقل حقيقي على الأرض للدفع به نحو الأمام.
مخطط يبدو أن مروحته تمتد نحو إيران واستمرار المحاولات الأميركية للذهاب بعيداً في حصارها، وأيضاً لن تكون فلسطين بعيدة عنه وخصوصاً أن مرحلة الترويج الأميركي لما بات يعرف بـ«صفقة القرن» باتت قيد التنفيذ، وموسكو التي تستعد لاستقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس تمتلك قدراً كافياً من العلاقات الطيبة معه قد تحتاج إليه أميركا في تمرير ما تخطط له.
الكلام عن قبول روسي بالعروض التي قد يكون حملها بولتون إلى موسكو لا يبدو محسوماً، وخصوصاً مع تعقد الملفات وذهاب واشنطن بعيداً في حملة عدائها لروسيا والتي وصلت حدود فرض العقوبات عليها والمحاولات المتكررة لاقتحام مجال موسكو الجيوسياسي، وأيضاً فإن ثبات ونجاعة التحالف الروسي الإيراني والعوائد الإستراتيجية الكبرى على الطرفين، يجعل من محاولات الاختراق الأميركي له أمراً شبه مستحيل، أما المغامرة الروسية بتأييد المخطط الأميركي و«صفقة القرن» المشبوهة فلا تؤيدها حتى اللحظة كل المقدمات التاريخية للأداء الروسي على صعيد النظر إلى طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي والتأييد الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في عودة أراضيه ولاجئيه، وعليه فإن التنبؤ بمآلات التحرك الأميركي صوب روسيا، لن يكون مضمون النتائج أميركياً إلا إذا ما افترضنا تراجعاً أميركياً على صعيد كل تلك الملفات وهو حتى اللحظة أمر شبه مفقود.