قضايا وآراء

المعارك في الجنوب والدروس للشمال

| بسام أبو عبد اللـه

ذكرتني الاستعراضات العسكرية للجماعات المسلحة في درعا باستعراضات المجرم زهران علوش التي كان يقوم بها في الغوطة الشرقية بما عرف بـ«جيش الإسلام» أو بالأحرى بـ«جيش الإجرام» الذي تقول المعلومات إنهم يقاتلون الآن في محافظة الحديدة اليمنية، والغريب في الأمر أن هؤلاء لم يفهموا حتى الآن أن قرار استعادة آخر شبر من الأرض السورية متخذ منذ زمن بعيد وتنفيذه يتم على مراحل، وضمن الإمكانات العسكرية المتاحة والأولويات الموضوعة، والظروف السياسية الإقليمية والدولية، لكن القرار واضح لا يحتاج إلى الشرح: «تحرير كامل الأرض السورية من دنس الإرهاب».
النقاشات نفسها تتكرر في كل معركة يخوضها جيشنا البطل من حمص القديمة، إلى البادية، ودير الزور، إلى شرق حلب، إلى الغوطة الشرقية، والآن الجنوب: درعا، القنيطرة، وبادية السويداء، والنتيجة ماثلة لكل لبيب، ولكل ذي عقل ولكل فهيم، أنه لا مجال هنا للعنتريات، ولا لأسماء التنظيمات «المنفاخية» مثل «أبابيل حوران، فلوجة حوران إلخ» لأن حوران لها جنودها، وجيشها، وشعبها الذي سينظفها من دنس العابثين، والتائهين، والحمقى الذين حوّلوا أهلهم وشعبهم إلى مجرد محارم ورقية بيد أنظمة البترو دولار، وبيد عدو بلادهم التاريخي، ولمصلحة تجار أزمات، ومرتزقة موائد، ومطابخ الاستخبارات الدولية، وغرف العمليات التي استخدمتهم لسنوات، وسترميهم قريباً جداً إلى مزابل التاريخ كمحارم ورقية، وللأسف كأننا أمام حيطان إسمنتية لا تفهم ولا تقرأ، ولا تتعلم، ثم في كل مرة تفاجئ بموقف أميركي صادم، كما يقولون، بأن واشنطن لن تتدخل لمصلحتهم! ونقول لهم: لن تتدخل واشنطن لمصلحة «المحارم الورقية»، فهي تديركم، تستنزفكم، وتستخدمكم، وعندما لا تحققون المصلحة الأميركية الإسرائيلية ترميكم، وتترككم لمصيركم، وهذا ما يجب أن يفهمه «عناتر الجنوب»، و«تائهو الشمال»، أنكم مجرد أدوات رخيصة، مرتزقة في لعبة كبرى لا تشكلون فيها سوى بيادق صغيرة، وصغيرة جداً.
المعارك في الجنوب مستمرة وفقاً للخطط العسكرية الموضوعة وقد نجح الجيش العربي السوري بدعم الحلفاء في إنجاز المرحلة الأولى، وسوف تبدأ المراحل اللاحقة تباعاً، وما يساعد في هذه العمليات تعاون أهالي حوران الشرفاء من أجل تنظيف قُراهم، وبلداتهم من دنس الإرهاب، وداعميه، الذين أدركوا من خلال الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون الأهداف الخبيثة والقذرة للإخوان، والوهابيين في كل سورية.
أما في الشمال فإن طبيعة المشروع، والقوى المنخرطة به تأخذنا إلى عناوين «إثنية»، وليست مذهبية كما تم الأمر في غير مناطق سورية، ففي الشمال عنوان «سوري كردي» استثمرت به بعض القوى السياسية المتورطة في مشروعات التقسيم الجديدة، فاخترعت اسماً لإقليم «اسمه روجافا» وعملت على تطهير الجغرافيا من كل بعد عربي تحت عنوان «محاربة داعش»، ومارست خلال سنوات قليلة اضطهاداً بحق الآخرين كانت تدعي أنها تتعرض له، من «تكريد» المدارس، والمناهج، والأسماء، والأماكن أي تغيير كامل الجغرافيا لخلق حالة وهمية لا تنسجم مع الديمغرافيا المنتشرة في تلك المناطق، وذلك بدعم أميركي، فرنسي، بريطاني، وتمويل خليجي.
وللأسف لم يفهم هؤلاء كل الرسائل التي أرسلت إليهم، وكانوا يقولون إن مصالحهم تتقاطع مع الولايات المتحدة، وكأنهم دولة عظمى، وليس «محارم ورقية» كما هو حال «الأبابيل» في الجنوب!
في الشمال عدة النصب مختلفة إذ يجري «دحش» كلمة ديمقراطية بمناسبة وغير مناسبة، حتى قرفنا هذا المصطلح فحتى البنى العسكرية ألحقت بها الديمقراطية، مثل «قوات سورية الديمقراطية- قسد» كتعبير نصب واحتيال على الناس والرأي العام، ومن أجل التسويق في الغرب، والغريب هنا أنه طالما الأمر كذلك لماذا لا تسمي أميركا جيشها «جيش أميركا الديمقراطي»!، وفرنسا «جيش فرنسا الديمقراطي»، وهكذا، وانتقل الأمر لأجهزة الأمن و«الشرطة الديمقراطية» التي أنشأتها ودعمتها أميركا وحلفاؤها!
أي أن الشمال يتطلب الإكثار من كلمة «ديمقراطية»، وأما الجنوب فيتطلب الإكثار من كلمة «سُنة»! على الرغم من أن مدعي الثورة المزعومة في درعا أطلقوا في البداية الشعارات البراقة نفسها التي تستخدم في الشمال، لكنهم انتهوا إلى عناوين مقرفة ومقززة تعكس وضاعتهم، وقصر نظرهم، وكذب ادعاءاتهم وارتباطاتهم، وأوهامهم، وهذا هو الواقع للأسف!
عندما أطرح هذه العناوين التي هي من باب التذكير للجميع لا يعني ذلك أبداً التهديد لأحد، أو تخوين أحد، فلست محكمة ولا قاضياً مكلفاً بهذا الأمر، ولكني طوال سنوات الحرب الإجرامية على بلدنا وشعبنا، كان دورنا وسيستمر، عبر صفحات «الوطن» إبداء الرأي، وقول الحقيقة التي أصبحت ساطعة سطوع الشمس والأهم هو أخذ الدروس المستخلصة، ومنها:
1- أن قوى الهيمنة، والاستعمار لا تنظر إلى أدواتها من خلال طوائفهم، ومذاهبهم، وإثنياتهم، وإنما كيف يمكن استغلال واستثمار هذه الأدوات لتحقيق أهدافها، ومصالحها فقط! ولذلك انظروا، ودققوا بأدوات النصب والاحتيال بين الجنوب والشمال!
2- أن دور العملاء وخونة الأوطان، عبر التاريخ ليس محترماً لا بنظر من يستخدمهم، ولا في ذاكرة الشعوب الحية وتاريخها، والأمثلة كثيرة وعديدة.
3- أن قوة أي بلد يريد تحقيق مستقبل زاهر وواعد، هي في تعزيز مؤسسات الدولة، وفرض سلطة القانون والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ولكن أي خلل في ذلك لا يُعالج عبر الاستعانة بالأجنبي وجلبه، وتمهيد الجسور لغزو بلاده، وتبرير ذلك تحت يافطة «تقاطع المصالح» لأن ذلك ببساطة بلاهة سياسية خالصة تثبت الأيام أنها منافقة وكاذبة.
4- أن ما يجب أن نؤكد كسوريين أن ما هو مطلوب لنا جميعاً هو تحقيق الأمن، والاستقرار أولاً، ومن دون ذلك لا إمكانية لتنمية، وازدهار، واقتصاد واعد، ومعايير ديمقراطية تحتاج إلى زمن طويل كي تتطور، لأن الديمقراطية التي مللنا من سماع اسمها هي «ثقافة قبول الآخر» ومن ثم فكل متعصب ومتطرف ديني، أو قومي، أو عرقي يتناقض تماماً مع روحها، وأهدافها.
أخيراً: أدرك أن ما يجري في الجنوب من معارك يفترض به أن يقرأ في الشمال بعناية، لأن الرئيس بشار الأسد وضع الجميع هناك أمام خيارين إما الحل السياسي من خلال الحوار وضمن إطار المصلحة الوطنية وإما الحل العسكري، وأعتقد أن تباشير الأفخاخ الأميركية لأصحاب نظرية «تقاطع المصالح مع أميركا» هي كافية ليتعلموا الدرس لمن يريد التعلم والاعتبار، لأن ما يجب أن يدركه الجميع في الجنوب والشمال والشرق والغرب أن سورية كوطن، وتاريخ وتضحيات، وجيش ليست قالب حلوى ليُتاجر به في بازارات الطوائف والمذاهب والإثنيات والمصالح الدولية، هي أكبر من ذلك بكثير، بكثير أيها «الأبابيل» والديمقراطيون الجدد!
أنا ابن جيل لا ينسى صوت الفنان السوري، المرحوم صلاح قصاص، في أحد المسلسلات الشهيرة التي تخلد روح حرب تشرين التحريرية عندما قال: «ألف حبل مشنقة، ولا يقولوا عني خاين ياخديجة»! هذه هي روح السوريين ووطنيتهم العالية التي أكدها صمودهم الأسطوري، ومواجهتهم البطولية طوال سنوات الحرب، وبانتظار بيان جيشنا البطل حول تحرير الجنوب دمتم بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن