حي الميدان من سباقات للخيل إلى أهم الأحياء
| منير كيال
يعتبر هذا الحي، أكبر أحياء مدينة دمشق امتداداً ومساحة كما أنه أكثر أحياء المدينة سكاناً. ويعود بناؤه إلى القرن الرابع للهجرة، وقد يعود إلى زمن الفاطميين، وهناك من يذهب إلى إعادة نشوء حي الميدان إلى الزمن الأموي، وقد ذكر ابن عساكر باسم: حي المنية.. وكانت تقام به سباقات الخيل وجميع أنواع الفروسية، من مبارزة ورماية ومصارعة. كما كان ينزل به من تضيق بهم مدينة دمشق، عن إيوائه من مواكب الأمراء والوفود والجيوش والقوافل.
وقد عرفت المنطقة المجاورة لجامع باب المصلى باسم ميدان الحصى، ولعل هذه التسمية، تعود إلى أنّ مياه نهر بردى تحمل معها الرمال والحصى، فتترسّب بهذه المنطقة، وهذه المنطقة بأيامنا تعرف باسم الميدان التحتاني، وقد تكون هذه المنطقة أول ما سكن بحيّ الميدان، وخاصة زمن المماليك.
كما كان بحي الميدان جماعات بمناطق سكنية عرفت باسم القبيبات، وتعود هذه التسمية إلى زمن المماليك، وهي دلالة على الدّور الذي كانت تلعبه تلك القباب بالبناء، وبهذه المنطقة جامع يعرف باسم جامع القبيبات وهو الذي يطلق عليه اليوم اسم جامع الدقّاق أـما المنطقة التي يطلق عليها اسم الغواص من حي الميدان فهم يعنون بذلك الرجال الذين يغوصون ببحار العلم، أو إن التسمية جاءت نسبة لمسجد الغواص بالميدان الوسطاني، وهناك من يذهب إلى أن التسمية نسبة لمقام ضريح الشيخ أبي الحسن الغواص شيخ الطريقة الرفاعية ولا بدّ من الإشارة إلى العديد من رجالات سورية من أبناء هذا الحي، ونذكر منهم: ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، والشيخ بهجة البيطار، ومحمد العابد، أول رئيس للجمهورية السورية، ووالده محمد العابد الذي كان أشدّ المناضلين ضد الاحتلال الفرنسي لسورية. ونذكر من رجالات حي الميدان الشيخ محمد الأشمر وحسن الحكيم والدكتور مصطفى الخن الذي كان فقيهاً، وخلّف العديد من أمهات الكتب. بالفقه وعلوم الدين الحنيف.
ولا ننسى آل عرابي الخن ومنهم عبد الغني الذي كانت أسرته من أكثر أسر حيّ الميدان مكانة، وقد أنعم عليه السلطان العثماني لقب الباشوية.
ومن دور حي الميدان ما كان واسعاً بما هي عليه من أعمدة مرمريّة، ونوافذ مزيّنة ورسوم وألوان قوس قزح، وجدران مزينة بزخارف من المرمر وسقوفها المحفورة بالرسوم على أشكال النباتات والفاكهة. إضافة إلى البحرات التي يتدفق إليها الماء ونميّز بكل من هذه الدور جناحين يعرف الأول منها باسم جناح البراني وهو للضيوف، ويقابل هذا الجناح بالقصور الدمشقية اسم السلاملك. أما الجناح الآخر فيعرف باسم الجناح الجواني، وهو مخصص للأسرة ويقابله بالقصور الدمشقية ما يعرف باسم الحرملك ويتصل هذا الحي من جهته الشمالية بمناطق توصله إلى باب الجابية والدرويشية والسنجقدار فتشمل محلّة باب الجابية المساحات التي بين مدخل سوق مدحت باشا الغربي والسنانية ومدخل سوق باب السريجة الشرقي، والمدخل الشرقي لحي القنوات.
أما محلّة الدرويشية فتشمل المناطق الممتدة بين المدخل الغربي لسوق مدحت باشا، والمدخل الغربي لسوق الحميدية، وقد حملت الدرويشية هذا الاسم نسبة للوالي العثماني درويش باشا.
وكان بالدرويشية مشيدات عمرانية كانت من المناطق التي قصفها الاستعمار الفرنسي لسورية، عند قصفه محلّة سيدي عامور التي تعرف اليوم باسم الحريقة.
ومن هذه المشيدات جامع الدرويشية ومجموعته العمرانية، وكذلك حمام ملكة، كما كان بالدرويشية قبل مدخل سوق الحميدية الغربي سينما، تحمل اسم سينما راديو ثم أطلق عليها اسم سينما النّصر واسم سينما سورية ثم تحولت إلى مسرح، وكان له دور مهم بحركة المسرح بسورية.
إلى الشمال من محلة الدرويشية تكون محلة السنجقدار ويقصد بالسنجق علم النبي(ص) وكان يخرج من باب قلعة دمشق الغربي بسوق السروجية، عند انطلاق موكب الحج الشامي إلى الديار المقدسة بمكة المكرمة والمدينة المنورة بموكب حافل ماراً بالدرويشية فالسنانية ثم إلى حي الميدان، فإذا وصل الموكب إلى مقر الطريقة السعدية بالميدان يخرج شيخ الطريقة ويلقم الجمل الذي يحمل السنجق والجمل الذي يحمل محمل الحج لقمة كبيرة من الفستق الحلبي واللوز المعجون بالسكر، فيتخاطف الناس ما يتساقط من فم كل من الجملين للاحتفاظ بها على سبيل التبرك.