بين الرجل الذي لم يوقّع والزعيم الذي منع صفقة القرن
| رفعت البدوي
تصدر خبر إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء مراسم احتفالية أقيمت في الكرملين تكريما لخريجي الجامعات العسكرية الروسية عن عودة ألف ومئة وأربعين عسكريا روسيا وثلاث عشرة طائرة حربية وأربعَ عشرة مروحية من سورية معظم وسائل الإعلام التي أوغلت في التفسير والتحليل الخاطئ لهذا الخبر وربطه بصفقة أو مقايضة مريبة تقضي بانسحاب أميركي من سورية وتسليم الأمور فيها لمصلحة النفوذ الروسي في مقابل الموافقة أو السكوت عن صفقة القرن وخروج القوات الأجنبية من سورية مقابل تسهيل سيطرة الجيش العربي السوري على منطقة الجنوب السوري وما تبقى من الجغرافيا السورية التي لم يزل يشغلها بعض فصائل الإرهاب المدعوم من أميركا وإسرائيل وبعض دول الخليج النفطي إضافة إلى الاعتراف الصريح الواضح بانتصار الرئيس بشار الأسد.
بعض وسائل الإعلام ومنهم يعتبر من المحسوبين على محور المقاومة إضافة إلى بعض المحللين والكتبة المأجورين ضعفاء النفوس ربط خبر انسحاب بعض القوى والعتاد الروسي من سورية كإشارة روسية موجهة إلى الإدارة الأميركية تشي بالموافقة على بنود الصفقة المريبة كمقدمة لتنفيذ المطالب الأميركية الإسرائيلية، والبعض الآخر عزز هذا التحليل ربطاً مع الإعلان عن انعقاد لقاء القمة الأميركية الروسية في السادس عشر من شهر تموز الجاري في هلسنكي مؤكدين أن الملف السوري سيكون حاضراً بقوة على طاولة المفاوضات للمقايضة.
ودحضاً للأقاويل والتحليلات المغرضة وقطعاً لسيل الحبر الملون بلون النفط والدولار يهمنا أن نبين الأمور التالية:
أولاً – إن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب بعض من القوات والعتاد الروسي من سورية كان قد أعلن عنه خلال زيارته الأخيرة إلى سورية وتحديداً إلى قاعدة حميميم العسكرية في شهر كانون الأول من العام المنصرم 2017 حيث جرى لقاء قمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد وعقب القمة أعلن بوتين في ذلك الوقت عن نيته سحب فائض القوة الروسية العاملة في سورية وذلك بعد نجاحات الجيش العربي السوري الذي استطاع من خلالها تحقيق العديد من الإنجازات والانتصارات الميدانية ما أسهم باستعادة معظم الأراضي التي شغلتها فصائل الإرهاب ومما أضافه بوتين في حميميم في 2017 أن قرار سحب فائض القوة من سورية لا يعني أننا أوقفنا حربتا على الإرهاب في سورية بل إننا نفسح المجال أمام قيادة الجيش العربي السوري للقيام بما تراه مناسباً لمصلحة سورية وإذا دعت الحاجة إلى إعادة قواتنا إلى سورية فإن مثل هذا الأمر لا يستغرق أكثر من ساعات قليلة وباستطاعتنا تلبية الحاجة لذلك لافتاً إلى أن دعمنا ومساندتنا سيبقيان مستمراً للحليف الإستراتيجي سورية.
ثانياً- إن من يروج لفكرة المقايضة بالانسحاب الأميركي من سورية مقابل سحب القوات الأجنبية منها وتحديداً الإيرانية وقوات حزب اللـه اللبناني مقابل الاعتراف بالنفوذ الروسي على سورية فهو إما جاهل وإما أنه مروج برتبة عميل مهمته التسويق لمصلحة الأجندة الإسرائيلية الأميركية والخليجية التي ما فتئت تبحث عن إحداث خرق في جدار محور المقاومة التي التزمت سورية العروبة ببناء الإستراتيجية الضامنة فيه ولأن سورية وموقعها الجيوسياسي يفرض عليها قيادة محور المقاومة فإن القرار الأول والأخير في سورية ليس للروسي ولا للإيراني ولا لأي قوة أو جهة أو دولة في العالم بل هو قرار سوري بحت عائد للقيادة السورية قولا واحداً، وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى حديث الرئيس بشار الأسد لإحدى القنوات الفضائية منذ أسبوع فقط حيث قال صحيح أن إيران حليف إستراتيجي لسورية بيد أنه لا وجود لقوات إيرانية بالمعنى العسكري بل هناك مستشارون إيرانيون إضافة من المقاومة اللبنانية الشقيقة كما القوات الروسية جميعهم حلفاء لسورية وموجودون فيها بناء على طلب رسمي من القيادة السورية بغرض المساعدة في الحرب على الإرهاب ولا مانع لدينا على بناء قواعد للحلفاء في سورية إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك وان القرار هو قرار سوري خالص وبما تقتضيه مصلحة الجمهورية العربية السورية، ولفت الرئيس الأسد إلى أنه من غير الممكن إطلاق التوصيف نفسه على القوات الأميركية أو التركية أو الفرنسية لأنها قوات معتدية موجودة على الأرض السورية من دون إذن منا ومخالفة لكل القوانين والقواعد الدولية ومن حقنا كسوريين مقاومة تلك القوات الأجنبية المعادية واستعادة كل الأراضي السورية التي دخلتها واحتلتها.
ثالثاً- إن أصحاب الأقلام المسمومة المأجورة التي ربطت بين لقاء القمة المرتقبة بين بوتين وترامب والمقايضة بالضغط الروسي على سورية بالسكوت أو بالموافقة على صفقة القرن مقابل السماح بالقضاء على ما تبقى من الفصائل الإرهابية واستعادة السيطرة على كامل التراب السوري والاعتراف بشرعية انتصار الرئيس بشار الأسد، هم منافقون وخونة حتى ينقطع النفس.
نقول: إن الجمهورية العربية السورية دولة ذات سيادة وليس بمقدور أحد مهما كان حليفاً ممارسة الضغط عليها لأن القيادة السورية لو قبلت يوماً بمبدأ المقايضة أو القبول بالعروض المغرية منذ بداية الأحداث فيها عام 2011 لما كانت سورية اليوم تعاني ما عانته طوال أعوام الأزمة ولما اضطرت إلى تقديم كل الشهداء دفاعاً عن أرض وكرامة وعزة ورفعة وهوية وعروبة سورية ولكانت سورية اليوم أحسن حالاً.
إن من يروج لقبول سورية العروبة المقايضة بصفقة القرن المشؤومة هو كمن يروج إلى ارتكاب الفاحشة المحرمة وإنهم يسوقون لارتكاب المحرمات السياسية والإلهية معاً ولم يعد ينفعهم الاستغفار ولا قراءة التاريخ السوري النقي لأن سورية وعلى مر التاريخ لم تفرط ولن تكون في يوم من الأيام جزءاً من أي اتفاقية تطيح بفلسطين كدولة عربية وعاصمتها القدس إضافة إلى حقوق الفلسطينيين التي ما برحت يوماً تدعو إلى الحفاظ عليها وذلك فيما مضى وما هو قادم من تاريخ ومهما كانت الظروف والضغوط وعلى افتراض أن قسماً من الفلسطينيين قبل بتنفيذ صفقة القرن فإن المؤكد أن سورية العروبة سترفض تلك الصفقة اللئيمة حفاظاً على فلسطين كحق عربي وعلى هويتها لأن هوية فلسطين العربية هي من هوية سورية العروبة وهوية الأمة العربية.
إن فلسطين في قلب سورية وجزء لا يتجزأ منها وهذا ما تفضل به قائد الأمة المؤهل الوحيد لإعادة بوصلتها للاتجاه الصحيح وجامعها من جديد الرئيس بشار الأسد.
محلل الشؤون العربية في إعلام العدو الإسرائيلي إيهود يعري قال إننا الخاسرون وإن بشار الأسد انتصر وهو قادم إلينا مهما حاولنا.
نختم بالقول إذا كان القائد حافظ الأسد وصف بالرجل الذي لم يوقع مع العدو الإسرائيلي فإن الرجل الذي حرر سورية من الإرهاب ويسعى إلى استعادة وتحرير الجولان من الاحتلال هو الرئيس العربي الوحيد المؤهل لزعامة وقيادة الأمة العربية نحو منع تنفيذ صفقة القرن، وهو الرئيس القائد بشار حافظ الأسد.