الحرب الاقتصادية بين الحلفاء الأعداء.. والهيمنة الأميركية
| قحطان السيوفي
المشهد الأخير اللافت للمؤسسة الرأسمالية الصناعية الغربية كان انهيار قمة مجموعة السبع التي رفض فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوقيع على البيان المشترك للقمة، بسبب الاختلافات حول التجارة بين الولايات المتحدة والحلفاء الأعداء، كما تشير التطورات إلى أن التجارة العالمية والعولمة بدأتا في اتخاذ مسارات معاكسة.
ثمة تساؤلات؛ هل مستقبل اقتصاد العالم يتوقف على نزوات شخص؟ وهل نسبة التنبؤ بتلك النزوات والأهواء أقل من السابق؟ في وقت يواصل فيه ترامب التمهيد لإعلان الحرب التجارية متحدياً النظام العالمي بسياساته الحمائية حتى تجاه حلفاء أميركا.
الحرب التجارية من أسوأ الحروب الاقتصادية، لأنها تدمر العلاقات الدولية، وآثارها مؤلمة وطويلة، ما يُفسر تحذيرات المؤسسات الاقتصادية العالمية من خطورتها.
في نيسان 2018 قال ترامب: إنه يفكر في استهداف صادرات صينية إضافية قيمتها 100 مليار دولار، وحينها اجتمعت كلمة الصينيين على أن يرفضوا مطلب ترامب بتقليص الفجوة التجارية بين البلدين بمقدار 100 مليار دولار على اعتبارها مطلباً تعسفياً لا معنى له.
بدأت فكرة الحرب التجارية تتقدم مع قيام ترامب بفرض رسوم جمركية على عدد من صادرات الصين لأميركا، وبعدها قال في تغريدة على موقع تويتر: «نضع اللمسات النهائية على دراستنا لفرض رسوم على السيارات القادمة من الاتحاد الأوروبي، والذي ظل لفترة طويلة يستغل الولايات المتحدة بشكل حواجز ورسوم تجارية.
في النهاية جاء ترامب بشعاره «أميركا أولاً» وكأنه يدعو لأفول تدريجي للهيمنة الأميركية، وهو يرى أن العولمة خطفت جزءاً كبيراً من أسواق أميركا العالمية والداخلية لمصلحة الصين وأوروبا واليابان، وهي القشة التي قصمت ظهر الكاوبوي، بتراكم العجز التجاري الخارجي الذي بلغ العام الماضي أكثر من ٥٦٦ مليار دولار لمصلحة الاتحاد الأوروبي والصين.
بدأ الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية على واردات الحديد والألمنيوم من عدد من الدول وجاءت كالتالي: 25 في المئة كرسوم جمركية على واردات الحديد و10 في المئة على واردات الألمنيوم، تلاها فرض رسوم جمركية جديدة على واردات بضائع صينية تتخطى قيمتها الـ60 بليون دولار كوسيلة للحد من الاستثمار الصيني داخل أميركا، وللثأر من الصين بحجة حقوق الملكية الفكرية الأميركية في مجال التكنولوجيا، تم تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار أميركي على الصين.
كما أن التوجه الأميركي طال دول الاتحاد الأوروبي الحليف في مجالات الحديد والألمنيوم، ويرى ترامب أن بلدان الاتحاد الأوروبي تتمتع بإعفاءات جمركية على مادتي الحديد والألمنيوم، ما يسبب خسائر للاقتصاد الأميركي.
قال بيتر نافارو، المستشار التجاري لترامب: إن قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة التي تبلغ 500 مليار دولار تعد هدفاً للرسوم الجمركية، مقارنة بالصادرات الأميركية إلى الصين التي تبلغ قيمتها 130 مليار دولار.
ويزعم البيت الأبيض أن «العدوان الاقتصادي الصيني الآن لا يهدد الاقتصاد الأميركي فحسب، بل الاقتصاد العالمي». بالمقابل قالت الصين إنها ستزيد الرسوم الجمركية على حبوب الصويا الأميركية ثلاثة أضعاف لتصل إلى 38 في المئة، وتعد الصين سوقاً لـ61 في المئة من إجمالي صادرات فول الصويا في الولايات المتحدة و31 في المئة من إجمالي الإنتاج لديها.
ونجحت بكين في الرد بالمثل على الرسوم الجمركية التي أصدرها ترامب معلنة عن فرض رسوم جمركية جديدة على 50 مليار دولار من الواردات الأميركية، ومن مفارقات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أن الحال يمكن أن تنتهي بشركتي صناعة السيارات الألمانية «ديملر» و«بي إم دبليو» أن تكونا أكبر الخاسرين.
بعد عقود من الاستثمار في الولايات الأميركية، من المحتمل أن تتعرض أكبر شركتين مصدرتين للسيارات في الولايات المتحدة، من حيث القيمة، إلى أكبر الضرر.
إذا واصلت الصين تهديدها بالانتقام من السياسات التي يفرضها الرئيس ترامب ستكون المركبات الرياضية المصنعة من شركة بي إم دبليو في ولاية ساوث كارولينا وسيارات مرسيدس المملوكة لشركة ديملر في ولاية ألاباما خاضعة لرسوم جمركية مرهقة نسبتها 40 في المئة، بدءاً من السادس من تموز 2018.
بالمقابل نجد أن الشركتين الألمانيتين المنافستين لشركتي ديملر وبي إم دبليو، وهما بورش وأودي، من كبار المستفيدين، على اعتبار أن المركبات التي يجري تصديرها من أوروبا ستُفرَض عليها رسوم جمركية نسبتها 15 في المئة فقط «هارلي- ديفيدسون»، شركة الدراجات النارية الأميركية الشهيرة ربما تصبح هي الأخرى ضحية أخرى للإستراتيجية التجارية التي ينتهجها الرئيس ترامب.
قال الاتحاد الأوروبي: إنه سيفرض رسوماً جمركية انتقامية على بعض المنتجات كالدراجات النارية، وهذا يمكن أن يضر بالدعم السياسي لترامب في مناطق مثل وسكونسن، التي يوجد فيها مقر «هارلي ـ ديفيدسون»، وهي ولاية رئيسية كان لها أثرها في انتخابات 2016.
بدورها صناعة السيارات في الصين ليست عرضة لخطر كبير بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، لأن صادَرات الصين إلى الولايات المتحدة تمثل 2 في المئة فقط من إنتاج الصين من السيارات. الرئيس ترامب أصبح أكثر عدوانية مع بروكسل، توعد بفرض رسوم جمركية نسبتها 20 في المئة على جميع واردات السيارات المصنعة في الاتحاد الأوروبي.
وقال مسؤولون: إن المفوضية الأوروبية بدأت العمل على تحديد قائمة بنحو عشرة مليارات يورو من الواردات من أميركا لاستهدافها في حال نفذ ترامب تهديده لقطاع السيارات.
حذرت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد من أن الجميع سيخرج خاسراً من الحرب التجارية، التي ستضر بنمو الاقتصاد العالمي.
بدأت بالفعل بوادر الحرب التجارية بالظهور للعلن، على مستوى العالم، وسوف تضر بالمصالح التجارية، وسيكون لها تداعيات خطرة على الدول النامية.
العالم في حاجة الآن إلى سياسات فاعلة، لمواجهة الحروب التجارية الأميركية العدوانية والحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي، بعد أن بدأ ترامب حربه الاقتصادية حتى مع الحلفاء الأعداء، التي قد تحقق له بعض المكاسب الآنية، لكن سيكون من آثارها، بالتأكيد، تراجع النفوذ والهيمنة الأميركية في العالم.