من دفتر الوطن

خيارات الحياة!

| عصام داري 

نحرق الدروب، ننسى أنها دروبنا نحن التي تقودنا إلى المستقبل، نظن أننا أعلنا العصيان والتمرد على أوضاع أتعبتنا، وأننا نحرق القوى التي تنخر أفكارنا وتطحن عظامنا، لكننا نقف لنجد أنفسنا وقد أعلنا التمرد على حريتنا وحياتنا وأردنا صنع معجزة التغيير في زمن ماتت فيه المعجزات.
لنقتنع بأننا ماضون في مشوارنا إلى آخره رغم كل العراقيل، وأن خياراتنا هي التي تحدد طبيعة خط النهاية، فلماذا لا نختار الدروب السهلة التي افتتحها الحب وعبدتها الأشعار والألحان والموسيقا التي تعزفها الملائكة؟
إذا كانت كل بوابات الحياة مفتوحة على مصاريعها أمامنا فلماذا نختار بوابة الريح لندقها من دون كلل ولا ملل؟ هل نعلن أنفسنا هواة اللعب بالنار وبالريح والأعاصير والدمار، والريح لا تأتي إلا بالدمار؟
لماذا نسكن في بيوت الحزن ما دام في العمر بقية فرح؟ لا ننكر أننا على بوابة مدينة أتعبها التعب والوجع والسفر في مكان ليس كالأمكنة، وزمان ليس مثل الأزمنة! لكننا نمتلك مفاتيح الغد إذا أضعنا مفاتيح الأمس، فكلنا في سفر أبدي وكلنا أصدقاء الوجع ورشفة أمل وحزمة ضوء، وكثير من العتمة، التي أعجبها المقام في مضاربنا، فأرادت أن تصبغ حياتنا بلونها الأسود الفاحم.
كنت أقول دائما: إننا أبناء الحياة والحرية والفرح، أصدقاء الشعر والزجل والموسيقا والألحان السماوية، وأصحاب الحب والعشق والمحبة، وكل القيم النبيلة التي تميز الإنسان عن بقية مخلوقات الكون الفسيح، ولأننا كذلك لا يمكن أن تهزمنا الظلمة، ولا أن تجرحنا الأشواك، ولا أن نسقط على أول مفرق طريق. وإذا كنا قادرين على صنع الفرح حتى من العدم، فلماذا نستدعي ونجتر الأحزان؟ وإذا كان بمقدورنا أن نشعل الشموع فلماذا نفضل العيش في العتم والترويج للظلمة وتكريسها كأسلوب حياة؟
العالم واسع والخيارات كثيرة والحب أسهل من صنع الكراهية والبغضاء، ودرب المحبة معبّد بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية الخلاّقة، بعكس زواريب الحقد المزروعة بالأشواك والحجارة والألغام، إنها مجرد دعوة إلى واحات الحب في صحارى غطت المساحات الشاسعة من الأرض والنفوس، وأظن أن الكثيرين سيلبون النداء.
علينا أن نفكر بحياتنا ونطرح أسئلة مشروعة على أنفسنا، ، فكم لحظة من أعمارنا المهدورة ذهبت سدى من دون جليس وأنيس يداوي جراحاً غائرة في عمق النفس والروح بلا طبيب ولا حبيب ولا رفيق درب يشاركنا الأحزان والفرح.
مشينا خطوتنا الأولى في الحياة، لم نتوقف بعدها، وسنصطدم بالجدار الأخير، والمشوار الأخير الذي سنبلغه مرغمين مهما امتد بنا العمر، وما بين الخطوة الأولى وحتى اللحظة الراهنة مشوار حياة، وحروب صغيرة من أجل رسم شخصيتنا الخاصة بنا، ومن أجل رغيف خبز كان دائماً يسبقنا بمراحل ويحتاج إلى كثير كما العمل والجهد والصبر!
لكن الفسحة المتاحة أمامنا لم تتبخر بعد، فمازال في العمر بقية كلمات لم تكتب بعد، وبقية خطوات لم نقطعها بعد وفي العمر بقية من سنوات سنبحث فيها عن لحظة حب وفرح هربت من الماضي، أو أضعناها بطيش الشباب، أو كانت مجرد أحلام تخيلناها ورحلت من دون وداع!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن