ثقافة وفن

الكتابة أصبحت مهنة مستباحة والنص مازال أضعف عنصر في الدراما السورية … المنتجون يسعون للتوفير وزيادة هامش الربح فيستغنون عن الأسماء الكبيرة ويستعينون بمؤلفين مبتدئين

| وائل العدس

تعد الدراما جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس في أي مجتمع؛ ولها تأثير كبير في تشكيل بعض سلوكياتهم سلباً أو إيجاباً؛ لأنها تعكس ثقافةَ المجتمع، وقد تخلق ثقافة جديدة في المجتمع، وقد تبني قيماً وتهدم أخرى.
ولا يخفى على الكثير ما تمر به الدراما السورية من أزمة كبيرة في الشكل والمضمون، خاصة في الآونة الأخيرة، بوجود تخمة في الأعمال الدرامية التي تفتقر إلى الجودة.

جوهر الدراما
مع انتهاء كل موسم رمضاني، تشحذ الأقلام نقداً ومدحاً، لتعبر عن السخط حيناً والرضا حيناً آخر، ولعل الملاحظة التي لا تأخذ حيزاً من الاهتمام هي أن المواسم الأخيرة أظهرت شحاً في النصوص، رغم أن الواقع يغلي بآلاف القصص والحكايات.
ويشكل النص جوهر العمل الدرامي ولا يمكن للصورة المدهشة أو حرفية الفنان المتقنة وحتى الرؤية الإخراجية المبدعة إنقاذ العمل إذا افتقر للنص الجيد.
ورغم نجاح وتألق الدراما السورية وانتزاعها موقعاً متقدماً على الساحة العربية، إلا أن هناك من يرى أنها تعاني مشكلات في النصوص والافتقار إلى القصة والفكرة والتركيز على موضوعات مستوحاة من التاريخ والبيئة، لكن في المقابل هناك من يدافع عن الدراما السورية التي استطاعت تحقيق نوعية وتنوع كبيرين في الموضوعات التي عالجتها.
الدراما السورية محترمة وأغلب العاملين يجمعون على أنه قبل الحرب التي تتعرض لها سورية كان هناك بعض المشكلات التي تفاقمت حالياً، لكن أهمية الدراما تكمن في إيجاد نصوص تعرف كيف تحاكي الواقع وتتنبأ للمستقبل.

مهنة مستباحة
الأجزاء المتناسلة والاقتباسات من أعمال أجنبية، والعودة إلى التاريخ البعيد، تطرح مجدداً سؤال أزمة السيناريو والنص الذي يتكرر منذ عقود، لكنه يستمر ويتفاقم في الوقت الذي تتزاحم فيه القصص الواقعية التي تضاهي في غرائبيتها وتأثيرها وقسوتها مخيلة أكثر الكتاب جموحاً وتطرفاً، بالمعنى الدرامي.
لنعترف أن لدينا أزمة نص منذ بداية 2010 حيث إن تراجع النص والأفكار المقدمة الآن بات أكثر وضوحاً بسبب غياب عدد كبير من الكتاب المحترفين وهجرتهم إلى الدراما العربية المشتركة، والمشكلة هي عدم وجود نصوص لها علاقة بالمرحلة والمناسبة لحالة التسويق.
وأيضاً هنالك مشكلة جديدة تكمن بظهور أسماء لا علاقة لها بالبناء الدرامي ولا الحرفة كلها، حتى إن كل من هب ودب بدأ يجرب الكتابة من دون معرفة هذه الثقافة ومداها على المتلقي.
وهناك كتّاب ليسوا بكتّاب، يفهمون فقط ألف باء القصة، تقوم إحدى الشركات المنتجة بشراء النص لأنه رخيص وتتم معالجته درامياً ويعمل على النص المخرج أيضاً وكذلك النجم الممثل.
الكتابة أصبحت مهنة مستباحة لدرجة أن كثيراً من هؤلاء الكتّاب لا يملكون أي خلفية ثقافية حقيقية باستثناءات قليلة.
الكتابة الدرامية ليست بالسهلة لأنها تتضمن رؤية بعيدة المدى، وهي نبض القلب بتفكير العقل، وهذا الأمر صعب جداً.
كما أن تكرار الموضوعات في الأعمال وتحول بعضها إلى أجزاء مؤشر كبير على وجود أزمة نص، إضافة لبعض الأعمال التي تفتقر إلى مقومات النص الدرامي ولا تعدو كونها تحقيقاً أو تقريراً صحفياً.
النص مازال أضعف عنصر في الدراما السورية ويعتقد أن استمرار وجود الكاتب المنفرد وعدم تقبل الكتابة ضمن الورشة التي نجحت في دول كثيرة سيجعلان نجاح الصناعة التلفزيونية مرهوناً بوجود كاتب جيد أو عدم وجوده.

موجة التغريب
على كتّابنا أن يسلطوا الضوء على الواقع وأن يعالجوا في كتاباتهم سلبيات هذا الواقع وأن يحاولوا إبراز عواقب الاستخفاف بالقيم والأخلاق، خصوصاً في هذا الوقت الذي طغت فيه موجة التغريب التي أبعدت فئة لا بأس بها من المجتمع عن القيم ودفعتهم لتقليد النمط الغربي في الحياة كنوع من التقليد الأعمى، كما لم ترتق المعالجة التي طرحها كثير من النصوص إلى المستوى الاحترافي بل شابها الركاكة والعجز والتشتت وعدم التسلسل بخلق الأحداث.
مشكلة بعض الكتّاب تكمن بطرح فكرته من دون أن يعرف من أين يبدأ وكيف يختتم خطوطه، بل يتخبط في تقديم أحداث فارغة ومكررة بعيدة عن التخطيط والشكل العلمي.
ويمكن الحل المبدئي بإقامة ورشات عمل في مجال كتابة السيناريو بإشراف كتّاب محترفين، وإجراء مسابقات مجزية لكتاب النصوص، إضافة إلى تشكيل لجنة عليا مؤلفة من وزارة الإعلام وصناع الدراما ووزارة الثقافة تتولى اختيار العناوين والموضوعات التي يعمل عليها الكتّاب.

العملية الإنتاجية
على الجانب الآخر، سواء كان العمل يحاكي الأزمة أم أي موضوع آخر، فمجرد أن يكتب بأصول درامية مع مراعاة أدق التفاصيل من الشركة المنتجة إلى جانب قدرتها على تقديم نفسها بشكل راق، أي توافر كل العناصر الفنية اللازم وجودها بأي عمل فني ناجح، فبكل تأكيد سينجح.
لكن الإنتاج قلّ بسبب رأس المال الجبان، فالمنتج لم يعد يغامر بإنتاج مسلسل لا يضمن بيعه.
أضف إلى ذلك خوف المنتجين من السخاء على العمل من منطلق الربح والخسارة إضافة إلى تحكم رؤوس الأموال والمحطات العربية بهوية العمل أو أفكاره.
وإذا ما عدنا إلى مشكلة أفكار المسلسلات المتشابهة والمكررة وفي صياغة الحوارات، وتقليد الأفكار الناجحة، وافتقاد القصة القوية الملأى بالإثارة والتشويق، فهي لأن المنتجين يسعون للتوفير وزيادة هامش الربح ويستغنون عن الأسماء الكبيرة ليستعينوا بمؤلفين مبتدئين.
ومن أبرز التفاصيل التي تحتاجها الدراما السورية وجود أشخاص في العملية الإنتاجية يمتلكون الخبرة والرؤية الثاقبة والنفس الفني الحقيقي لصناعة الدراما، كذلك تحتاج إلى آليات صحيحة وحقيقية في تسوية العمل.

الأزمة الكبرى
الأزمة الكبرى التي تعانيها الدراما السورية هي التسويق، والحلول ليست فردية بل يجب أن تكون جماعية من خلال إيجاد معادلة أساسية في تسويق الأعمال وهي «المحطة والمنتج والمعلن».
والدعوة هنا إلى إيجاد اتحاد لشركات الإنتاج لدعم الدراما السورية والتسويق السليم لها.

وأخيراً
تخضع الدراما لعملية العرض والطلب؛ المشاهد ليس من يتحكّم في نوع وجودة الدراما؛ فمن يتحكم في هذه العملية هي المؤسسات الإعلامية والشركات الإعلانية، وما تنتجه هذه المؤسسات من أعمال درامية تفرض فرضاً على المستهلك، سواء اتفق معها أم اختلف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن