تفاهمات «الإدارة المحلية»
| سامر علي ضاحي
لا يمكن التسليم بأن تحديد موعد انتخابات الإدارة المحلية في السادس عشر من أيلول المقبل جاء محض صدفة، بل يمكن التنبؤ بأن هذا التحديد ارتبط بقراءة متأنية أجرتها دمشق لمجمل التطورات السياسية والميدانية، إضافة إلى تشاور مع الحلفاء ببعض التفاصيل أو حتى اتصالات رعاها الحلفاء بشكل غير مباشر حتى مع قوى دولية غير حليفة.
ستأتي انتخابات الإدارة المحلية بعد سنوات من الصراع السياسي والعمليات العسكرية ضد الإرهاب والفصائل، لتعلن عن انفراجة حقيقية لدمشق في الأزمة بعدما ارتبطت مراحل عديدة منها بأنباء عن تعديل قانون الإدارة المحلية.
لعل مما سرع بالخطوة تحرك دمشق لإنهاء ملف الجنوب وذلك بعد محادثات ماراثونية أجراها العقيد الروسي يوري تازارف والدبلوماسي الأميركي برايم غرين في جنيف امتدت لنحو أسبوع، تبعها على الفور تحول الجيش في عمليته لاستعادة الجنوب من ريف السويداء إلى محافظة درعا، ولاسيما أن دمشق اشترطت خلال حملتها الإعلامية التحضيرية لمعركة الجنوب إدخال ورقة قاعدة التنف الأميركية ضمن أي تفاهم فكان القبول الأميركي بالتخلي عن فصائل الجنوب مقابل ابتعاد المنغصات عن معبر التنف والقاعدة الأميركية هناك، في وقت تبدو فيه القوى المناوئة للولايات المتحدة وعلى رأسها إيران حريصة على خلق مقاومة شعبية في المناطق التي يتواجد فيها قوات أميركية في شمال شرق البلاد وتخشى واشنطن من امتداد هذه المقاومة إلى التنف وهي التي ذاقت صواريخ من الحشد الشعبي العراقي على قاعدة «عين الأسد» في العراق عندما هاجم طيران مجهول أحد قواعد «الحشد» في قرية الهري بريف البوكمال ليلة 17 الشهر الماضي.
الثعلب الأميركي لا يسلم بسهولة ولن تقبل واشنطن بأي شكل من الأشكال بتسليم قاعدة التنف ما لم تحصل على ترتيبات معينة في الشرق والبادية تضمن لها تقليص النفوذ الإيراني أكثر في سورية، ولعل ما قام به العراق مؤخراً من إعداد جدار سلكي على الحدود مع سورية وقرب نشر آليات مراقبة إلكترونية على الحدود، لضبطها الحدود التي برأيها كانت مفتوحة أمام تدفق مقاتلين من العراق وإيران إلى سورية، بعد سنوات طويلة كانت فيها هذه الآليات مطلباً سورياً أيام الغزو الأميركي للعراق.
كما اشترطت واشنطن في الاتفاق، على ما يبدو، ترتيبات معينة في جنوب غرب البلاد تضمن «أمن إسرائيل» والذي لا يخفى على أحد أنه أحد محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط التي تراجعت مؤقتاً لصالح دخول روسيا في إدارة هذا الشرق وتحالفه مع العدو الحالي لأميركا وهو إيران، وهذا الأمر يبرر عدم دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب للالتزامات العسكرية في الشرق الأوسط، التي ارتبطت بها بلاده لعقود، وهو الذي يريد توريط روسيا أكثر في المستنقع السوري، دون أن ينسى ترامب بأن روسيا تزحف بهدوء نحو حليفه الأول في المنطقة وهو «إسرائيل» إذ باتت تربط بين موسكو ومسؤولي الاحتلال الإسرائيلي علاقات أوطد بكثير مما كانت عليه قبل سنوات، وكان الروس إلى اليوم محط ثقة حلفائهم، إضافة إلى أن استعادة الجيش للجنوب لن تغير موازين القوى الإقليمية الحالية بقدر ما كانت ضرورة ملحة لإنقاذ الأردن التي كانت تأخذ بالتراجع اقتصادياً إلى حدود خطيرة وبالتالي أرادت الولايات المتحدة التضحية بحليف آني لصالح حليف إستراتيجي، وضمنت عدم حصول إيران على مكتسبات تزيد من أوراق التفاوض الإيراني في صراع النفوذ الإقليمي.
إن كانت الولايات المتحدة سلمت باتفاق الوقت الراهن مع الروس حول الجنوب فهي على الأغلب ترحب بانتخابات الإدارة المحلية في موقف يقربها من الروس كثيراً، بعدما أكسبت حلفاءها خبرة العمل في «المجالس المحلية» التي رعتها وحمتها فصائل وتنظيمات مدعومة أميركياً خلال السنوات السابقة، وهذا الخيار تطرحه أميركا بقوة على طاولة الشمال أيضاً للضغط على التركي أولاً والروسي ثانياً ودمشق ثالثاً وحتى الكردي رابعاً، فيما لو جرت انتخابات مجالس محلية في مناطق كالحسكة التي لا يزال النفوذ الأكبر فيها لـقوات كردية أكثر مما هو نفوذ للجيش.
أما تركيا فتعتقد أنها قادرة على إفراز مرشحين مرتبطين بها فيما لو تمت هكذا انتخابات في مناطق كريف حلب خلال العامين المقبلين حتى وإن استعاد الجيش تلك المناطق كما أنها اليوم لن تقبل باتفاق في الجنوب ينطوي على ترحيل مسلحين وعائلاتهم كما في مناطق أخرى في ظل التجاذب القوي بين أنقرة والرياض ولا تريد حلفاء للسعودية يعكرون صفو المخطط الذي تنسجه في الشمال.
هذا التوافق المشترك على أهمية الانتخابات المحلية المقبلة يحمل في طياته صراعاً على النفوذ لا تزال دمشق تحتفظ بالقسم الأكبر من كعكته، بالنظر إلى توزع السيطرة وهي التي تستعد لاستعادة إدلب كما تستعيد الجنوب وبرأيها ستحسم الملفين قبل 16 أيلول، متسلحة بقدرتها على تمرير ضغوطات اجتماعات «جنيف» و«أستانا» و«سوتشي» بما يخدم تكتيكات المعركة السياسية والعسكرية، أو قد تستخدم «الانتخابات المحلية» لزيادة الضغط على خصومها في المنصات الثلاث.