ثقافة وفن

طالبا قسم الرقص بفرضية ثلاثية عن الولادة والحياة والموت … جيانا عيد لـ«الوطن»: حوّلوا مكنونات النفس البشرية إلى حركة وإيقاع راقصين

| سارة سلامة

هي ليست مجرد حركات يؤدونها إنما هم أمام واقع معيش جسدوا من خلاله رقصاتهم عبر مشهد درامي أو تراجيدي أخبرونا من خلاله عن أنفسهم وعما يشعرون به وما الذي يكرهونه وما يحبون وممن ينزعجون.
كل ذلك عبروا عنه بجرأة وحب، فهم لا يكترثون أو يخافون من أحد وتحمل رقصاتهم والتواءات أجسادهم شجاعة قد لا نحملها أنا وأنت.
كما أن حساب الكلمات وتراتبيتها لا تعنيهم مطلقاً، وتكاد تكون أجسادهم الغضة مستعدة لتحمل أي شيء، فهم اليوم يقفون ويتمايلون مع الضوء وأيضاً مع الموسيقا متحدين العالم وقيود مجتمعهم، ويطرحون العديد من التساؤلات بفرضية عن سبب الولادة والحياة والموت، فمن منا يتجرأ اليوم على خوض حوار معهم وربما سنترك لهم حرية التعبير حتى عن أنفسنا لأن حريتهم ليس لها أي حدود.
حيث قدم طلاب السنة الرابعة في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الرقص مشروع تخرجهم «المختبر السابع عشر»، الذي اختتم عروضه على مسرح سعد اللـه ونوس بعنوانين بارزين هما(الميول وحياد إجباري)، بإشراف الكريوغراف معتز ملاطية لي بالاشتراك مع طلاب السنوات الأخرى.
وقدم الطالب معتصم الجرماني من خلال بحثه (الميول) فكرة مهمة وهي: «الرغبة تجعلنا نبحث عن الحب، والحب مبني على وجود الشريك أو الطرف الآخر الذي يحدد ميولنا»، أما آنجيلا الدبس فقدمت من خلال (حياد إجباري) نظرية مهمة تقول فيها: «هم الآن ينظرون إلينا.. لثوان يشعرون بالأسف.. ربما لثوان لم يدركوا أننا هم.. وأنهم أمثالنا عالقون هنا».

التماس مع واقعنا اليومي

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قالت عميد المعهد جيانا عيد: «إن الطلاب حاولوا بمنطق البحث أن يكون للحداثة مساحة كبيرة في بحثهم الأكاديمي، وقدموا صورة جديدة للرقص المعاصر بالمعنى التعبيري، وركزوا على الدخول في الدراما أكثر، وعملوا على تحويل كل ما له علاقة بمكنونات النفس البشرية عبر حركة وإيقاع ربما يكون راقصاً ولكن له علاقة بمفردات إنسانية وبالتماس مع واقعنا اليومي وما يرونه كشباب هو جزء منهم في هذا العصر».

منح الأمل للناس

وبدوره قال المشرف عن قسم الرقص معتز ملاطية لي: «إن العرض اليوم هو ليس التجربة الأولى ودائماً ما أكون مع الطلاب في تخرجهم وذلك منذ إنشاء القسم، وهي تجربة طويلة وتحمل كل عام خطوة جديدة ونلاحظ التطور التدريجي، والعرض هذا العام كان حافلاً بدرجة مهمة لأنه حمل في جوانبه نتيجة ما زرعناه في السنوات السابقة في الطلاب وهي نتائج متطورة مقارنة بغيرها من السنوات».
وأضاف ملاطية لي: «إنني أشعر تجاه الطلاب بشعور الأب وخاصة أننا كنا فريق عمل متكاملاً ونحن ثمانية مدرسين ندرس المواد التقنية والعرض كان من إشرافي، ويهمنا بالدرجة الأولى عند دخول الطالب إلى القسم أن يتطور تقنياً ويأخذ كل مواد الرقص ونعمل ليكون تخرجه بشكل احترافي وهذا ما يجعلني راضياً عما يقدمونه في هذا العرض وغيره».
وبين ملاطية لي: «إن مرحلة الحرب أثرت نوعاً ما وحدت بالكثير من الخريجين للهجرة بحثاً عن فرص عمل، على الرغم من أننا لم نتوقف يوماً واحداً خلال 7 سنوات، وأعتقد أن الأمور ستتحسن من جديد وفي المعهد لدينا 3 أو 4 عروض في العام يشارك فيها الخريجون، ولدينا الكثير من المناسبات التي نحتفل بها مثل يوم الرقص ويوم المسرح العالمي، وكذلك عرض التخرج، وهناك فرص للشباب بأن يكونوا معيدين معنا، أي إن الذين تخرجوا العام الماضي هم اليوم معيدون في القسم، ونحن بحاجة مستمرة لأن القسم يحتوي على عدد كبير من الساعات، وهناك فرص عمل بالعروض الخارجية من خلال مهرجانات السينما والافتتاحات وهناك أعمال درامية تتطلب راقصين».
وأفاد ملاطية لي: «إن الطلاب لديهم مادة اسمها (مختبر تصميم) ومن هنا فإن العرض مبني على فرضية ثلاثية وهي الولادة والحياة والموت بالعموم، وكذلك اقتبسوا من أعمال تشكيلية فنية لفنانين عالميين وقدموا حلقة بحث عن ذلك وعلى أساسها بنوا رؤيتهم الخاصة وتركنا للمتفرج حرية التجوال ليرى ويقرأ ما يريده من العرض، فالطلاب عاشوا حالات وعبّر كل منهم عن الأشياء التي تزعجه في الحياة، والأشياء التي يريد التحرر منها أو الخوف منها ويطور نفسه فيها، وهذه صور صغيرة مثل الموزاييك ورسالتنا هي منح الأمل للناس لأنهم قادرون على فعل أي شيء مستحيل».

التأكيد على الجانب الدرامي

ومن جانبه قال الأستاذ سعد القاسم: «إن الطلاب المشاركين في العرض هم من مختلف الأقسام كانوا إلى جانب الخريجين الاثنين، ويرجع ذلك إلى قلة عدد الخريجين ما دفع بطلاب السنوات السابقة للمشاركة مع زملائهم في عرض التخرج وهذا العرف أصبح شبه تقليد في المعهد، وهذه الدفعة كانت تتجاوز 10 طلاب ولكن الكثير منهم تركوا المعهد وغادروا إما للسفر أو الانشغال بالحياة أو التوجه إلى دراسات أخرى، وكان واضحاً التأكيد على الجانب الدرامي في الرقص وعلى الجانب التعبيري بغض النظر إذا كانت الفكرة وصلت أم لا، حيث إننا لا نرى من خلال الرقص حركات فقط إنما تتحرك عندنا أفكار وتصورات ومشاعر، والحقيقة هم من الطلاب المميزين وأنجيلا هي عاشقة للرقص وأعطته الكثير من وقتها وتتمتع بلياقة عالية».

لا يوجد ما يقيدنا

وقالت الطالبة أنجيلا الدبس: «اليوم يحمل لي الغرابة بكل شيء فأشعر لثوان بالفرح وأتراجع بعد قليل ولا أرغب في الخروج من هذا المكان، لأنني هنا منذ العام 2003 عندما كنت طالبة في مدرسة الباليه ودخلت قسم الرقص فهو شيء من الانتماء للمكان ومن الصعب أن ينتهي بلحظة».
وأضافت الدبس: «إن الحرب ساهمت في إقصاء عدد من الطلاب ولكن في الأساس عدد الخريجين في هذا القسم قليل، وهو قسم مهلك ومتعب جسدياً ويحتاج إلى دوام صعب جداً، ولنصل إلى نتيجة مرضية نحتاج إلى كم هائل من التمرين والبال الطويل والصبر، وهناك الكثير من الأشخاص لا يستطيعون تحمل هذه المشقة كما أن المجتمع إلى الآن لا يتقبل فكرة الرقص وخصوصاً إذا كان الراقص شاباً، وهناك تحفظ كبير على هذا النوع من الفن، وفي الحقيقة كل منا عمل بحثاً عن الأشياء التي يرغب في إيصالها، وما يميز قسمنا أنه لا يوجد ما يقيدنا ونقول كل ما نريده من دون أي قيود، وفي العرض كانت رسالتي عميقة وليس مهماً أن يفهم الجمهور ماذا أريد حرفياً ولكن المهم هو أن يتفاعل ويشعر بأن العرض جزء من حياته، حتى لو كانت التجربة شخصية إلا أن فكرتها العامة تخص الجميع».
وبينت الدبس: «إن هذا القسم يحتاج قبل الجرأة إلى إصرار ويجب أن يعرف الشخص ماذا يريد، وخاصة أن لدينا سمة دون الناس وهي التعبير عن كل ما يزعجنا ومن دون أن نحاسب، وكذلك فإن الجرأة مطلوبة وليس من السهل أن نتحدى المجتمع والعالم حولنا بهذا النوع من الرقص، وأطمح بأن أكون الراقصة التي أحلم أن أراها في المستقبل، وأتمنى لقسم الرقص أن يبقى في تحسن ونتاج دائمين، كما أتمنى على الناس حضور المسرح باهتمام لأن ذلك سيغير كل شيء وقد تنتهي الحرب بحضورهم له».

تساؤلات حياتية

وبدوره أكد الطالب معتصم الجرماني: «إن العرض تحت اسم (الميول) وبدأنا فيه على أساس تمارين وارتجال وتساؤلات حياتية، وتساؤلنا لماذا خلقنا هنا ولماذا خلقنا بيضاً أو سوداً وبألوان عيون متعددة؟ ومن هذه التساؤلات انطلقنا إلى الحياة العامة وكيف نعيش حياتنا بشكل عام، ولا نقف هنا عند الميول الجنسي بل نتكلم عن الميول بالشكل العام، وفي الحقيقة فكرة الرقص في الأساس تعود إلى المجتمع الذي نعيش فيه وعلينا ألا نبقى مقيدين، وهناك الكثير من الأشياء تركب بصورة خاطئة، وإذا ما رجعنا إلى التجريد فهناك ناس تخلق معوقة وليس لديها في ذلك ذنب تحمله، وإذا كنت راقصاً في هذا المجتمع بالتأكيد ستحمل معاناة ولكن نحن وصلنا إلى مرحلة لا نستطيع فيها أن نتوقف عن الرقص لنقول للناس ماذا نريد من خلال الرقص؟ والمهم أن الناس أحبت ذلك وفهمت أفكارنا».
وأضاف الجرماني: «إنني بعد التخرج أطمح للدراسة في المجال نفسه واختص بشكل أكبر وأكثر معاصرة لأصبح شخصاً قوياً وأصل لما أريد وأرقص في كل دور الأوبرا بالعالم وأعود إلى بلدي لأكون أستاذاً في المعهد».
يذكر أن المختبر السابع عشر من إنتاج وزارة الثقافة «المعهد العالي للفنون المسرحية، والإشراف العام لعميد المعهد الفنانة جيانا عيد وصمم له الديكور نزار بلال والمكياج سعيد زمزم وتنفيذ الصوت محمد عمر حواصلي ومهند النصار وتنفيذ الإضاءة من كل من عبد الرحمن كيالي وفاطمة قطيش وبيان عطايا وعلاء كيزاوي وفيلم الافتتاح ضياء النجاد وتنفيذ الديكور حسان حيدر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن