ثقافة وفن

عداوة الإنسان

| إسماعيل مروة

القانون هو الأساس، وقراءته في تفاصيله هي الطريقة المثلى، فما أدرانا بعدد كبير من المسؤولين الذين يدّعون العلمانية، والذين يدّعون الخوف من الله على السواء وهم يخاصمون القانون ويغيّبونه وفي أحسن الأحوال يلجؤون إلى قراءته وفق مصالحهم وارتباطاتهم؟! أما عن الذين يدّعون الخوف من الله فهم الأخطر لأنهم يحكمون باسم الإله الذي شكلوه على هواهم، وهم أكثر قدرة على فعل ما يشاؤون، ويكتسبون البراءة، لأن الفاعل هو الله، وهو القضاء والقدر!!
تسأل عن حقك، فيقول لك أحدهم: القانون.. أنا رأيت تطبيقه بهذا الشكل! عجيب ذلك المسؤول الذي يتعامل مع القانون كعصا الراعي التي يهش بها على غنمه! الناس عنده غنم لا أكثر، والقانون حسب قراءته هو العصا! وقد لا يكون له علاقة بشيء، وكل مسؤول يقوم باختيار شخص كاره للناس، حاقد عليهم، ويوليه أمر الشؤون القانونية، وغالباً ما يتلقى هذا إشارة المسؤول ليكون قادراً على الظلم لصاحب الحق، ففتاواه القانونية تستبيح الوطن ساعة تشاء، وتجيز المخدرات وما شابه، وتجعل الغبي أديسون، وفتاواه قادرة على إنهاء أي ظاهرة إيجابية، يتأبط ملفاته القانونية تحت إبطه، ويدخل على سيده ليخبره بإنجاز المهمة، وبعد مدة بسيطة يتحول هذا المفتي القانوني إلى السيد الأول، لأنه أجاز للسيد المسؤول ما لا يجوز، ومنع ما لا يمكن منعه..!
ويتغير المدير أو الوزير، ويبقى هذا القانوني مكانه بشكل مؤبد ليتابع حرق الوطن وطاقاته..!
اليوم أيها السادة وبعد ثماني سنوات من الحرب، ما يزال هؤلاء يتربعون على مفاصل الدولة وفي كل مكان، في الخطير منها، وفي الأكثر خطورة التي لا نراها وقد لا تصل إلى مسامعنا..!
هل تعلمون بأن عدداً منهم لا يزال يتصرف كما لو أنّ الوطن ملكية شخصية له، ولا يمكن أن يفعل إلا ما يناسب مصلحته، ولو كان ذلك مضراً بالوطن ومصلحته؟
هل تعلمون أن سورية بعد الحرب، وبعد كل ما تعرض له المواطن المتمسك بالبقاء يعملون على إهانته واذلاله ومحاولة تطفيشه، وهم لا يعلمون أن من لم تستطع القذائف، ولم يتمكن القتل من إبعاده، فإنه لن يغادر، وأن من آمن بمشروع التحديث الذي أطلق عام 2000م ما يزال مؤمناً بالمشروع ومطلقه ومتابعه منذ ذلك الوقت!
عجيب أمر هؤلاء الحيتان حتى على صعيد الثقافة والأدب والفكر والتعليم والقضاء وما يتبع، يحاولون أن يوجهوا نقدهم إلى جهات أخرى، وهم الأكثر خطراً وعبثاً بحياة سورية وبمشروع التطوير والتحديث الذي يحتاج جهد كل مواطن يملك القدرة والطاقة! لم أكن لأتخيل في يوم أن يكون الأكاديمي والتربوي والمثقف تاجراً وحاقداً وكارهاً، وكأنه يملك دكانة ورثها ويفعل بها ما يشاء وبجرة قلم مزخرفة بتوقيع مشوه يدل على غاياته ومراميه.
أيها السادة الجيش العربي السوري منح الدم ليحيا السوريون، وأصبح جيشاً احترافياً مقاتلاً خلال هذه السنوات، وتمكن من تحقيق انتصار مذهل على المستوى العالمي، ولكن جيش الفساد والأنانية والتدمير في الداخل أكثر قدرة على تدمير كل ما حققته القيادة السياسية، وما حققه الجيش العربي السوري الوطني الذي لم يبخل بشيء.
لست أدري تلك العجينة التي يصنع منها المسؤولون التنفيذيون عندنا، فهم نبلاء وجيدون وماهرون ومنتقدون، ويأمل المواطن منهم الخير والإنجاز، ولكن ما أن يصل أحدهم إلى مكانة حتى يتحول إلى خصم للمواطن، بل يتحول إلى خصم للمبادئ التي انطلق بها ونادى.
يتحول الناس إلى خصوم ودواعش، وهو وحده العارف القادر الحريص، ومعه حق لأنه وحده يملك التوقيع، ووحده الذي يقول: هكذا أريد! وحده يمارس التضليل والتدليس على الجميع بحجة القانون، يستغل خصوصيته ومكانه، وأن الآخرين لا يعرفون تفاصيله، فيعمد إلى التحجج بالقانون يقنع ويحرج ويتملص ويفعل ما يشاء، فهو القادر والفاهم! ولا يدرك هذا أو ذاك أنه عابر في أي مكان، وأن ما يقوم به سينعكس عليه لأن أي إضرار بالوطن إضرار بالجميع، هذا إلا إذا كان هذا المسؤول قد جهز نفسه مسبقاً وأرسل أمواله ليحيا خارج الحدود، أو ليتربع مؤسسة خاصة ويكون شريكاً بها بعد أن أدى خدماته كاملة لها على حساب مؤسسات الدولة! هل أعدد أسماء الوزراء والمديرين وأكثر من ذلك وأقل، الذين تسلّموا مواقع مهمة خاصة بعد انتهاء مهامهم، ناهيك عن الذين انتقلوا بصورة عكسية؟
أي نقد لهم هو نقد للوطن! وأي موقف عداء للوطن! فهم الوطن! مسكين أيها الوطن الجميل والنبيل على ما يفعلونه بك، وكأنه لا يكفيك عدوان الخارج، وعدوان أبنائك الذين في الخارج بعد أن وضعوا خيراتك في جيوبهم كما يفعل كثيرون ممن هم في الداخل اليوم!
يحاول كثيرون أن يدافعوا، ويقولون: إن العناصر الأجنبية هي من فعلت بسورية ما فعلت، هذا صحيح، ولا شك في وجود عناصر خارجية متطرفة، لكن الذي لا شك فيه أن السوريين الذين شاركوا أكثر وأخطر، فكل الذين يتشدقون على الشاشات سوريون، بل سوريون كانوا جزءاً فاعلاً في السلطة، وهم يقولون ذلك، ويدعون إلى حرق سورية ليدخلوا على أشلاء السوريين، يريدون أن يكونوا مسؤولين متحكمين بأي سبب.. أما العنصر الخارجي فيقاتل ويقتل ويذبح، لكنه يموت أو يغادر.. السوريون في جزء مهم هم المسؤولون عما جرى لسورية، فقد رأينا حالات كثيرة وليست عديدة لسوريين في الداخل أكثر خطورة، سواء كانت مقاتلة أو كانت في مواقع المسؤولية، وكم من مسؤول غادر بعد أن أسهم في تدمير سورية..؟! وكم من مسؤول ما يزال فعله على الأرض، ويمارس ما عجزت عنه السنوات الطويلة؟!
سمعت من كثيرين مقولات خطرة، لكن تحتاج إلى تدبر، ومنها ما يقول: غداً سيأتي بعض ممن سفك الدم السوري ليصبح سيداً علينا، وعندما تناقشه يقول لك، وهناك في الداخل من أسهم بالسفك والقتل، وسيتربع هو الآخر لنصبح بين نارين لقاتلين قتلا الشعب السوري، وهما معاً سيعملان على محاولات إجهاض مشروع الإصلاح الذي توقف بسبب الحرب! وعندما تستنكر ما يطرحه يقول لك: لا تخف فكل جانب لديه رجال من عند اللـه كلفهم بنا، ولكل رجال دين يدعمونه ويحتضنونه ويحافظون عليه في مكانته، وإذا انتقل فإنه سيصبح في موقع أفضل!
الأمل معقود على سورية ومشروعها الإصلاحي النهضوي، ومطلق المشروع السيد الرئيس، ولن يتمكن هؤلاء من إجهاض هذا المشروع، قد تتبعثر الأمور، قد تتأخر، قد يظلم شخص، قد يسرق سارق، قد يفسد فاسد، قد يغتصب مغتصب، لكن الأمل والرجال بالعمل والجد هو الذي يرسم معالم الغد القادم، وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن