2015 العام المفصلي في الشرق الأوسط
| أنس وهيب الكردي
عندما يبدأ المؤرخون بكتابة تاريخ هذه الحقبة، سيحتارون على الأرجح في اختيار العام المفصلي الذي طبع الشرق الأوسط بطابعه الخاص.
قد يختارون عام 2011، الذي شهد الانسحاب الأميركي من العراق، وأحداث «الربيع العربي»، أو عام 2013، عندما تلقت الحكومة السورية دعماً روسياً ومن إيران وحزب الله من أجل إطلاق معركة القصير في ريف حمص، ولاحقاً أطاح الجيش بمؤازرة قطاعات شعبية واسعة بالرئيس محمد مرسي عن سدة الحكم في مصر منهياً ضربة قاصمة للمشروع الإخواني ليس في «المحروسة» فحسب بل في العالم العربي إجمالاً، في هذا العام أيضاً، توصلت الإدارة الأميركية الديمقراطية والقيادة الروسية إلى عقد الاتفاق الكيميائي، بعد اتهامات غربية للحكومة السورية باستخدام السلاح الكيميائي في غوطة دمشق الشرقية، ولم يكد الدخان الأبيض ينقعش عن الصفقة الكيميائية، حتى كانت واشنطن وطهران تكشفان عن مفاوضات سرية بينهما كانت العاصمة العمانية مسقط مسرحاً لها.
بعض المؤرخين قد يذهب إلى أن عام 2014، الذي شهد إعلان زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي «خلافته» المزعومة بعد سيطرة المسلحين المدعومين منه على أجزاء واسعة من العراق وسورية، هو العام المفصلي في الشرق الأوسط، فلقد هز إعلان البغدادي وممارسات تنظيمه الوحشية العالم، وأعاد القوات الأميركية إلى العراق، لقيادة تحالف دولي من أكثر من ستين دولة!
الأرجح أن يتوقف جميع المؤرخين أمام عام 2015، ففي هذا العام تشكل التحالف التكتيكي بين الولايات المتحدة والأحزاب الكردية في المنطقة من أجل قتال «داعش»، ذاك التحالف الذي هز العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وأنقرة، وفي الغضون، انتقلت العلاقة الروسية الإيرانية من علاقة العمل لاحتواء المخاطر والتهديدات على أمن سورية إلى علاقة تعاون عسكري في الميدان، مهدت للعملية الروسية في سورية نهاية أيلول من هذا العام، وأيضاً، وقعت الدول الكبرى مع إيران في صيف هذا العام «خطة العمل المشتركة الشاملة» أو ما يعرف بـ«الاتفاق النووي».
إن كل حدث من تلك الأحداث التي شهدها عام 2015، كانت له تداعيات بعيدة المدى وأدت إلى تحولات على مستوى النظام الإقليمي قيد التشكل، ولنبدأ من اهتداء واشنطن إلى قوات الأحزاب الكردية المختلفة في سورية والعراق وتركيا، لتكون بمثابة القوات البرية لقتال تنظيم داعش في غرب العراق وشرق سورية، وأدى ذلك إلى اعتقاد الأحزاب الكردية أن الولايات المتحدة تبنت مشروعها والقومية الكردية في الشرق الأوسط، وتكاثرت الأحلام بين ظهراني قيادات تلك الأحزاب.
التضايق التركي من العلاقة بين واشنطن مع الأحزاب الكردية، وبالذات «حزب العمال الكردستاني» في العراق وتركيا و«وحدات حماية الشعب» في سورية، دفع أنقرة إلى إعادة حساباتها حيال الدور الأميركي في الشرق الأوسط. وبينما كانت تركيا تجري إعادة النظر هذه دخلت روسيا على خط الأزمة السورية عسكرياً، محطمة آمال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تسوية الأزمة السورية وفقاً لطموحاته.
عدم قدرة واشنطن على منع العملية الروسية في سورية، ووقوفها على الحياد مع حلف شمال الأطلسي «الناتو» في أزمة إسقاط المقاتلة الروسية «سو 24»، عوامل دفعت أردوغان إلى فتح باب المصالحة بين أنقرة وموسكو، مدفوعاً بحرصه على تنسيق سياساتها الإقليمية مع القوة الدولية الجديدة في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي أضحى بإمكانها تعقيد الحسابات التركية في المنطقة لعقود مقبلة، ومن نافل القول إن الوجود الروسي في سورية أدى إلى افتراق الحسابات بين السعودية وتركيا ومهد لانفراط عقد ائتلاف «جيش الفتح» الذي سيطر على محافظة إدلب ربيع عام 2015.
اتضح أن العملية الروسية في سورية لم تكن سوى بداية لعودة الدور الروسي إلى الشرق الأوسط وشرق المتوسط وان الروس قلبوا هيكل القوى الدولي في المنطقة من أحادي القطبية متحور حول الولايات المتحدة، إلى ثنائي.
المحطتان اللتان لا تقلان أهمية كانتا من دون شك الاتفاق النووي الإيراني وإطلاق طهران تعاوناً عسكرياً مع روسيا في سورية، وبغض النظر عن الأسباب أو الخلافات التي دفعت إيران إلى عقد صفقة مع واشنطن باليمين حول برنامجها النووي وبالشمال مع روسيا حول سورية، إلا أن الصفقتين شكلتا معاً إشارة على محدودية القوة الإيرانية في الشرق الأوسط.
عندما يختار المؤرخون سنة البداية لتحولات سيطرت على الشرق الأوسط لثلاثين عاماً أو أكثر سيكون عام 2015 هو عامهم المنشود، لأنه شهد على تحول هيكل القوى الدولية في الشرق الأوسط بدخول العامل الروسي مزاحماً العامل الأميركي، وأكد محدودية أدوار القوى الإقليمية بالرغم من صعودها الذي لا يدانى، بالأخص تركيا، إيران والسعودية، وهو الذي جعل الأحزاب والقوى الكردية تتورط في أوهام ومشاريع غير قابلة للحياة شهدنا تحطمها وتراجعها ولا نزال.