لا بد أن نغير ونتغير!
| بسام أبو عبد الله
روى لي حلاقي قبل أيام قصة أزعجتني جداً، وهو أن ابن أحد المسؤولين قد اعتدى على شرطي مرور مختص برفع السيارات المخالفة على أوتوستراد المزة، وحصل الاعتداء نتيجة قيام الشرطي بتنفيذ القانون على سيارة الولد «المدلل»، ويبدو أن الشرطي اضطر للاعتذار من ابن هذا المسؤول، حسب الرواية التي سمعتها، والتي لم أستطع التأكد من صحتها كي أكون دقيقاً، ولكن الراوي للقصة أكد ما حصل بكل إصرار، وهو مواطن بسيط، ولكنه تأثر بقصة هذا الاعتداء، لأنه اعتداء على القانون، ورمز إنفاذ القانون، أي الشرطة!
الحقيقة أن تصديق هذه القصة ممكن لأن هناك شهود عيان من ناحية، ولأن مشاهداتي الشخصية، وأنا أقود سيارتي على أوتوستراد المزة تجعلني أصدق ذلك وخاصة وأنا أرى سيارات مفيمة بالأسود يقودها سائقون طائشون يهددون حياة الناس ليتسابقوا بسرعات عالية من دون مسؤولية، وغالباً ما تكون هذه السيارات لهذا المسؤول، أو ذاك، وبالتأكيد لو أن كل شخص مسؤول اهتم بسلوك أولاده لما رأينا مثل هذه المشاهد المقززة بين الفترة والأخرى ولما سمعنا بقصص وروايات لمن ينتهك القانون، وقواعد السير، ويحتقر الشرطي، ويتعامل مع هذا المواطن، أو ذاك بتعال، وتعجرف، وتكبّر لأنه ابن مسؤول، أو قريب مسؤول، أو صهر مسؤول، أو من رائحة المسؤول، أو يعمل معه!
ولأن الحديث في السياسة يبدأ من هنا، نعم من هنا، وليس من أي مكان آخر إذ ما قيمة دماء آلاف الشهداء، والجرحى واليتامى، والثكالى، وآلام السوريين الصامدين، إذا كان هناك لا يزال بيننا مسؤول فاسد قذر يتاجر بقوت يومنا، ومسؤول آخر يشبعنا خطابات رنانة طنانة، وممارساته لا تختلف عن ممارسات أعداء الوطن، وما قيمة كل هذه التضحيات إذا كنا سنعود إلى ممارسات، وسلوكيات مخالفة للقانون تدوس على كرامة المواطن، وتحتقره؟! والطريف أن البعض يبرر الفساد بالمليارات بحجة أن هذا أو ذاك وقف مع الوطن في محنته! وهل الموقف الوطني يتطلب التعويض بسرقة المليارات، ونهب قوت الناس، والفقراء في ظل هذه الظروف الصعبة علينا جميعاً؟ هي أسئلة سياسية مشروعة يناقشنا بها الكثير من المواطنين، ويقول محتواها: متى سنحاسب وإلى متى سنترك الحبل على غاربه لغربان الفساد، وتجار الوطنية؟!
هو سؤال صعب، ومعقد يتكرر على ألسنة الناس، ولكني أجبتهم دائماً أنه لا إمكانية لأن يستمر الفاسدون، والمفسدون إلى مالا نهاية، لأنهم أيضاً اعتقدوا أن لا محاسبة، ولا حساب، نظراً لانشغالنا جميعاً بمعركة تحرير الأرض من دنس الإرهاب، وأعتقد أن تحريرها، وتنظيفها من دنس الفساد، لا بد أن يبدأ يوماً ما، ومن مكان ما، لأننا أيها السادة: في سورية التي ضحى أبناؤها بآلاف الشهداء، وآلاف الجرحى وسيحققون انتصاراً تاريخياً، لن يسمحوا لأقزام صغار أن يتعاطوا معهم على طريقة بعض المسؤولين الذين لم يدركوا بعد أن سورية تغيرت، وعلينا جميعاً أن نتغير، ولكن كيف؟
1- ألا نكون عبئاً ثقيلاً على رئيس الجمهورية بل أن نحمل معه كل في مكانه عبء إعادة بناء البلاد والعباد، فالمسؤوليات كبيرة، والتحديات جمّة!
2- يجب أن نتوقف عن خطابات النفاق والدجل، فمحبة الوطن ورئيسه تكون من خلال العمل، والإبداع والابتكار، وإيجاد الحلول لمشاكل المواطنين، أي الأفعال وليس الأقوال، وهذه أمور قابلة للقياس، ويستطيع المواطن تلمس نتائجها.
3- التخفيف من مظاهر البذخ أمام الرأي العام والمواطنين الذين يعيشون ظروفاً صعبة، والتعاطي مع المظاهر السلبية أو التعدي على المواطنين، بمنتهى القسوة وبموجب القانون، لتكون لدينا عبر يراها المواطن، ويسمع بها كي تزداد الثقة بالدولة ومؤسساتها، إذ لا يعقل أن يقام عرس في أحد فنادق المدن السورية يكلف مئات الملايين، في وقت تعاني فيه أسر سورية من شظف العيش ومصاعبه، فالتضامن الاجتماعي أساسي ومهم في بلد لا يزال يقدم في كل يوم الشهداء والجرحى.
4- احترام القانون وتطبيقه، وهو أمر له أكثر من بعد منها: المساواة بين المواطنين، وبعد آخر حضاري يعبر عن رقي الدولة، وتقدمها ويبدو لي أن هذا الأمر وملامسة المواطن له، تبدأ من قوانين السير وشرطة المرور، ومنع استخدام السلاح وضبطه، لتنسحب على كل القضايا الأخرى في المجتمع.
5- تغيير مفردات الخطاب السياسي بحيث تلامس قضايا الناس وحاجاتها، وتتحدث عن برامج قابلة للتطبيق، والقياس، وأن يذهب هذا الخطاب إلى كل قرية وناحية في سورية، فليس المطلوب الحديث في مراكز المدن فقط، وإنما علمتنا التجربة أن الاهتمام بالأرياف يجب أن يكون ضمن أولوياتنا القادمة من دون إهمال لأحد.
6- التركيز على البعد الوطني للأداء، وليس الحزبي فقط، لأن المواطن السوري لا يهمه كثيراً الانتماء الإيديولوجي للمسؤول أو أي انتماء آخر، وإنما يهمه من يخدمه، ويرعاه، ويحل مشاكله، ويتواضع له، ويشعر به، وخاصة مع اقتراب موعد انتخابات الإدارة المحلية التي سيكون بعدها للبلديات دور مهم على الصعيد التنموي والاجتماعي، وعلى صعيد تقديم الخدمات، والتنافس الايجابي على مستوى سورية بشكل عام، وهي تجربة لابد من إنجاحها وفقاً للقانون الجديد للإدارة المحلية.
7- بقدر ما نطلب من المسؤول، فإن علينا أيضاً أن نحصّن هذا المسؤول مادياً ومعنوياً، أمام المغريات الكثيرة التي يفرضها الموقع والمسؤولية، وهذه قضية علينا أن نتعاطى معها بوضوح، وشفافية!
هذه بعض الأفكار البسيطة التي قد يعرفها كثيرون منّا، لكن الأهم أن نتعاطى بجدية، وبوضوح شديد معها، ذلك أن أهم ما يجب أن يتغير فينا هو القدرة على الاعتراف بالأخطاء، ووجود المشاكل كي نتمكن من حلها، وعدم إهمال أي ظاهرة، أو مشكلة لأن إهمالها سيتحول لاحقاً إلى مرض مزمن يصعب علاجه، كما أن الاعتراف بالمشاكل، والأخطاء ليس دليلاً على الضعف إنما دليل قوة، وفهم عميق للمجتمع، ومشاكله، فالخطوة الأولى لمعالجة أي قضية هي الاعتراف بوجودها.
إن عودة ثقة الناس بالدولة، ومؤسساتها تحتاج إلى أناس مخلصين متواضعين، محبين لوطنهم وشعبهم، ومستعدين للعمل ليل نهار من أجل عدم تكرار أخطاء الماضي، وتقديم نماذج حقيقية من رجال الدولة الذين سيثبتون أننا تغيرنا، ولا بد أن نتغير، أما أولئك الذين يشعرون باليأس من إمكانية التغيير، ويقولون إننا لم نأخذ دروساً مستخلصة، ولم نتعلم شيئاً مما دفعنا ثمنه فأقول: من المبكر الحكم على ذلك، ونحتاج لبعض الوقت لإنهاء الأولويات ومن ثم سنتحدث ونكتب عن ذلك، لكني لست من اليائسين، بل دائماً أؤمن بأن التغيير قادم قادم، فما حدث في سورية بقدر ما كان مأساوياً، فيه جوانب إيجابية كشفت لنا الكثير من عيوبنا، وعرّت جوانب خلل لابد من معالجتها بشكل جذري، بعضها سلوكي، والآخر سلطوي، وثالث قانوني دستوري.
ولأن الأمور كذلك: لابد أن نتغير ونُغيّر، وطبعاً دائماً بالاتجاه الايجابي، ولمصلحة وطننا، ومواطننا، وهذا هو جوهر أي حديث سياسي، وممارسة سياسية، ومعيار النجاح، أو الفشل في المستقبل.