نظام الخيمة وتبويس اللحى
| عبد المنعم علي عيسى
في لقاء أجرته صحيفة «الفانيشيال تايمز» ونشرته في نيسان 2016 مع وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري السابق محمد بن جاسم، ورداً على سؤال يتعلق بطبيعة العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة من جهة ودول الخليج الست من جهة أخرى وتحديداً منها العلاقة النفطية، قال: «على امتداد ثلاثين عاماً الماضية كانت دول الخليج تنفذ الإملاءات الأميركية فيما يخص السوق النفطية دونما أي اعتبار لمصالحها الآنية أو البعيدة المدى».
الجواب واضح ولا لبس فيه! لكن عيبه الوحيد هو أن مطلقه لم يكن على رأس عمله حين أطلقه الأمر الذي يرى فيه العديدون وضعاً يتيح له القول بما يريد، أو يتيح أيضاً تسويق ما يشاء من أفكار أو أحداث سابقة! وخصوصاً أن ابن جاسم كان قد خرج من السلطة بصفقة أطلق عليها «خروج الحمدين» في أيار 2013! بإملاء أميركي في أعقاب فك واشنطن لتحالفها القائم مع تنظيم الإخوان المسلمين بعد ثبوت تورط هؤلاء في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 أيلول 2012 وقتل السفير الأميركي فيها! إلا أن ذلك العيب سيصبح ضعيفاً أو هو غير مؤثر إذا ما تتبعنا مجريات الأحداث ومحاولة ترقبها من المنبع إلى المصب.
بدءاً من صيف العام 2015 دخلت المملكة السعودية معتركاً كبيراً ستكون له تداعياته على مختلف المجالات في الداخل السعودي! كان ذلك الدخول بإملاء أميركي أيضاً بعدما قررت واشنطن شن حرب نفطية على روسيا، وكذا إيران، من شأنها أن تؤدي إلى ترهل اقتصادها مع كل ما يحتمله ذلك الأمر من مخاطر أو حتى إسقاط النظام السياسي القائم فيها، كوسيلة ناجحة لتعميم الفوضى! كان الدور السعودي يقوم على ضخ ملايين براميل النفط لإغراق السوق بفائض سوف يؤدي حتماً إلى تدهور أسعاره! الأمر الذي بدأ يعطي نتائجه منذ منتصف العام 2016 ليصل إلى ذروته في حزيران 2017 عندما انخفض سعر البرميل إلى ما دون الثلاثين دولاراً! وهنا لابد من الأخذ بالحسبان أن الاقتصاد السعودي يقوم على مداخيل النفط بنسبة 85 في المئة وإذا ما كانت الحسابات الأولى تقول إن العجز الحاصل في الميزانية يمكن تغطيته مؤقتاً من الصندوق السيادي الذي كان يحوي ما يقرب من ألفي مليار دولار! إلا أن تلك الحسابات تعقدت فطالت المدة ليحتاج الأمر إلى ثلاثين شهراً لتحقيق انخفاض جوهري في سعر البرميل! كان ذلك بالتزامن مع ارتفاع صاروخي في مشتريات السلاح ونفقات الحرب على اليمن التي انطلقت أواخر آذار 2015! ثم حدث ما لم يكن بالحسبان فقد حلّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب «ضيفاً» على الرياض ليكنس ما تبقى في خزائنها ثمناً لتحويل رياح «جاستا» الذي كان الكونغرس الأميركي قد أقره في أيلول 2016.
في ظل هذه المعطيات أخذت نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية تتأثر بشكل متزايد فيما الخشية كانت! ولا تزال! في أن يفقد دور المال «اللاصق» الذي يؤمن تلاحماً ما بين مكنونات تعتبر طبيعياً من النوع العصي على التلاحم! وإذا ما طال الأمد بذلك فالخشية هنا تصل إلى إمكان حدوث شروخ مذهبية أو عشائرية بل شروخ داخل العائلة المالكة نفسها، حيث تمظهرت في اعتقال أكثر من 100 أمير ووزير سابق أو مسؤولين على اختلاف مستوياتهم! وإذا كان التعمد بادياً في إظهار أن الحادثة تأتي في سياق الصراع على السلطة! وهناك في الأمر الكثير مما يدعو إليه! إلا أن الأمر كان يحمل في طياته نواح أخرى وهو ما أشارت إليه تقارير «فرانس برس» التي كانت تتابع عمليات الإفراج الإفرادي عن بعض المعتقلين في مقابل دفع مبالغ مالية ضخمة حتى كانت حصيلة إطلاق ربع المعتقلين «الدسمين» قد تجاوزت مئة مليار دولار.
بدءاً من ربيع العام الماضي راحت أسعار النفط تنتعش بفعل عوامل عديدة حتى لامست في أيار الماضي حدود الثمانين دولاراً! إلا أن ذلك لم يكن ليناسب الهوى الأميركي فواشنطن تريد طاقة رخيصة لضمان وقف استخراج النفط الصخري وكذا تعديل خسائر ميزانها التجاري مع العديد من التكتلات الاقتصادية! وفي هذا السياق هاتف ترامب العاهل السعودي يوم 30 حزيران الماضي طالباً ضخ مليوني برميل في السوق النفطية يومياً لإغراقها بفائض يضمن هبوط أسعارها إلى ما دون الخمسين دولاراً إن لم يكن أكثر! وفي ذلك الاتصال الذي دام 11 دقيقة، تقرر سريعاً الاستجابة للطلب الأميركي على طريقة «تبويس اللحى» فواشنطن تدرك جيداً أنها ستحصل على أي شيء تريده إلى أن يصبح لقب محمد بن سلمان «العاهل» السعودي.