محادثات الشرق السوري
| أنس وهيب الكردي
أمامنا محادثات ما بين السلطات السورية وقيادات في «مجلس سورية الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» تستهدف التوصل إلى تفاهمات توفر عودة المؤسسات الحكومية إلى المناطق الشرقية من البلاد من دون الدخول في السيناريو العسكري.
تأتي الأنباء عن المحادثات على أرضية خوف «وحدات حماية الشعب» الكردية من قرب انسحاب الجنود الأميركيين وبقية قوات التحالف الدولي من شرق سورية، وهواجس الميليشيا من الاتفاق الأميركي التركي حول منبج، وتكرار مأساة منطقة عفرين، التي تركتها واشنطن فريسة لعملية «درع الفرات» من دون أن توفر لها أدنى حماية، أو حتى أن تضغط على أنقرة كي تحيدها عن عملياتها في الشمال السوري.
هذه المحادثات على ما يبدو لا تعدو أن تكون مشهداً غير أصيل؛ فالولايات المتحدة لا تزال موجودة بقواتها في شرق سورية، وعلى أية حال، فلو قررت واشنطن الخروج وأخبرت بذلك الميليشيات الكردية، فإن مسؤولي «حماية الشعب» يدركون أن قواتهم من دون الحماية الأميركية، لن تكون قادرة على الصمود أمام قوات الجيش السوري، وبالتالي، لا يوجد أي سبب يدعو السلطات السورية لمفاوضتها إلا على خطة استلام وتسلم مناطق، وترتيب العملية بشكل يضمن ألا يحدث فراغ أمني أو عسكري يستفيد منه تنظيم داعش أو تركيا، بمعنى آخر فإن أكثر مطالب أولئك المسؤولين لن يكون لها أمل واقعي بالتحقق.
الاحتمال الآخر أن تكون واشنطن قد قررت الخروج من الشرق السوري، لكنها تعتزم المفاوضة على الانسحاب مع موسكو مقابل مطالب تتعلق بالوجود الإيراني في سورية، في هذه الحالة من النافل قوله إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن تسمح لـ«حماية الشعب»، بالتفاوض مع دمشق على ما تعتبره قضية تتعلق بمصالحها الإقليمية، وورقة على طاولة المساومة مع الروس.
هناك احتمال، وإن كان ضعيفاً، هو استمرار الوجود الأميركي في شرق سورية مدة إضافية، وأن تلجأ واشنطن لتأمينه من خلال الاتفاق مع أنقرة، في هذه الحالة، سيحصل تمايز داخل مؤسسات «حزب الاتحاد الديمقراطي – با يا دا» كـ«حماية الشعب» و«سورية الديمقراطية» ما بين تلك القوى المحسوبة على واشنطن والتي أدارت الحرب على تنظيم داعش كقوات برية للتحالف الدولي، وما بين القوى الأكثر قرباً من دمشق وطهران، والتي تلقت دعماً من السلطات السورية منذ أواسط العام 2012، لمواجهة المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا، في شمال سورية، وهذه القوى في الحقيقة هي من يخوض المحادثات مع السلطات السورية الآن، وهي كانت قد تلقت ضربة كبيرة بخسارة عفرين، كما أنها مهددة بتراجع دورها إذا ما نفذت أنقرة وعيدها باجتياح مزيد من الأراضي السورية في محيط تل أبيض شمال الرقة، والعراقية في جبال قنديل ومنطقة سنجار شمال الموصل.
بغض النظر عن هذه الاحتمالات، فإذا كان الشرق السوري محل تفاوض روسي أميركي في الوقت الحالي، تحضيراً لقمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب في العاصمة الفلندية هلنسكي، فما سيشهده ليس بعيداً عن نتائج تلك القمة.