ثقافة وفن

التنجيم السياسي في التراث العلمي العربي … فن الطوالع تطور في مصر طوال العهد الهلنستي ومطلع العصر الروماني

| سوسن صيداوي

مصيرنا. كيف سيكون؟ هل ستتحقق أحلامنا؟ هل سنكسب أموالا أو أعمالا جديدة؟ هل هناك ارتباط عاطفي أو عكسه؟ ماذا عن الإنجاب؟…. إلخ من الأسئلة التي نسمعها ونحن نستفسر عن طالعنا في الفقرات التلفزيونية والإذاعية المخصصة لحساب الطالع الذي يتم حسابه من تصوير علمي لمواقع السيارات والنجوم الرئيسة ساعة ميلاد المرء، وهو تفسير علمي مستنبط من موقع كل منها بالنسبة إلى غيره. وبالتالي التنجيم هو التصور الذي يحاول وضع علاقة بين بعض الأجرام الفلكية والأحداث الأرضية، ويقوم بدرجة أساسية على رسم خريطة البروج أو الطوالع لكل حدث. وهو عبارة عن رسم يوضح موقع الأرض والكواكب والبروج النجمية في وقت الحدث الذي يكون عادة ذا أهمية مثل وقت الميلاد. وليس هذا فقط بل سنرصد لكم العلاقة بين التنجيم
والتاريخ، مرورا بما يسمى«التنجيم السياسي» وكيف وصل إلى الأبحاث العلمية العربية، من خلال كتاب «التنجيم السياسي في التراث العلمي العربي» للدكتور عبده القادري، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، مقسما إلى ثمانية فصول، بواقع مئة وعشر صفحات. وللحديث أكثر سنتوقف عند بعض المفاصل.
من البداية

أشار الكاتب د. القادري إلى أنه في بابل ظهرت أول دائرة للبروج مكونة من اثني عشر برجا، يحتوي كل واحد منها على ثلاثين درجة، وكان هذا في القرن الخامس قبل الميلاد، ويُرجع الباحث هذا التصور إلى أن الأفكار التنجيمية التي انبعثت من بابل وفارس قد دمجت في عهد مبكر بتصورات الفيثاغورثيين والأفلاطونيين، متابعا: إن نشأة التنجيم ترتبط بوجه خاص بالكلدانيين وهم أقوام سكنوا جنوب بابل، بل أصبحت كلمة «كلداني» مرادفة لكلمة منجم، وحتى يمكن القول إن طرائق حسابات الكلدانيين قد نُقلت شرقا وغربا على أيدي حسبة الطوالع أو المنجمين الذين نشروا جداول وكتباً لإرشاد الممارسين من حسبة الطوالع، مشيرا إلى أن ذلك لا يعني تطور فن الطوالع في بلاد الرافدين بل تطور في مصر طوال العهد الهلنستي وكان تطورا متسارعا في ختام ذلك العصر ومطلع العصر الروماني.

عبر التاريخ
تحدث د. القادري عن الصلة بين علم الفلك والعرب، عن أن علم التنجيم واكب علم الفلك والفلكيين الكبار أمثار بطليموس والبيروني ومحمد بن موسى بن شاكر، ويحيى بن أبي منصور، والقبيصي. وكانت معظم الكتب والرسائل التي تصنف في الفلك تخصص بعض صفحاتها وفصولها للجانب العلمي من التنجيم، أي التنجيم الفلكي، وهو يتناول وسائل تحديد مواقع الكواكب وأوجه القمر ونقاط اللقاء بين المدارات ومعرفة الطالع، وأنهم كانوا يحددون اللحظة التي يظهر فيها تشكيل سماوي نجومي ملائم لبدء عمل معين أو وضع أساس لمدينة ما، متابعا: إن المنجمين العرب يعتمدون بشكل عام على رسم خريطة البروج على: الأرض، الكواكب السيارة، دائرة البروج، المنازل، مضيفا إنه من خلال تناول نصوص علم أحكام النجوم يمكن إدراك وجود اختلاف واضح بين نظم التنجيم المختلفة خلال التاريخ، وهذا الاختلاف يرجع إلى الطريقة التي تُعرف بها دائرة الأبراج.

علم التنجيم والعرب
الفصل الثاني للكتاب جاء بصورة تاريخية لعلم أحكام النجوم والخلفاء، فتحدث الباحث عن التنجيم في الحضارات القديمة، مشيرا إلى أنه في أساسه ذو طبيعة دينية، مأخوذة من حضارات مختلفة. وبأن هذا العلم يؤمن بأن الكواكب ذات طبيعة مقدسة، ولقد نسب كل كوكب وكل نجم في مصر وفي بلاد ما بين النهرين إلى الآلهة والأرواح منذ زمن بعيد. أما بالنسبة للعرب فلقد بلغوا شأنا عظيما بمعرفة أوقات النجوم ومطالعها ومغاربها، وعلم أنوار الكواكب وحركاتها، وتابع المؤلف: إن الدين الإسلامي قد بيّن فساد الاعتقاد بالتنجيم وعلاقته بما يجري على الأرض، ودلالة الكواكب والنجوم على مصير البشر والأحوال المستقبلية، ولكن لم يمنع ذلك بعض القائمين بالأمر، ولاسيما الخلفاء العباسيون، أن يعنوا به في بادئ الأمر. كما أضاف إن علم الفلك في المجتمع الإسلامي تطور من خلال القرن التاسع الميلادي مع ترجمة كتاب «السند هند»، مشيرا إلى أن العرب والخلفاء المسلمين لم يقتصروا على مجرد أحكام النجوم وما يتعلق بها، بل أصبح علم الفلك علما مستقلا بعد أن كان أقرب إلى الخرافات والتنجيم منذ تأسيس مدينة بغداد وعلى وجه التحديد في العصر العباسي، حيث بدأ المسلمون يطورون ما وصل إليهم من هذا العلم، منتقلين من المجال النظري إلى المجال العملي التطبيقي القائم على الرصد والمشاهدة.

التنجيم السياسي
هنا، في هذا الجانب الذي يحمل عنوان الكتاب، عرّف الباحث التاريخ التنجيمي السياسي بأنه هو التاريخ المبني على التنجيم وهو رواية التاريخ الأُسري على أساس دورات زمانية مختلفة في طول أزمانها، إذ إنها تقع تحت سيطرة النجوم والكواكب السيارة. متابعا: إن التنجيم السياسي أو تاريخ العالم في إطار نظرية القِران (قِران كوكبين) التي تؤكد أن تاريخ العالم هو سلسلة من القِرانات لكوكبين هما أبعد ما يكونان عن الأرض في علم الفلك القديم والوسيط: زحل والمشتري، مضيفا في بحثه العديد من النظريات والدلائل التي تؤكد أنه تمّ التوظيف السياسي للتاريخ التنجيمي وهي قضية أكدها الكثير من المؤرخين العرب فيما بعد، خاتما بأن عرض محتوى النصوص التنجيمية التي أضافها في بحثه، يجعلها تعكس في مجملها صورة الحياة السياسية والتاريخية في الدولة العربية والإسلامية. وقد راعت هذه النصوص تسلسل الأحداث السياسية وذلك وفق تسلسل القِرانات كما ذكرها المنجمون، وأن هذه الصور من القِرانات كانت بمجملها تؤسس للتاريخ السياسي المبني على قراءة خريطة الطالع. وإحدى الأدوات الأساسية هي نظرية القِران التي أسست لحركة التاريخ ومجرى الأحداث التاريخية والسياسية في كتابات المنجمين وخصوصا في العصر العباسي الأول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن