رياضة

الاهتمام بالرياضة مصلحة عامة وليست خاصة ورسالة سامية تحمل في طياتها الكثير من الأهداف النبيلة … البطل الدولي في الملاكمة ميسر سعد لـ«الوطن»: لدينا خامات مميزة ولكنها بحاجة للتصنيع وللإدارة الجيدة

| طرطوس- سناء أسعد

أن تحلم لا يعني أنك تعيش أسير الوهم والخيال ولا يعني أنك تحبس ذاتك في أقفاص المستحيل.. بل إنك تطلق روحك لتحلق فوق الغيوم من دون أن تسقط، لتغوص في عمق البحار ولا تغرق، لتتسلق جبال المصاعب من غير أن تشعر باليأس أو التعب.. وعلى صخرة الإرادة يتحطم المستحيل ويتحول الحلم إلى حقيقة وواقع ملموس.
فالحلم ليس مجرد غفوة بين ذراعي الأمل نستيقظ منها ونحن مستسلمون، بل هو قرار يولد من عمق مشاعرنا المجبولة بالتحدي والعزيمة والإصرار للوصول إلى حيث نرغب أن نكون… هو حكاية تختصرها رحلة تحد طويلة مع ذاتنا، وتجربة تلتصق بكياننا بقدر ما نغوص في أعماقها لتصبح جزءاً من شخصيتنا، وتمنحنا هوية مختلفة في كل ما يعبر عنا من أفكار وقناعات ومبادئ، أشبه بفلسفة خاصة تظهر واضحة من خلال أسلوب حياتنا.
وهذا هو حال البطل الدولي للملاكمة ميسر سعد، وهذا ما أضافت لحياته تجربة التحدي التي خاضها في سبيل تحقيق حلمه بأن يكون بطلا في لعبة الملاكمة، وهو الآن ليس بطلاً وحسب وإنما المدرب الأكثر مثالية الذي يتعب لينتج وليصنع من لاعبيه أبطالاً.
الملاكمة جعلت منه استاذاً في الصبر، حكيماً، هادئاً في أشد وأعنف لحظات التحدي والمواجهة ومنذ استلم التدريب ومحافظة طرطوس ضمن المراتب الأولى في لعبة الملاكمة بعدما كانت الأخيرة على الرغم من ضعف الإمكانات.
وللغوص في عمق هذه التجربة وللوقوف عند تفاصيلها أكثر التقينا البطل الدولي ميسر سعد في صالة الملاكمة التي تفتقر إلى أبسط التجهيزات ولأقل الإمكانات فهي لا تشبه حلمه أبداً ولا ما يهدف إلى تحقيقه وأمام ما تراه لا يمكن إلا وأن تشعر باحترام وتقدير كبيرين لحجم العطاء الذي منح وقدم من قلب العدم.. وتتأكد أن عشق هذه اللعبة والإرادة الصلبة كانا حقا سلاحه الوحيد في كل ما حققه من إنجازات.

في البداية حدثنا عن مسيرتك في عالم الملاكمة، متى بدأت وما الصعوبات التي واجهتها؟
بدأت مسيرتي عندما كان عمري أربعة عشر عاماً وحينها لم يكن لدينا أبطال جمهورية للملاكمة لأتمثل بهم ولم يكن يوجد مدربون متمرسون بل كانت اللعبة تقتصر على بعض تمارين اللياقة بما يشبه الملاكمة كما أنني لم أحظ بأي تشجيع من أهلي لأن همهم الوحيد كان ألا أنشغل عن دراستي.
التحقت بالخدمة الإلزامية وتركت الملاكمة ثلاث سنوات بعدها قررت أن أعود مجدداً لممارسة الملاكمة واعتمدت على نفسي لأنني أعشق هذه اللعبة واهتم بها. كنت أذهب للتمرين في اللاذقية كلما استطعت لأن التمرين في اللاذقية كان أفضل من طرطوس ولكي أتمكن من مواجهة أولئك الأبطال الدوليين والعالميين فقد كانت الملاكمة السورية آنذاك في القمة عربيا وآسيويا وكان يوجد للمنتخب منتخبان وثلاثة منتخبات رديفة، وفي عام 2004 سافرت إلى دمشق وتدربت مع المنتخب الوطني، وقتها شعرت بأنني لا شيء بالنسبة لهم سواء من حيث مستوى الأداء أم المستوى الفني، بالنسبة لأبطال دوليين كان الفارق كبيراً بيني وبينهم.
لعبة الملاكمة لعبة قوية والخاسر لا يخسر لعبة فقط لذلك كان يجب أن يكون لدي أساس متين وملتزم ببرامج تدريبية لأتمكن من اللعب مع هؤلاء الأبطال.. لكنني لم أشعر باليأس ولو لحظة واحدة ولم أسمح للصعوبات أن تنال من عزيمتي وإصراري، قررت أن أكافح في سبيل هذه اللعبة وبالإرادة والمثابرة تمكنت من امتلاك كل ما كنت افتقده وبعد سنة ونصف السنة واجهت هؤلاء الأبطال وكأني صاحب إنجازات مثلي مثلهم وأصبحت بطلاً دولياً وأول إنجاز حققته لنفسي كان حصولي على المركز الأول في بطولة الجمهورية كأس السيد الرئيس للرجال والشباب.

ماذا يقول ميسر سعد عن الواقع الرياضي في سورية بشكل عام والملاكمة بشكل خاص؟
بالطبع يجب أن يكون أفضل من الحال الذي هو عليه اليوم، في كل بلدان العالم أي بلد متقدم فهو متقدم من خلال الرياضة لأن الرياضة هي واجهة البلد.. أي بلد يريد أن يكتسب شهرة ويظهر بمظهر القوة فغالباً ما يلجأ إلى الرياضة.
يجب أن يكون لدينا اهتمام أكبر بالرياضة.. يوجد خامات مميزة في سورية ولكنها بحاجة للتصنيع وبحاجة أكثر للإدارة الجيدة. رئيس الاتحاد الرياضي اللواء موفق جمعة نستفيد من خبرته لأنه رياضي قديم وبطل ويفهم ما يلزمه الرياضي ويدعم الرياضة بقوة وما استطاع، ومنذ فترة زار صالة الملاكمة وفوجئ بسوء التجهيزات والمعدات مستغرباً كيف تخرج أبطال فيها رغم سوء وصعوبة الظروف وطلب مني أن نرفع له كتاباً ليقدم لنا ما نحتاجه من تجهيزات… هناك دعم لكنه محدود ولتحسين الواقع الرياضي يجب أن يكون العطاء بلا حدود.. فكما قلت لك الرياضة هي واجهة البلد وكل رياضي بطل هو سفير دولته خارج البلد.. وتغيير هذا الواقع لا يقوم به شخص وحده بل جميع المعنيين بتطوير هذا الواقع.
للأسف في بلدنا لا يتم تخصيص ميزانيات ضخمة للرياضة أو لأي فن آخر، مع أن هذه الأمور تستحق أن يصرف عليها المال أكثر من غيرها.. الرياضة ثقافة وأسلوب حياة.. والفن بمختلف أشكاله هو السبيل الوحيد للارتقاء بإنسانيتنا.
هناك مقولة سائدة في مجتمعنا وهي أن الرياضة لا مستقبل لها ولا تطعم الخبز وسبب هذه المقولة هو عدم الاهتمام بالواقع الرياضي.
وبالنسبه للعبة الملاكمة في سورية تراجعت كثيراً عن الماضي على الرغم من وجود أبطال عالميين هم نتاج مدربيهم وتعبهم وحبهم للعبتهم واهتمام أهلهم بهم ونتاج اتحاد الملاكمة الماضي لا الحالي الذي أضاع عليهم الكثير من المشاركات والمعسكرات الخارجية والبطولات وآخرها كان بطولة العالم التي ترشحوا إليها في ألمانيا بسبب التراخي والتأخير في مراسلة السفارة، وحتى هؤلاء الأبطال وصالة المنتخب الوطني المخجلة لا يحظون باهتمامه نهائياً إلا ما ندر.
وسبب هذا الإهمال والتقصير صراحة هو رئيس اتحاد الملاكمة الذي لا يطالب بشيء لا يتماشى مع أفكاره وخططه حيث أبعد عن الملاكمة السورية أهم أفضل كوادرها القديمين الخبيرين والأبطال العالميين لينفرد بقراراته.
ومع كامل محبتنا واحترامنا له إلا أن اهتمامه بملاكمة طرطوس معدوم جداً رغم انتقال مرتبتها من المرتبة الأخيرة دائماً في بطولات الجمهورية إلى المراتب الأولى حالياً حيث كانت طوال عقود خلت في عهده وبإشرافه ميتة لا بل كان من الدابكين على قبرها.. واهتمامه حالياً فقط كيف سيفصل وسيعاقب وسيبعد كوادرها التي أحيت الملاكمة فيها وكنا نحظى منه بعقوبتين أو بثلاث في الموسم الواحد من أجل إسكاتنا عن ظلمه للاعبيها بدلاً من تكريمهم ودعمهم على إنجازاتهم بحجة أنهم مثيرون للشغب في البطولات. ولنفترض أن ما يقوله صحيح مثلاً، أليس هناك من يسبب هذا الشغب؟ إن وجد شغب فهو المسبب له بظلمه المتكرر.
علماً أن في غيابه تكون البطولات المقامة في قمة الهدوء والنجاح ولا يوجد شغب ولاشيء يذكر إلا المحبة والاحترام بين المدربين وحكام البطولة وآخرها مثلا بطولة الجمهورية للرجال التي أقيمت في دمشق منذ فترة والتي نجحت بشهادة الجميع وهو لم يكن مشرفاً عليها.
وكونه أباً لعائلة الملاكمة يجب عليه عندما يخطئ أحدنا مثلا إعطاؤه النصيحة والدعم والتوجيه ومن ثم التنبيه والإنذار لا القرار بالفصل والإبعاد مباشرة من دون الرجوع لإنجازاته، إضافة لتهميشه ولعدة مرات لكتب كانت ترسل إليه بغرض تأمين ما يلزم من تجهيزات لمحافظتنا وبالرغم من كل الصعوبات التي تواجهنا إلا أنه والحمد لله نحصد على الأقل ميدالية ذهبية أو أكثر في جميع البطولات لجميع الفئات.

معروف عنك أنك من المدربين الذين يتعبون وينتجون أبطالا وفي عام 2015 حصلت على كأس المدرب المثالي، ماذا تحدثنا عن تجربتك في التدريب وما الدعم الذي قدم لك كمدرب؟
في البداية كنت أكره أن أصبح مدرباً وأول ما استلمت التدريب كان يراودني شعور بأنني سأفشل ولكن بعد أن خضت تجربة التدريب صارت جزءاً مني وأصبح شعوري بأنه لا يوجد لاعب إلا وبإمكاني أن أصنع منه بطلاً.
كان مدربي المعنوي عبد عباسي الذي له فضل كبير علي، حين يقول لي: سيأتي يوم تجد أنك تحب نفسك كمدرب أكثر من كونك لاعباً.. أنت كلاعب ستشعر بالسعادة لفوزك مرة واحدة على حين كمدرب ستشعر بالسعادة في كل مرة يفوز فيها لاعب من فريقك.
أما بالنسبة للدعم كان وهيب مرعي رحمه اللـه يكرمني بشكل دائم ويدعمني ماديا وله الفضل الكبير وحالياً يكرمني علي سعد بالسنة مرة أو مرتين بمبلغ مالي لابأس به وله مني كل الشكر.. والاتحاد الرياضي يدعمني أيضاً ولكن دعمه لي بسيط جداً ولا يتناسب مع ما أحققه من إنجازات، القضية ليست قضية دعم وحسب.. بل هناك أمور كثيرة وتفاصيل أخرى مؤلمة جداً ولكن أكثرها وجعاً أنني أتعب لأصنع من اللاعب بطلاً، أمنعه عن الاتصال بكل أمور حياته الأخرى ليخسر في النهاية وبكل بساطة كرمى حسابات تحكمها المصلحة والشخصنة.. وأغلب الأحيان أمنع من السفر مع لاعبي المرشحين للمشاركة في بطولات خارج البلد.
انا كلاعب تعرضت لصعوبات كثيرة وهدفي اليوم هو توسيع خبرتي لأمنحها لغيري ولاعبيّ من اللاعبين المميزين في سورية بجميع الفئات والأنثوية منها.

برأيك هل هناك تحيز لأندية العاصمة في الدعم المادي والإعلامي؟
التحيز موجود وليس في الناحية المادية والإعلامية فقط وإنما من الناحية المعنوية والنفسية أيضاً
كان لدي أبطال مميزون ومبدعون نافسوا أبطال عالم سوريين لكنهم تركوا بسبب الظلم، ويوجد عندي لاعب اسمه علي محمد حصل على ذهبية سورية لبطولة الرجال وهذه المرة الرابعة التي يحصل فيها على ذهبية ومع ذلك لم يستدعه اتحاد الملاكمة ليعسكر مع المنتخب الوطني، وهنا أريد أن اسأل ما الحجة التي يمكن أن يقدموها؟ والمتعارف عليه هو أن كل من يحصل على المرتبة الأولى أو الثانية يكون حتما من المدعوين ليعسكر مع المنتخب الوطني.

ما الذي يمنع وجود ملاكمة احترافية في سورية؟
هو ضعف الإمكانات في الاتحاد الرياضي على الرغم من أنها لعبة تدر المال.. الاحتراف يعني أموالاً فاللاعب يمارس هوايته وينتج في الوقت ذاته كما هو الحال في البلدان المتقدمة.. الملاكمة هي من أولى الألعاب الاحترافية في العالم ومن أقدم الألعاب الرياضية والقتالية.
الاتحاد الرياضي العام يميل في اهتماماته للعبتي كرة القدم والسلة أكثر من الملاكمة ويدفع مبالغ طائلة في سبيلهما ولو دفع ربع ما يدفعه على هاتين اللعبتين على اتحاد لعبة الملاكمة فأنا متأكد أنه خلال سنة ستكون الإنجازات مبهرة، لدينا خامات وأبطال حصلوا على ذهبية العالم بالملاكمة بمجهود فردي.. من المؤسف أنه لا يوجد دعم مطلقاً لهذه اللعبة.

بعيداً عن كيفية رؤية جمهورك لك داخل الحلبة، أنت كيف ترى نفسك وكيف تتعامل معها داخل الحلبة؟
أرى الإنسان الذي عانى وتعب وكافح في كل لكمة أوجهها لخصمي.. أرى ذلك الحلم الذي جمعني مع هذه اللعبة وجعلني التصق بكل تفاصيلها.. سلسلة متصلة من المشاعر والأحاسيس أشبه بذاكرة ترافقني كلما أجد نفسي داخل الحلبة سواء كلاعب أم كمدرب لأن فوز أي ملاكم لا ينحصر فقط في التغلب على خصمه وإنما في كيفية صنع أبطال من اللاعبين الذين يدربهم.
وهل هناك بصمة خاصة تشتهر بها كمدرب للملاكمة؟
العلاقة الودية بيني وبين المتدرب عندي.. لا أبدأ التدريب إلا بعد نشوء هذه العلاقة ويصبح هناك اندماج وحب وأريحية في التعامل بيننا.. عندما يحب اللاعب مدربه يحب كل شيء منه..

الأدباء تأثر بعضهم ببعضهم الآخر وكذلك الفلاسفة.. أنت كملاكم بمن تأثرت في عالم الملاكمة؟
عالميا تأثرت جداً بالأسطورة محمد علي كلاي وبالملاكم مايك تايسون، أما في سورية فتأثرت بالبطل الشهيد غياث طيفور.. هو نجم قوي وبطل عالمي كان ترتبيه السادس في العالم وكان مثلي الأعلى. لفتني بأدائه وبقوته الجسدية والذي لفتني به أكثر أخلاقه النبيلة التي كان يتمتع بها. باختصار كان بطلا كاملاً مكملاً بالقوة والفن والأخلاق.

وهل هناك علاقة لتأثرك بهؤلاء الأبطال باختيارك لفن الملاكمة دون غيرها من الفنون الرياضية؟
اختياري لممارسة هذا الفن نابع بالدرجة الأولى عن هواية ورغبة في أن أكون رياضياً ونجماً وبطلاً قوياً فما يجمعني بهذه اللعبة قصة عشق كبيرة لا يمكن أن تنتهي أو تموت.. وبالطبع كنت أتابع الأسطورة محمد علي كلاي بشغف وأحلم أن أصبح مثله إضافة إلى ما كنت أسمعه وأنا في عمر المراهقة عن هذه اللعبة وكم تمنح قوة شخصية للاعب فكنت أتحمس أكثر لأصبح قوياً وأتمكن من الدفاع عن نفسي.
وبعد ما مارست هذه اللعبة زاد عشقي لها ولكل تغيير طرأ على جسدي وشخصيتي وتفكيري بسببها.

مضى عامان على رحيل الأسطورة محمد علي كلاي، ماذا تقول في ذكرى رحيله؟
محمد علي كلاي أسطورة في إنسانيته قبل أن يكون أسطورة في لعبة الملاكمة.. بكفاحه وأدبه وفلسفته بتجربته التي أثرت في نفوس الملايين حول العالم. تلك التجربة التي تستحق الاحترام والتقدير واستخلاص الكثير من العبر والدروس والحكم منها، الرحمة لروحه وبإذن اللـه سنصنع أكثر من ملاكم بطل مثل محمد علي كلاي وهناك حقاً أبطال كثر يلعبون بطريقته نفسها.

يقال عن الملاكمة إنها رياضة الملوك والفن النبيل برأيك، هل كل من يمارس هذه الرياضة يتمتع بأخلاق نبيلة؟
إذا لم يكن نبيلاً فحتماً بعد ممارسة هذه اللعبة سيتمتع بأخلاق نبيلة لأن هذه اللعبة لا تبني جسد اللاعب فقط وإنما تنمي أخلاقه أيضاً وأي إنسان يمارس لعبة الملاكمة سينضج تفكيره ويتغير أسلوب تعاطيه مع كل أمور حياته، سيسامح ويصبر وسيكون حكيماً في اتخاذ قراراته.. ويتقبل أي خسارة يتعرض لها بروح رياضية.
وتسميتها الفن النبيل لم تأت عن عبث، من ير اللكمات التي يوجهها الخصمان أحدهما للآخر لا يتوقع أنهما سيتصافحان في نهاية اللعبة ليبارك الخاسر للرابح وأنا كنت أتبارز مع خصوم أصدقاء والمواجهة بيننا على الحلبة لم تؤثر مطلقاً في صداقتنا خارجها.

التجارب العميقة تمنحنا فلسفة خاصة تظهر واضحة من خلال أسلوب حياتنا.. فماذا أضافت الملاكمة لحياة ميسر سعد؟
الملاكمة جعلت مني إنساناً هادئاً وصبوراً لأبعد الحدود، حولتني لشخص مختلف تماماً وطبعاً هذا التحول لم يكن في البداية بل عندما غصت في عمق هذه التجربة وخضتها بأبسط تفاصيلها وأكبرها.. يكفي أنها منحتني حياة أسمى وأعمق من الحياة التي أعيشها بتفاصيلها اليومية.. لم يعد هناك ما يجعلني أنفعل أو أفقد السيطرة على نفسي… ولم تعد الصعوبات تهزني مهما كانت كبيرة وقاسية.. بل أترفع عن كل السلبيات التي تحصل معي وأحولها إلى حافز ودافع لأنطلق من جديد.

بين الإرادة والعزيمة والجهد البدني والشجاعة حلم بالبطولة، ما النصائح التي تقدمها لكل من يرغب أن يحول هذا الحلم إلى حقيقة؟
من يمتلك الإرادة والعزيمة والشجاعة يجب أن يكون رجلاً صبوراً، لذلك أول نصيحة أقدمها له هو أن يتحلى بالصبر إضافة إلى المتابعة في التمرين والتدريب ولاسيما بعد المشاركة في أي بطولة سواء ربح أم خسر وهذه النصيحة أقدمها عن خبرة وتجربة مررت بها.. لأن اللاعب يستفيد بعد المشاركة بالبطولة أكثر مما قبلها والحلم بتحقيقها يجب أن يبقى متجدداً ولا يتعلق بمرحلة واحدة فقط.
وأنصحه بعدم اليأس والراحة الجسدية التي أعتبرها الغذاء الأفضل لجسد صلب ومتين ولاسيما أنها تساهم بتجديد خلايا عقله التي تساعده على التركيز أثناء اللعب.
أنا كنت أدعم نفسي معنويا بعبارة أرددها دائماً وهي بصراحة اختصار لكل ما مررت به في جميع مراحل ممارستي لهذه اللعبة وهي «أهوى العناد واليأس يكرهني».

أنت كبطل دولي ومدرب حقق بفترة قصيرة إنجازات يحتاج تحقيقها لعقود، لو طلب منك وضع خطة لنرتقي بفن الملاكمة إلى مصاف الدول المتقدمة بهذا الفن فما الخطة التي ستضعها؟
بالدرجة الأولى ولنجاح أي خطة يجب ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وإلغاء الشخصنة في أي خطوة نقوم بها أو أي قرار نتخذه.. إضافة إلى البحث عن مدربين مخضرمين يتنفسون هذه اللعبة ويعشقون تطويرها ليكونوا مسؤولين عن العملية التدريبية.. كما يجب أن يعطى كل مدرب في محافظته جميع الصلاحيات والإمكانات التي تمكنه من نجاح العملية التدريبية وليكن كل مدرب بحكم رئيس الاتحاد ولاسيما المدرب الناجح الذي ينتج ويقدم ويصنع أبطالاً إضافة إلى ضرورة سفر المدرب مع اللاعب الذي يشرف على تدريبه لأن العامل النفسي مهم جداً لنجاح هذه اللعبة ولا يمكن أن نتجاهل العلاقة التي تجمع المتدربين بمدربهم لتحقيق هذا النجاح.
في عام 2016 اختير من طرطوس ثلاثة لاعبين للمشاركة ببطولة أولمبياد آسيا للناشئين وهم لاعبون من صنعي وتدريبي ولم يختاروني أنا لأكون معهم للأسف.
وهناك أمر آخر ومهم جداً لنجاح هذه الخطة وهو أن يكون من يستلم المناصب الرياضية حائز شهادات وسبق له أن قدم شيئاً على الأرض.. لدينا كفاءات رياضية كثيرة في البلد، فلماذا لا نسلمهم هذه المناصب؟

ما الرسالة التي يوجهها ميسر سعد إلى المعنيين في الشأن الرياضي؟
الاهتمام بالرياضة من أجل أن يهتم بها الجميع من أجل مستقبل أفضل لبلدنا ولأبنائه وذلك بدعم لا محدود للرياضة وللرياضيين وتسهيل كل أمورهم.
بالنهاية الاهتمام بالرياضة مصلحة عامة وليست خاصة ورسالة سامية تحمل في طياتها الكثير من الأهداف النبيلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن