قضايا وآراء

عودة الحق أم حق العودة؟

| يوسف جاد الحق

يطل علينا دهاقنة السياسة، وأساتذة التآمر من حين إلى آخر بمصطلح مبهر في ظاهره، ثم لا يلبث هذا المصطلح أن يغدو قيد التداول، دونما تمحيص وتدقيق في أبعاده ومراميه، إلى أن يستقر في الأذهان، ويصبح مطلباً ينتظر تحققه على أرض الواقع، وما هو في حقيقته غير سراب يحسبه الظمآن ماء، أو هو في حقيقته غطاء لهدف خفي يرمون إليه في نهاية المطاف، ومن الطبيعي، أن تلعب وسائل التواصل التي يوظفها أولئك في الترويج والتسويق ابتغاء الوصول إلى ذلك الهدف المنشود.
من هذا القبيل مصطلح «حق العودة» الذي ما انفك بعضهم عن ترديده عن جهل بمراميه البعيدة، وبعض عن وعي ومعرفة، لضلوعه في المسألة تحقيقاً لمنافع ذاتية على حساب الوطن والشعب.
«حق العودة» قرار صدر عن هيئة الأمم المتحدة عام 1948 تحت رقم 194 ويتبين الآن أن هدف من عملوا على صياغته أرادوا صرف النظر عن المطلب الحقيقي الذي هو «عودة الحق»، أي عودة فلسطين كاملة لأهلها وعودة أهلها إليها، وخروج الطارئين عليها منها ليعودوا هم من حيث أتوا.
أعرف أن مقولتي هذه سوف تقع على رؤوس بعضهم كالصاعقة، ذلك أنه ألقي في روع عامة الشعب الفلسطيني في الشتات بأن هذا قرار سوف يجد طريقه إلى التنفيذ، على حين أنه ذاته كان حائلاً بينهم وبين العودة المحلومة، وإلاَّ فليقل لنا أي أحد كيف تمضي سبعة وستون عاماً على صدوره من دون «عودة» لأحد سوى «جماعة أوسلو» الأشاوس!
قولنا «حق العودة» يختلف تماماً عن قولنا «عودة الحق» هذه الأخيرة تعني عودة فلسطين كاملة، فهي بكل ما فيها وما عليها حقنا غير المنازع، أما كلمة «حق» فهي تعبير عن جزئية كونها حقاً واحداً من حقوق كثيرة تجمعها كلمة «الحق» الشاملة.
إن مطالبة إسرائيل بالسماح بالعودة لفلسطينيي الشتات هو استجداء، أو هو رجاء أو هو «تكرم» منها بالموافقة عليه، وحتى هذا برغم المآخذ عليه لم يحدث.
نحن بمطالبتنا العدو «بحق عودة» يوافق عليه فذلك إقرار من جانبنا «بمشروعية» الوجود الإسرائيلي على أرضنا، أي اعتراف بالأمر الواقع القائم وإقرار بحثها في البقاء، ولا يفوتنا هنا التذكير بتلك المقولة الأميركية القديمة منذ عهد الرئيس هاري ترومان بأن «إسرائيل وجدت لتبقى»! ونحن قد عرفنا بالتجربة أنَّ قرارات هيئة الأمم المتحدة فيما يخصنا ليست أكثر من حبر على ورق، لا يهدف إلا للتخدير وصرف النظر عما يجري هناك في وطننا من ممارسات ترسخ الوجود الإسرائيلي من جانب، وضياع وطننا إلى الأبد من جانب.
عندما نطالب «بحق العودة» فلمن نتوجه بهذا المطلب إلى إسرائيل أم إلى تلك الهيئة صاحبة القرار الذي لم يحظ باحترام أي منهما، ناهيك عن العمل على تنفيذه؟
على سبيل المثال نذكر أن رئيس «السلطة» السيد أبو مازن عندما زار مدينة صفد منذ عامين أجاب الصحفي السائل عما إذا كان يحق له المطالبة بالعودة للإقامة في صفد، أجاب الرجل بأنه يشكر إسرائيل على «سماحها» له بزيارة بيته في صفد، ولكنه لا يحق له الإقامة فيها لأن الواقع القائم يحول دون ذلك! بمعنى أن هذا المطلب غير عملي!
كما نذكر أن إسرائيل في مرحلة مفاوضات أوسلو أبدت «موافقتها» على عودة خمسة آلاف فلسطيني كل عام، فلنتصور كم من القرون علينا أن ننتظر لعودة ملايين شعب فلسطين من خارجها على فرض جدلي بصدق النية، الأمر المستحيل أخذه في الاعتبار من جانب عدو عرف بالخديعة والمكر واللعب على الأقوال والشعارات، ولا ندري لماذا لم يقطع المفاوض الفلسطيني «مفاوضاته» لينسحب موفراً علينا كل ما جلبته أوسلو من تبعات وعواقب وتداعيات، ليس أهونها ما عرف بالتنسيق الأمني تحت إشراف الجنرال الأميركي دايتون نفسه، ولمصلحة الأمن الإسرائيلي بطبيعة الحال، وليس الأمن الفلسطيني.
من هنا فإننا نرى أن الموقف الحق السليم، الوطني والقومي والأخلاقي الواجب علينا اليوم، وفي غمرة كل ما يجري على الساحة العالمية والإقليمية هو السعي والعمل على استعادة الحق الفلسطيني إلى أصحابه الذين هجروا عن فلسطينهم قسراً، بالتآمر الدولي والعدوان «الصهيوأميركي الأوروبي» غير المسبوق، أهلها الذين وجدوا على أرضها منذ فجر التاريخ، هي عودة الشيء إلى أصله وإزالة سائر ما طرأ عليها بالأمس القريب.
رب قائل يقول: إن هذه «طوباوية» خيالية، وإن هذا منطق يجافي الواقع القائم على الأرض، ولمن كان هذا شأنه نقول: إن واقعاً بني على الظلم وقام على العدوان والإجرام لا يعني تهاون صاحب الحق وإحجامه عن العمل على استعادته، بل إيقاع العقاب بفاعله، تقول بهذا شريعة السماء وقوانين الأرض كافة.
من هنا لا ينبغي أن يساور أحد الشك بأن ما نقول به لابدّ أن يتحقق في وقت أقرب مما يتصور الكثيرون، فالوقائع والأحداث التي جرت على مدى العقود الماضية والجارية اليوم، بوجهيها السلبي والإيجابي، تؤكد هذه الحقيقة وتفضي إلى استخلاص هذه النتيجة.
إن المطالبات التقليدية والاستجداءات المهينة والمفاوضات باسم «السلام الكاذب»، لاشيء من هذا يعيد إلينا حقاً.
النضال والمقاومة والإعداد لحرب التحرير الشاملة للوطن المغتصب والأراضي العربية المحتلة، الأمر الذي أثبتته الوقائع والأحداث، وما قام به ولا يزال يعمل عليه حلف المقاومة، سورية وإيران والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية حتى الآن، خير دليل على صحة هذا التوجه وسلامته.
بغير هذا لا يعود «الحق» إلى أصحابه الشرعيين أبداً، فلا الكلام المنمق، ولا بلاغة الخطب العصماء ولا الصياغات الإنشائية «الجميلة»، لا شيء من هذا يحرك قيد أنملة من واقع سيَّئ ظالم جاثم على أرضنا.
أجل بالمقاومة وحدها، وبذل المهج والأرواح يستعاد الحق، فتعود البلاد إلى أهلها، ويعود أهلها إليها فاتحين منتصرين مرفوعي الهامات والرؤوس.
«عودة الحق» هي المرتجاة، وليس «حق العودة» أيها الإخوة، وإنكم لعائدون لا محالة، وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن