من دفتر الوطن

الدراهم مراهم!

| عصام داري

أحد أصدقائي، على الفيسبوك، وفي الحياة كذلك، نشر على صفحته البوست الطريف التالي: «بلغ عدد أصدقائي على الفيس خمسة آلاف صديق، ولأني احتاج إلى خمسة آلاف دولار فأرجو من الأصدقاء أن يتبرعوا لي بدولار واحد لا غير، والموضوع جدي!».
حرضني هذا البوست على الكتابة عن النقود، والبداية من المثل الشعبي الذي يقول: «الدراهم مراهم تضعها على الجرح بيطيب» أي يشفى، وبالفعل بعد رفع سعر العقاقير والأدوية بشكل كبير صار الفقراء غير قادرين على شراء الأدوية، وخاصة أدوية القلب والضغط وغيرها، وأظن أن هناك من انتقل إلى جوار ربه بسبب سعر الأدوية.
وأظن، خلافاً لكل الرومانسيين أن النقود يمكنها صنع الفرح، وكل من يتحدث عن الخبز والزيتون والبطاطا، على رأي الراحلة صباح، كلام الغرض منه رفع معنويات الفقراء وحثهم على السكوت والصمت وتمثيل الفرح على شاشات التلفزيون، والفقراء لا يدخلون الجنة!
ومن الأمثال ذات العلاقة بالمال والنقود ذلك المثل القائل: «إذا معك قرش بتسوى قرش»! فهل صار الإنسان رخيصاً لهذه الدرجة؟،فهل يعني أن شخصاً ما لديه ثلاثة آلاف ليرة فإن قيمته هي ثلاثة آلاف فقط؟ أي إن قيمة هذا الإنسان تعادل سعر تبديل أسطوانة غاز أو كيلو ونصف كيلو فروج نيء؟
طبقة الأغنياء، خاصة أولئك حديثي «النعمة» من تجار الأزمة الذين انسلخوا عن مجتمعهم وطبقتهم، صارت، أي هذه الطبقة، ترى بعين جديدة وتبرر السرقة واللصوصية والنهب، وتتباهى وتتفاخر بما فعلت وتقول: «حلال عـ الشاطر!» والحرامي بهذا المنطق صار «شاطر!» ومبارك عليه كل ما سرقة و«عفّشه!».
ومن الأمثال الدارجة عن النقود هذا المثل «المصاري بتحكي» أي إن النقود تتكلم وتقول كلمتها في كل المحافل، وقد تقلب النقود الباطل حقاً والحق باطلاً، وتسير الأمور على أحسن ما يرام، وما على الفقير إلا القبول بالقهر وحكم القوي على الضعيف.
وأنا شخصياً لي تجربة مع «المصاري بتحكي» فقد عرفت عن قرب شخصاً كان في منتهى التواضع والتهذيب قبل أن تتدفق الأموال عليه «متل البرغل!» لكنه أصيب بالغرور والعنجهية والتكبر وصار يحدث الناس بترفع وتكبر، بل صار يتحدث في السياسة والاقتصاد والفن والرياضة والصحة وكل المواضيع بلغة العارف، وأكثر من ذلك صار يرفض أي رأي يعارضه، حتى لو أفحمته بنص لدراسة أو حقيقة تدحض ما ذهب إليه، ويقول لك: أرجوك لا تقاطعني، أو معلوماتك قديمة ولا قيمة لها، وهو يسفه الآخرين.
كل ذلك جعلني أتمنى العودة إلى العصور القديمة عندما كان البشر يعيشون من دون نقود وكانوا يتبادلون السلع حسب الحاجة، فالذي عنده فرو أو جلود يستبدل بها الزواحف والطيور والأحجار الكريمة، أو حتى الأصداف والقواقع، وكانت بعض الحيوانات هي وحدة العملة كالخراف أو الماعز.
وللعلم فقد صكت أول قطعة نقود في العالم عام 546 قبل الميلاد وسط آسيا، قبل أن يقوم الإغريق بصك النقود، ومن بعدهم دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وأول من صك العملة العربية كان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن