ثقافة وفن

لم أؤمن يوماً بالانتشار ثم الاختيار لأن هدفي تقديم شيء مختلف … ميري كوجك لـ«الوطن»: دوري في «فوضى» قدمني بطريقة مختلفة وجعل الكثير يأخذونني على محمل الجد … بعد «فوضى» سأدرس خياراتي وأنتقي أدواري بشكل مدروس فالدور وضعني في مكان مختلف

| سارة سلامة

عند كل فنان محطة تحمل معها الانطلاقة الفعلية يزج فيها كل قدراته وطاقاته وتكون بحق علامة فارقة ونقطة تحول في طريقه، وهي شمعة يوقدها تنير دربه في المستقبل، ولم تكن ميري كوجك وهي خريجة كلية الإعلام لتزج بنفسها في عمل لو لم تكن مطمئنة بأنها بين أيد أمينة، فظهرت من خلال شخصية عبير في مسلسل «فوضى» لزوجها المخرج سمير حسين بدور جريء وإشكالي ومركب استطاع أن يستفز قدراتها وقدمته بصورة جميلة لم تنفر المشاهد الذي تعاطف مع الشخصية وأحبها بشكل كبير.
فميري تهدف إلى تقديم شيء مختلف يجعلها ممثلة حقيقية وتبتعد كل البعد عن الشكل لثقتها بأنه إلى زوال، وما قلة مشاركاتها واعتذارها في السابق عن أدوار عديدة إلا لخوفها من التأطير ضمن قالب معين إلى أن قدمت دور عبير حيث برعت وتميزت من خلال دور نسائي صعب وجريء ولكنه لم يخدش حياء أحد.
ميري في زياتها لـ«الوطن» تؤكد أنها بعد هذا النجاح اختلفت خياراتها ولا يمكن لها أن تعود خطوة إلى الوراء، واليوم هي مطمئنة بأن هناك من يحميها في الوسط الفني لتغفو وتنام وتغني لابنتها لاريسا عشقها وحبها ومركز قوتها وتبني بيتاً على ركيزة حب عاصف، وتعد بأعمال مختلفة ومهمة في هذا الحوار..

تحدثي لنا عن دور عبير في «فوضى»؟
عبير واحدة من ضحايا الحرب وضحية وفاة والدتها وهي صغيرة الأمر الذي خلق عندها انعكاسات كثيرة في شخصيتها منذ الطفولة، بسبب فقدان الأم والمعاناة التي ذاقتها من زوجة أب قاسية لا ترحم، لتأتي الحرب فيما بعد وتجعلها تعيش في حالة فوضى وضياع كبيرين.

هل تبررين لعبير تصرفاتها؟
عشت الشخصية وماضيها ولو لم أبرر لها وأصدقها لما استطعت تجسيدها بهذه الصورة، ولكن في البداية وعندما قرأت النص تشكل عندي ردة فعل كبيرة تجاه هذه الشخصية وخفت من تصرفاتها، ولكن بما أن فكرة العمل قائمة على الفوضى في المكان التي انتقلت تدريجياً إلى الناس واستشرت في المجتمع وفككته، كان لا بد من وجود عبير هذه الشخصية العبثية والتائهة في زمن لا يرحم، ونحن كسوريين نعرف تماماً كم أثرت الحرب في الناس ونفوسهم.
وإذا ما تمعنا بتركيبة عبير فسنبرر تصرفاتها وهي شخصية مركبة وصعبة وجريئة وتعيش حالة من الضياع فهي لا تعرف ماذا ستفعل وإلى أين ذاهبة.

ما أكثر اللحظات المؤثرة في شخصية عبير؟
تأثرت بها في أماكن عدة ومنها عندما تقول: (ما في مين يلفلي عروسة زيت وزعتر)، وهذا يدل على حالة الظلم والحرمان التي تعرضت لهما في ظل غياب الأب وانشغاله الدائم.

رغم كل ما قامت به إلا أن الناس أحبتها لماذا؟
الناس تفاعلت مع عبير بشكل إيجابي ووصلني الكثير من الإطراء على هذا الدور، فهم تعاطفوا معها وبرروا لها ما تقوم به وشعروا بالظلم الذي قادها إلى ما هي عليه، وسعدت جداً عندما سمعت قول كاتب العمل حسن سامي يوسف إنه رأى عبير من خلال ما قدمته وهذه شهادة أعتز بها.

ترددت في تجسيد هذا الدور، لماذا؟
هو من أصعب الأدوار التي قدمتها في حياتي وهو دور جريء وصعب ومعقد وأخذ مني وقتاً وجهداً كبيرين، ويعتبر نقيضاً تماماً لكل ما قدمته سابقاً، وسمير أقنعني بأنها شخصية جميلة وإشكالية وتحتاج إلى عمل متقن وحملني مسؤوليتها.

كيف رسمت ملامح الشخصية؟
الشخصية كانت مكتوبة أجرأ من ذلك بكثير والمبالغة كانت حتى في طريقة اللباس إلا أنني لم أبالغ وكان كل شيء طبيعياً مثل أي فتاة أخرى في الشارع، حتى لو اضطررت في أحد المشاهد ولضرورة درامية ارتداء فستان قصير ولكني لم أبالغ به، وما تبقى من المشاهد الأخرى كان لباسي طبيعياً ولم أخدش حياء أحد، ولكني لعبت على الشعر والمكياج والأظفار ولونت شعري بألوان الرمادي وبعض الخصلات الزهرية، لتظهر أنها خارجة عن المألوف بتصرفاتها فهي ترغب دائماً بلفت الأنظار من حولها.
هل نستطيع القول إن دور عبير يحمل الانطلاقة الفعلية لميري كوجك؟
أتوقع ذلك لأن شخصية عبير ثبتتني بطريقة كبيرة، وربما جعلت الكثيرين يأخذونني على محمل الجد، فالأدوار التي قدمتها سابقاً لا تحمل أي ذروات درامية، هي شخصيات تسير بخط عام ولا تحمل أي تفاصيل أو تركيب ولا يوجد بها أي مفارقات أو مطبات، أما شخصية عبير فحملت بين جوانبها العديد من التفاصيل، وهناك الكثير من النقاد المهمين بالوسط قالوا إنها شخصية صعبة وتكاد تكون أصعب شخصية نسائية في العمل.

ما الصعوبات التي واجهتها في أداء هذه الشخصية؟
الدور أخذ من روحي وقلبي ووقتي وبعدت عن ابنتي وعملته بكل صدق وأمانة، وكنت أشعر بالتعب بعد أداء كل مشهد لأن لكل منها وقعاً خاصاً فهي لم تكن في لحظة ما عبثية وفي كل مشهد فعل درامي حيث لم يمر مشهد لمجرد التمثيل فقط، واطلعت على خلفية الشخصية من خلال كتب أكثر اختصاصاً لها علاقة بالشيء النفسي عن الذين يتعاطون والذين تتوفى والدتهم صغاراً وما الذي يحدث معهم وتأثير زوجة الأب.
وتكمن الصعوبة في النقلات النفسية لعبير لأن شكلها ممكن أن يحميني كشخصية، لكن المهم معرفة أداء النقلات التي تمر بها عبير فهي تارة تتحدث بهدوء وأخرى تصرخ بصوت عالٍ.

ماذا أضفتِ لعبير المكتوبة على الورق؟
عززت بعض مما كتب على الورق مثل حوار فقدان الأم ومشهد المرآة الذي كان مكتوباً بطريقة أخرى فهي من المفروض أن تكسر كل شيء أمامها، إلا أنني قدمته من خلال حوار مع ذاتها في المرآة وكان مشهداً مؤثراً، وفي عدة مشاهد أخرى المكتوب جميل جداً ولكن أردت أن تصل للناس بطريقة أقرب وتعزيز حالة الضياع التي تعيشها.
وتحاورت مع سمير كأي ممثلة ترغب في معرفة مفاتيح شخصيتها وماهيتها وكيف يجب أن تكون وأي إضافات تخدم الشخصية وأعطاني دفعاً معنوياً جداً وأكد لي أن عبير ستترك أثراً عند الناس واعتبرها بمنزلة الاختبار لي.

ماذا قدم لك سمير حسين غير «فوضى»؟
جمعتني بسمير قصة حب عاصفة ظلت قرابة السنة والنصف واليوم تكلل هذا الحب ببنتنا لاريسا وهي أجمل ما أملكه في الدنيا.
ارتباطك من سمير حسين ماذا قدم لك في المجال الفني؟
سمير يحميني ويساعدني حتى أكون دقيقة في اختيار أدواري، والحياة خلقت عندي تراكمية وتعلمت منه الكثير واكتسبت من خلاله خبرة كبيرة، فعندما نحضر سينما ينتقد ويفسر لي الكثير من الأمور، الأمر الذي جعل مشاهدتي للأفلام تختلف وأصبحت أراقب بعين دقيقة وحتى في الأعمال السورية اكتسبت خبرة في الإضاءة والكادر وغيره.
وسمير أخرج لي المشاهد الصعبة في عمل «طيور الشوق» عندما ألقي بنفسي محاولة الانتحار، وهو العمل الأول لي من إخراج أيمن زيدان، وفي عام 2010 تعرفنا على بعض وقدمت دور الحبيبة الأولى في مسلسل «نزار قباني»، و«الوزير وسعادة حرمه»، و«أليسار» وعمل «وصمة عار» والحقيقة أن عدد أعمالي لا يتحاوز 8 و«حائرات» و«بانتظار الياسمين» و«فوضى».

لو لم يكن سمير حسين في «فوضى» من كان سيعطيك دور عبير؟
لا أعرف ربما لا أحد ولكني متأكدة أن عبير من الأعمال التي لمعت وشكلت تحدياً كبيراً وهو دور أحبته الناس وتقبلته وتعاطفت معه وفي المقابل هناك ناس لم تحبه.

هناك بعض المنتقدين لعبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما رأيك بذلك؟
لا أحد يستطيع السيطرة على عالم التواصل الاجتماعي لأننا نتواصل مع ناس لا نعرفهم وربما هم ناس وهميون ولكن لو لم يؤثر فيهم الدور لما تحدثوا عنه، ونحن في سورية للأسف نستخدم هذا العالم للانتقاد فقط وهي مسألة مهمة ويجب السيطرة عليها لأننا أكثر بلد يهاجم بعضه بعضه الآخر، ربما ترسبات الحرب أثرت نوعاً ما في الناس.
يجب أن نعبر عن حبنا أو كرهنا لأي شخص من خلال النقد البناء والصحيح وليس بطريقة سيئة ومؤذية، وبالنسبة لي ليس لدي نشاط كبير على هذه المواقع إلا أنني ومنذ عدة أشهر فقط عملت صفحة على «الفيسبوك».

ميري كوجك مع الأدوار الجريئة؟
هذه الكلمة تحمل الكثير من الأبعاد فدور عبير جريء ولكنه لم يخدش حياء أي شخص فاللباس كان طبيعياً أما بالنسبة للحركات فكنت مضطرة لأدائها حتى نظهر حالة عدم التوازن والتناقض والتخبط في الشخصية، أما الجرأة غير المبررة التي ليس لها سبب واضح فأنا ضدها بكل تأكيد.
أنت مقلة في مشاركاتك لماذا؟
منذ دخولي إلى الوسط حتى اليوم لم تتجاوز أعمالي إنجاز ممثل لعام أو عامين وكان هدفي بعد تخرجي في كلية الإعلام الاتجاه نحو التمثيل وعندما يأتي دور أحبه أقدمه، وكانت اعتذاراتي كثيرة لأنني لم أؤمن يوماً بقصة الانتشار ثم الاختيار بل أرغب في تقديم شيء مختلف.
فعمل «فوضى» استطاع أن يقدمني بطريقة مختلفة وهو لم يكن عملاً عادياً لأنه ولّد حالة جماهيرية ونخبوية في الوقت نفسه وهذا حال أعمال سمير كلها تجذب أطياف المجتمع وتوحد الشارع السوري.

هل من الممكن أن نراك بعمل مع مخرج آخر؟
إذا أحببت الورق وكان الدور جميلاً فلِمَ لا.

خياراتك بعد «فوضى» هل ستختلف؟
بكل تأكيد الآن سأدرس خياراتي بشكل أكبر وأفكر بالخطوة القادمة بشكل دقيق، وهناك عمل سأفاجئ الناس فيه بشيء مختلف تماماً.

هل سنراك في كل أعمال سمير؟
إذا كان لي مكان بالطبع فسأكون موجودة وهي حالة صحية جداً فهو مخرج وأنا ممثلة.

يقال إن سمير حسين يقحم زوجته في أعماله؟
لم أعمل دوراً ليس في مكانه أو ليس مناسباً لي ولا أطلب من كل الناس أن تحبني.

هل كنت مظلومة قبل سمير حسين؟
مظلومة لأنني لم أعط فرصة حقيقية وحاولوا تأطيري بعد مسلسل «الوزير وسعادة حرمه»، بدور الفتاة الستايل والشكل لذلك ابتعدت عن الوسط، وبعد هذا العمل إلى «فوضى» كانت أدواري كلها فتاة طبيعية وغير استعراضية.
ربما كان هناك كسل من المخرجين في إخراج شيء مني ولكن سمير استطاع أن يخرج مني أشياء مهمة، والكثيرون من الممثلين يتعرضون للتأطير من خلال أدوار معينة أما أنا فكنت أذكى وابتعدت، لأن الحضور على الشاشة لا يهمني بقدر ما اهتم للدور الجميل والجذاب.

كم لديك ثقة بسمير وخياراته؟
سمير مخرج مجنون بإخراجه يجرب ويرسم كل ما يريد فعله وقبل زواجنا كنت أعرف جيداً أنه حريص على عمله وعلى الممثل ليظهره بأجمل صورة من أداء وشكل، وذلك ناجم عن خبرة كبيرة ودراسة اختصاصية وليس بشكل عبثي، ويستفز الممثل ليقدم أفضل ما لديه لأنه في الأصل خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، ويشعر أي ممثل أمامه بأنه أمام أيد أمينة وليس أمام شخص عشوائي.

هل هو صعب أثناء العمل؟
إذا لم تعجبه النتيجة ولم ير ما يريده يغضب قليلاً ولكن معي يكون أقسى ربما لأنه يريد إخراج أفضل ما لدي وبالوقت ذاته هو لا يترك فرصة يعبر فيها عن إطرائه إذا ما كان راضياً.

اهتمامك بالموضة والأزياء جعل البعض يقول إنك دخيلة على الوسط الفني؟
أطلب منهم العودة إلى أعمالي ليتأكدوا أنها لا تحمل هذه الصورة مطلقاً، وفي كل دور جسدته أعطيته حقه مثل دور الفتاة الفقيرة، والفتاة المحجبة، وهذه المهنة لا تتطلب الاعتماد على الشكل لأن كل من اعتمد على ذلك انطفأ، وفي الحياة أنا إنسان غير متصنعة وارتدي ما هو طبيعي وغير مبالغ فيه.

هل سنرى لاريسا ممثلة في المستقبل؟
لاريسا عشقي الأول والأخير وعندما شاركت في العمل تعرف أنها تمثل وأن المسلسل لوالدها وتعرف أن أمها ممثلة وكانت سعيدة بكل ما حولها إلا منظر الحريق وسعيدة جداً بأن رفاقها يرونها وتقول لهم إنها ممثلة.
واللقطات التي أخذت لها هي عبارة عن ذكرى أردناها أنا وأبوها لتكون بالأرشيف ونحن نترك لها الخيار في تقرير حياتها ولكن إذا وجد لديها موهبة وأحبت التمثيل فلا مانع عندنا وبالمناسبة هي رسامة ماهرة وتحب التقليد والغناء كثيراً.

الشخصية التي أحببتها وجذبتك في «فوضى»؟
كل الأدوار جميلة ومكتوبة بطريقة جذابة وكل منها له شيء وكل شخصية لها عدة محاور وأحببت عبد المنعم عمايري جداً وفادي صبيح عمل دوراً جميلاً ونادين تحسين بك وشهادتي مجروحة بهم جميعاً.

هل يزعجك التصاق اسمك بعبير؟
لا بالعكس تماماً ففي عمل حائرات التصقت بي جملة «شو هالحكي» ولم أكره ذلك.

من يلفتك في الوسط؟
أحب نادين ومنى واصف وأتمنى العمل معها لأنها تعطي من قلبها كل شيء.

طموح ميري اليوم؟
هناك الكثير من الشخصيات التي أحلم أن أجسدها وطموحي كبير جداً وخاصة أنني إلى الآن لم أظهر إلا من خلال عدة أعمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن