قضايا وآراء

هل تبقى أميركا في أعلى الشجرة الإيرانية؟!

| محمد نادر العمري

ضمن السياسة الخارجية الأميركية اختبار وتحد جديد يتمثل بمدى قدرتها على ترجمة تهديداتها تجاه إيران ومصير ملفها النووي، فالحفاظ على الصيغة القديمة من الاتفاق المرفوض إسرائيلياً، أصبح من المحال وغير مقبول لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق إدارته المتشددين، والسعي لـ«تفكيك» الاتفاق وتمزيقه قد يكون مجرد غطاء للسلوك المبيت أميركياً في استخدام «السياسة الناعمة» لتغيير نظام الحكم في طهران، على غرار ما قامت به وكالة الاستخبارات الأميركية في عام 1953 عندما جاءت بنظام الشاه وإسقاط نظام محمد مصدقي، الأمر الذي سيؤثر في حال نجاحه كما أثر حينها على أشكال التحالفات في الشرق الأوسط ونظامه الإقليمي من حيث طبيعة التحالفات وتوازن القوى.
ما يعزز توجه محور أميركا نحو نقل الحرب إلى الداخل الإيراني جملة من المؤشرات، بعد رفض طهران لمطالب واشنطن «التعجيزية» من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي، وهذه المؤشرات تمثلت فيما يلي:
1. رعاية واشنطن لمؤتمرات المعارضة الإيرانية المتمثلة بـ«مجاهدي خلق» التي اتخذت من فرنسا تجمعاً لمؤتمراتها ومضمون التصريحات المشتركة لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ولعمدة نيويورك السابق رودي جولياني، أحد أبرز العاملين في فريق ترامب القانوني، والمعروف بولائه لإسرائيل، في تقديم الوعود بأن «يعقد اجتماع المعارضة القادم في طهران وبحضور شخصيات رسمية أميركية».
2. ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، وأحد أبرز مهندسي الحرب على العراق، قال قبل بضعة أسابيع من مغادرته البيت الأبيض، إن الحرب المقبلة ستكون ضد إيران، في حين أن وزير الخارجية الحالي مايك بامبيو كان يقوم بتزوير التقارير حول الاتفاق النووي الأميركي عندما كان يتولى منصب مدير الاستخبارات، واعتبار بولتون بأن نموذج احتلال العراق يحتذى به ويجب تطبيقه على إيران.
3. تبلور شكل التحالفات في المنطقة والقائمة على رفع العلاقات التطبيعية بين دول الخليج والكيان الإسرائيلي، والمسارعة الأميركية لتثبيت هذا التحالف وتمتينه عبر إجراءات من شأنها توحيد جهود الحلفاء الخصوم، عبر إنهاء الخلاف الخليجي وضبط العدوان على اليمن، وزيارة بولتون لموسكو ومحاولة المراوغة الأميركية في تحقيق إنجاز شرخ ودق إسفين الخلاف بين موسكو وطهران، من خلال المبادرة التي سيعرضها ترامب على نظيره الروسي والتي ستحمل عنوان «محاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف وداعميه».
4. التقرير المرفق بالوثائق والمعلومات الذي نشره موقع (Zerohedge) الأميركي المتخصّص في المال والاقتصاد، يؤكد تأسيس مجموعة عمل أميركية إسرائيلية يَعمل فيها ضباط كبار في «الموساد» والـ«سي آي إيه» تعقد اجتماعات متواصلة منذ 3 أشهر للتحضير لاضطرابات واحتجاجات في كُل المدن الإيرانية تستغل افتعال تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ويشرف عليها بولتون، ونظيره الإسرائيلي مائير بن شابات.
تشمل مخطَّطات هذه المجموعة، مثلما جاء في الموقع الأميركي المذكور، توظيف مجموعات إيرانية معارضة، واستخدام مكثَّف لوسائط التواصل الاجتماعي للتحريض على التَّظاهر، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجه رسائل باللغة الفارسية إلى الشعب الإيراني يطالِبه بالثَّورة واعدًا بالدعم، وفعل وزير الخارجية الأميركي الشيء نفسه على موقعه على «التويتر».
الرغبة الأميركية في حرمان طهران من عوائدها النفطية وتصفير إنتاجها، وضع طهران والدول الأربعة الموقعة على الاتفاق النووي في ردة فعل يحكمها الكثير من الضغوط، فإيران التي تبحث عن انفتاح العالم عليها، تتمسك بهذا الاتفاق في حال قدمت هذه الدول الضمانات الكافية لتأمين المصالح الإيرانية وترجمتها فعلياً لتحقيق النصر كاملاً، في حين أن أوروبا التي تتمسك بالاتفاق ليس فقط لتحقيق مصالح اقتصادية بل لتحقيق خطوة إستراتيجية تعود بها لصدارة المشهد السياسي والجنوح عن المسار الأميركي.
تبقى الخيارات جميعها مفتوحة في ظل هذا الكباش المعقد مابين الفاعلين الدوليين، الذين تتقاطع مصالحهم ضد العنجهية الأميركية، فالتهديد الأميركي وحد التيارين الإصلاحي والمحافظ داخل إيران ودفع بالرئيس روحاني لاتباع سياسة الهجوم من الأراضي الأوروبية مهدداً بإغلاق مضيق هرمز وحرمان الجميع منه، والتأييد العسكري الذي أبداه قائد الحرس الثوري تجاه هذا الخيار والتهديد السياسي، في حين أن الشركات الصينية فد تجد الفرصة متاحة لزيادة استثماراتها النفطية في إيران بعد انسحاب الشركات الأوروبية الكبرى مثل شركة «توتال» الفرنسية التي كانت تطور استثمار حقل «باريس»، أما تركيا التي تجيد انتهاز الفرص ستشكل نقطة عبور وترانزيت وسيطة، ولابد منها، مابين طهران وأوروبا لتحقيق منافع اقتصادية تحسن من قيمة عملتها وتقلل حجم ديونها الخارجية فضلاً عن احتمالية لجوء أنقرة لفرض ضغوط على طهران فيما يتعلق بالملف السوري سياسياً، بينما الروسي الذي ينطلق من ضرورة الحفاظ على النظام الإيراني الحالي، رغم تمسكه بمطالب إدخال إصلاحات إليه، من قاعدتين: الأولى هي إدراك موسكو بأن البديل عن النظام القائم في طهران والحليف بمحاربة الإرهاب، هو نظام مقرب من الخصم الأميركي، والثاني: استثمار الصراع القائم بين واشنطن وطهران في زيادة نفوذه في الشرق الأوسط كوسيط دولي مقبول، والتهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز هو رصيد إضافي تراكمي لمصلحة بوتين على طاولة مباحثاته مع ترامب منتصف الشهر الحالي.
يبدو أن مسار الهدن والاتفاقات الهشة قد يتعرض للانهيار في أي لحظة إن ترجمت الأطراف المتصارعة تهديداتها، وبخاصة حكومة إسرائيل التي تعاني من تأزم داخلي بمختلف المجالات، ووجود إدارة أميركية تستعرض عضلاتها لتترجم ما يدور في عقل تل أبيب بعدما ضمنت التطبيع الخليجي الذي قلب معادلة الأعداء إلى الأصدقاء، فإسرائيل اليوم بالنسبة للممالك الخليجية هي الحليف الاستراتيجي، وإيران هي الشر الذي يجب القضاء عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن