قضايا وآراء

المال.. المصيدة

| اسكندر لوقــا

في سنة 1929، أصدر المليونير الصهيوني المعروف «فيليكس فرانكفورتر» مذكراته، وكانت فرحته غامرة باستلام النسخة الأولى من هذه المذكرات التي قال عنها لحظة الاستلام: «سيكون هذا الكتاب يوماً دليل عملنا نحن أبناء الجيل، وربما سيكون كذلك إلى وقت بعيد».
هذا الرجل كان كبير مستشاري الرئيس الأميركي وودرو ويلسون، وكان في الوقت ذاته، أحد الأصوات الفاعلة في ترجمة حلم الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط إلى حقيقة، واللافت مما جاء في مذكراته قوله: «إن استخدام المال خطة حققت نجاحا بارعا في حمل عدد كبير من الأميركيين الذين كانوا مترددين بشأن تأييد وعد بلفور في عام 1917»، وبذلك فعل المال فعله الذي كان يراهن عليه مع خصومه، وكانت الدولارات التي كان أبناء الجاليات اليهودية المنتشرين في أرجاء العالم يجمعونها، كانت السبيل الذي مهد الطريق أمام مئات الآلاف من اليهود للرحيل إلى فلسطين أو لإعداد أنفسهم للرحيل كما هو معروف.
في هذا السياق، وفي مكان آخر من المذكرات يقول فيليكس فرانكفورتر «باتباع هذه الطريقة فإن فلسطين ستكون لنا يوما، وقد لا يطول بنا وقت الانتظار لنشهد قيام الدولة التي بشر بها زعماؤنا».
لم يكن هذا اليهودي المليونير في حالة حلم يقظة عندما وضع المال في كفّة والنفوس المريضة في كفّة، فالمال دائماً كان المصيدة التي توقع ضعاف النفوس في شباكها، وقد ثبت ذلك في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان، ولسوء حظنا نحن العرب أننا كنا ضحية هذه المعادلة، معادلة المال المصيدة، مع العلم بأننا ما زلنا نغض الطرف عن خطرها على حاضرنا ومستقبلنا، بوجود من يؤمن بأنه بالمال لا بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولهذا الاعتبار، تزداد رقعة الخلاف بين الذي يدافع عن كيانه والذي يعيش على هامش هذا الكيان، مكتفيا بما يجنيه من مال على حساب قضية حق تستحق التضحية بالفعل لا بالقول.
إن الكيان الصهيوني الرابض فوق أرضنا العربية، استطاع أن يكتشف طريق الإيقاع ببعض العرب وخصوصاً في زمن حرج، زمن إخضاع بلادنا العربية للاستعمار، فكان المال المصيدة التي اختارها زعماء هذه الكيان لتحقيق حلم زعماء الصهيونية منذ أن تجسدت هذه الحركة الاستيطانية واقعا على الأرض وكان سبيلها لترسيخ حضورها عليها استخدام المال بوجود ضعاف النفوس على الطرف الآخر، الطرف المنشغل، حتى اليوم، بالبحث عن الاكتفاء بما هو كائن لا بما هو مستحق أكثر من ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن