ثقافة وفن

«جداريات الشمس» انطلقت الفكرة من أوائل عام 2012 … نهلة السوسو لـ«الوطن»: عشت قصصاً حقيقيةً وواقعيةً لبواسل جيشنا العربي السوري فكتبت القصص بدقة

| سوسن صيداوي

أمور مفروضة جاءت بها ويلات الحرب الجائرة التي لا تعرف رحمة ولا أي شعور إنساني… أمور لم نخبَرها بالماضي، بل كنا نجهلها تماماً لأننا في حينها كنا مترفين في الشعور بنعمة الهنا والسلام.. اليوم بعدما صادفنا ورأينا وسمعنا… إلخ، أي ما وصل إلينا عبر حواسنا الخمس، نحن نعيش حالة من الشعور العميق والمختلف تماماً عما عشناه سابقاً.. هكذا حدثتنا الكاتبة والإعلامية نهلة السوسو خلال حفل توقيع كتابها «جداريات الشمس» في المركز الثقافي العربي في أبي رمانة. وجاءت صورة الغلاف كي تجسّد تماماً صورة من صور لمعاناة متكررة اجتاز صاحبها كل الأسى والألم لكونه زُفّ عزيزاً وغالياً كشهيد بذل دماءه في سبيل وطنه سورية. إذاً، لوحة الغلاف هي من تصوير فريز الأسعد، أما الكتاب «جداريات الشمس» فقد احتضن قصصاً من صلب المعاناة الممتدة لسبع سنين، هي من الواقع، ولا يمكن أن يكون أحد منا غير عالم بها أو بعيد المعرفة عنها، جاءت الحكايات كي تقص ما مرّ على أهالينا وإخواننا السوريين، وصدر الكتاب عن دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع ليكون مرجعاً لكل باحث ومفكر ولكل من ينضوي تحت لواء الجيش العربي السوري.

لدار النشر كلمة
في البداية تحدثت مديرة دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع عفراء هدبا عن طبيعة الكتاب ومحتواه إضافة إلى عدد النسخ المطبوعة قائلة: «الكتاب عبارة عن قصص صحفية وأدبية، معيشة ويومية، تلامس وجدان الناس في سورية، لكونها من صلب حياتهم اليومية خلال الأزمة التي استمرت سبع سنوات، ومن خلال المقالات القصصية المقصودة، استطاعت الكاتبة نهلة السوسو أن تقارب القضايا الإنسانية وتلامس الوجع السوري مع إصراره على الانتصار والاستمرار بالحياة.
«جداريات الشمس» قصص للحب والأمل في مبادرة من دار دلمون لضم القصة الصحفية وجمعها في مؤلف يكون مرجعاً لكل باحث ومفكر. مبدئياً قمنا بطباعة خمسمئة نسخة، ومن بعد التوقيع سيتم توزيع الكتاب على مكتبات دمشق وباقي المحافظات، وكذلك سينشر على الموقع الإلكتروني «نيل وفرات»، وسيشارك في معرض الكتاب الذي سيقام قريبا في مكتبة الأسد.

صاحبة «جداريات الشمس»
كما بيّنت الكاتبة والإعلامية نهلة السوسو سبب اختيارها لعنوان الكتاب مع تبيان الظروف التي ألهمتها ودفعتها لتأليفه قائلة: «لقد جاءتني فكرة الكتاب من بدايات الحرب على سورية الأم في أوائل عام2012، عندما طُلب مني أن أكتب مقالات في صحيفة تشرين، وتصادف مقالي الأول مع رفع أطول علم سوري في أتستراد المزة، وفي ذلك اليوم رويت حكايات تمت تحت هذا العلم المرفوع، بعدها تلقائياً وإنسانياً وروحياً أصبحت كل الحواس موجهة للجيش العربي السوري، الذي نراه بيننا وفي كل توجهاتنا كما نصادفه لكونه ذاهباً ليلتحق بإحدى الجبهات. في الحقيقة لقد أسرتني هذه الحالة، وشعرت بأنني ولدت من جديد، لأنني وجدت في أعماق مشاعري بأنني لا أعرف إلا هذا الأب أو هذه الأم، أو هذه الرائحة أو هذا المشهد البصري…. إلخ وخاصة أنني عشت قصصاً حقيقية وواقعية لأفراد من بواسل جيشنا العربي السوري، فكتبت القصص بدقة. وبعد عدة سنوات كنت في حديث أنا وصديقتي «عفراء» صاحبة دار نشر دلمون الجديدة، يومها ولدت فكرة النشر من رغبتي في أن توثق هذه الحكايات وأن يقرأها الجندي العربي السوري بصرف النظر عن الرتب التي يحملها أو الموقع الذي يشغله. وعن عنوان الكتابـ «جداريات الشمس» كنت اخترته انطلاقاً من قصة كنت ألفتها، وتحكي عن جندي عاد والتحق بقطعته على الرغم من إصابته بعد إجازته الصحية، وكان الجندي قد وضع تقريره الطبي في سترته، وعندما استشهد اخترقت الرصاصة الجيب الأيسر وأيضاً التقرير الطبي، وعندما انتزع صديقه هذا التقرير وضعه على ورقة بيضاء وصورها، أنا عندما شاهدت الصورة تبادر إلى ذهني مباشرة الفنان الإسباني «فرانشيسكو غويا» الذي انتقل من رسم الملوك والقصور إلى تجسيد حياة الشعب البسيط وتصوير حياة المقاتلين في الجيش الإسباني الذي تصدى لجيش نابليون بونابرت، وأخيراً جاءت التسمية «جداريات الشمس» تيمناً باللوحة «غرنيكا» لبابلو بيكاسو العالمية المشهورة». وأضافت الكاتبة نهلة: إنها في هذا الوقت تعيش حالة من الوعي الحقيقي ناتج عن معاناة الحرب وما تتركه في النفوس من آثار توغل في الفكر والشعور، وهي بتأثيرها مختلفة عما كنا نشعر به أيام الهناء والسلام، متابعة بأن منتجها الأدبي حول قصص بواسل الجيش العربي السوري وشهدائه ولدت منذ عام2012بمقال «حكايات تحت العلم»، وامتد الموضوع كي يكون مقالاً أو اثنين أسبوعياً إلى يومنا هذا وبأسلوب أدبي توثيقي. ومن مقدمة الكتاب اخترنا لكم: «صار العالم الذي عشت فيه قبل الحرب وراء ظهري، ومن المستحيل العودة، عبر بواباته، إلى ما كان من بطء في إيقاع كل حركة وكل حلم وكل مبادرة… كان الحصاد «حكايات تحت العلم» العزيز.. مع المهجرين، والشهداء، والساهرين تحت النجوم، وفي قلب جدران النار.. بالأسماء والتواريخ والتفاصيل التي شكلت يومياتي الحقيقية الحارة».

في الإهداء
خلال توقيع كتابـ«جداريات الشمس» جاءت كلمات الإعلامية نهلة السوسو بكل امتنان وعرفان لمن بذلوا دماءهم رخيصة في سبيل الحبيبة سورية، فكان الإهداء «إلى المجرات السماوية التي رسمت خرائط النجوم والبحارة والعدالة والحق والجمال على الأرض.. إلى جنود الجيش العربي السوري بكل رتبهم ومواقعهم…».
حكايات تحت العلم

من القصة التي تحمل العنوان أعلاه، وهي أول قصة ومنها الانطلاقة عام2012، اخترنا لكم المقطع الآتي: «سار العلم العملاق مرفوعاً على أيدي الشبّان ولم يرفع على سارة كما تخيلت، وانسحبت من بين الجموع باتجاه حقول الصبّار الموازية لطريق المزة السريع وفي رأسي أصداء لا تكف عن الرنين، أناس عرفتهم بمودة ولم أتبادل معهم أرقام الهواتف، أناس أرغموني على حفظ تفاصيلهم وأسماء أحيائهم الراقية والشعبية والعشوائية، أناس قالت لي أزياؤهم المتنوعة أشياء لا تنسى… أناس جمعهم العلم بالمعنى الحرفي لا المجازي، وبمعجزته محا الفوارق المادية والاجتماعية والفكرية والعلمية فيما بينهم ليس لساعات بل للأبد».

رأي في كتاب مؤلّف
يقول الكاتب والروائي العراقي لؤي عبد الإله في كتاب جداريات الشمس: «نصوص تستنطق الأديبة والإعلامية نهلة السوسو فيها بعضاً من وقائع شاهدتها أو سمعت بها منذ بدء المؤامرة الكبرى على سورية عام 2011، حيث الأبطال هم أشخاص عاديون تشبثوا بالحفاظ على الأواصر العميقة التي تربط المجتمع السوري بعضه ببعض، والحفاظ على كيان دولتهم أمام مشروع تدميرها وتفكيكها إلى عناصرها الأولية، وكأن نهلة السوسو باستخدامها لغة شفيفة غنية بالمجازات والصور، تمكنت من تقديم نصوص أدبية تمنح المتلقي متعة القراءة الغنية، وفي الوقت نفسه نقشت للأجيال القادمة تاريخاً تتحاشاه كتب التاريخ للأفراد العاديين الذين وقفوا ببطولة أمام المشروع الهادف لتدمير كيان مجتمعهم، إنجاز أدبي متميز يفيض بالأمل في لحظة معتمة من تاريخ بلدنا».
من جانبه تحدث السفير المتقاعد عاطف أبو بكر وهو شاعر وكاتب سياسي عن الكتاب قائلاً: «الكاتب الأصيل من الجنسين، لا يجلس في برج عاجي، حين يغرقون الوطن بالدم، ويتحسّس جماليات فنون النّص قبل هموم الوطن، بل تتحوَّل سطوره إلى سيوف، وحروفه إلى رماح، وتدخل كلماته مع المقاتلين وحماة الديار ساحة المعركة، فيكتب عن الميدان من الميدان. فيقدّم توثيقاً عبر فنّه، يحكي ويمشي عبر الأرض بسيقانٍ صلبةٍ كصلابة جيشنا الباسل، وهكذا هي نهلة السوسو، في كل يومياتها ونصوصها، فلا عدمت سورية يراعاً صادقاً، ملتزماً كنهاة الوفاء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن