رياضة

الماكينات عجزت عن الابتكار بعدما ترهلت مسنناتها … المانشافت خانته زحمة الأسماء وخيارات لوف

| الوطن

مونديال الصغار مصطلح سمعناه كثيراً مع نهاية الدور الأول لبطولة كأس العالم الجارية حالياً في روسيا، وانتشر هذا الوصف أكثر مع نهاية الدور الثاني عندما ودعت منتخبات كبيرة ومن ثم نجومها الذين قد يكونون أكبر من أسماء منتخباتهم، إلا أن الحقيقة المرة التي يمكن أن يتناساها البعض أن نتائج المونديال الروسي مثلت حالة واقعية عن لعبة كرة القدم هذه الأيام.
فالمستويات متقاربة أكثر من أي وقت مضى ولا توجد فوارق شاسعة، فالكل درس الكل وبانت المنتخبات صفحات مفتوحة أمام بعضها والأهم عودة بعض الأساليب الدفاعية الكلاسيكية على طريقة ألا يُسجل بمرماك هدف، ومن الاستفادة من المرتدات، وإذا كانت هذه الطريقة مقبولة عندما يلتقي منتخبان بينهما الكثير من الخبرة والعراقة والأسماء فإن عدداً من المنتخبات الكبيرة انتهجت هذا الأسلوب حتى أمام نظيراتها الصغيرة.
لن نشرح طريقة لعب المنتخبات أو حتى أساليب اللعب، فنكتفي بالحديث عن خيبات بعض الكبار وخاصة أولئك الذين دخلوا من الباب العالي للمرشحين على اللقب العالمي لكنهم خرجوا من باب الصغار راسمين علامة استفهام كبيرة حول ما قدموه في المونديال الروسي الذي انطبق عليه وصف مونديال المفاجآت بالصورة العامة، لكنه كان مونديال الكرة الواقعية فعلاً وقولاً، ونبدأ بالألمان أبطال العالم الذين كانوا أصحاب الخيبة الأولى والأكبر على اعتبار خروجهم من الدور الأول.

عرف جديد
طوال عقود كان ومازال بطل المونديال يدخل البطولة التالية مرشحاً للحفاظ على اللقب، وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يتكرر سوى مرتين إلا أن الفريق المتوج كان على الأغلب ما يسير بعيداً ولم يسقط من الدور الأول خلال 7 عقود سوى بطلين أحدهما لظروف خاصة ونقصد الآتزوري الإيطالي عام 1950 والثاني لأسباب كثيرة ليس هنا المجال لذكرها ونقصد البرازيل 1966، إلا أن الألفية الجديدة شهدت خروج البطل من الدور الأول في أربع مناسبات من خمس حتى بدا وكأن تقليداً جديداً سيسود العرس العالمي.
ففي 2002 سقط الأزرق الفرنسي من الدور الأول بعدما أخفق بتسجيل فوز واحد بل لم يستطع كل نجومه، أيامها أبطال العالم وأسياد أوروبا، تسجيل أي هدف، وفي 2010 خرج الآتزوري من دون أي فوز أيضاً وبتعادلين وهزيمة وجاء الدور على اللاروخا في 2014 عندما كان أسرع الخاسرين بهزيمتين، واليوم لم يختلف الأمر كثيراً فقد خرج المانشافت إنما بسيناريو أكثر إثارة.

سوء إدارة أم حظ؟
عندما توج المنتخب الألماني بلقبه الرابع قبل أربعة أعوام آثر بعض نجومه الاعتزال ومنهم القائد فيليب لام والهداف كلوزه وتبعهما شفانشتايغر وبودولسكي، لكن مع ظهور نجوم جدد واكتساب البقية خبرة خاض الألمان منافسات يورو 2012، وعلى الرغم من خسارتهم في نصف النهائي إلا أن الشك لم يساور عشاق المناشافت بمقدرته على الاحتفاظ بلقبه العالمي، وجاءت كأس القارات 2017 لتزيد ثقة الألمان بمنتخبهم وخاصة أن مدربهم لوف آثر المشاركة بمنتخب معظمه من الشباب أو الوجوه الجديدة وبه نجح في خطف الكأس وبأداء أزعج المنافسين وأراح كل من يعشق الماكينات التي لا تصدأ.
فإضافة إلى اللقب المفقود من خزائن الاتحاد الألماني الذي فاز به المدرب لوف كسب الألمان فريقاً آخر غير الذي توج بكأس البرازيل 2014 مع بعض النجوم المتفرقين هنا وهناك، أي إن المدرب المحنك أصبح لديه قرابة 40 لاعباً من النخب الأول الذي يعطيه خيارات أوسع وأفضل ودخول المونديال للدفاع عن لقبة بتشكيلة مرصعة بكل نجم أو أكثر في كل مركز داخل المستطيل الأخضر، وهذا بذاته مصدر حسد من المنافسين الذين يتأثرون بغياب لاعب أو اثنين بداعي الإصابة، ولكن يبدو أن عيون الحاسدين نالت من لوف أو أنه أخطأ ببعض الخيارات.

مفاجأة البداية
ولا ننسى المجموعة السهلة (نوعاً ما) التي وقع بها المانشافت إلى جانب السويد التي لم تعرف طعم الفوز على الألمان رسمياً منذ 60 عاماً وكوريا الجنوبية التي لا يمكن الخوف منها وأيضاً المكسيك التي خسرت نهائي القارات من الألمان أنفسهم قبل عام، وللصدفة كان التريكولور الخصم الأول في طريق المانشافت المدافع عن لقبه.
وعلى غير ما هو متوقع وقع الألمان فريسة لأبناء الأزتيك للمرة الأولى مونديالياً وذلك بفضل واقعية الأخيرين الذين لم يكتفوا بالدفاع المتمرس أمام حارس بارع بل اتبعوا طريقة الهجوم المرتد السريع مستغلين سرعة بعض لاعبيهم ومن إحدى الهجمات استطاعوا دك حصن نوير بهدف وكادوا أن يضاعفوه أكثر من مرة لولا رعونتهم واستعجالهم التسجيل في عدد من الفرص السهلة، وبالمقابل أخفق الألمان بفك رموز الدفاع المكسيكي وحتى عندما نجحوا اصطدموا بحاجزي أوتشوا والحظ الذي وقف إلى جانب الأخير مرتين ليخرج لاعبو لوف خاسرين الرهان الأول ما اعتبر مفاجأة لم تكن بالحسبان.

عودة لم تكتمل
المباراة الثانية كانت أمام البلاغولت السويدي وخسارتها تعني خروجاً مبكراً على غرار اللاروخا في 2014 واستجمع الألمان قواهم بغية الفوز والعودة وكادت الأمور تتعقد فخاصة مع اتباع الفايكنغ الطريقة المكسيكية ذاتها مع فارق الخوف فكان أن تقدم السويديون بهدف قبل أن يرجع كروس ورفاقه بالنتيجة ففازوا بهدفين جاء ثانيهما مع الدقيقة الأخيرة للوقت بدل الضائع علماً أن المدرب أجرى عدداً من التبديلات من أجل إيجاد بعض الحلول الهجومية لكن ذلك لم يأت بجديد.
بفوز المكسيك الثاني على كوريا تعقدت أمور المجموعة فبات المانشافت بحاجة إلى فوز على كوريا وانتظار لقاء السويد والمكسيك والذي انتهى بفوز الأول 3/صفر وقد سجل هدفه الثالث في توقيت توجب على الألمان فقط تسجيل هدف الفوز ليتأهل، لكنهم فشلوا بفك رموز الدفاع الكوري الذي لعب المباراة من دون أي حافز سوى إيقاف المانشافت وكان له ما أراد، فعندما دخل الوقت بدل الضائع استغل مقاتلو التايغوك المرتدات وسجلوا ليجن جنون الماكينات التي أصابها العطب فكان أن تلقت ضربة قاضية أخرى ليفوز الكوريون بالنهاية بهدفين فكانت خاتمة حزينة لأبطال العالم، فلم يكن أحد ليتصور أن المانشافت الذي لم يخسر رسمياً سوى مرة في آخر 6 سنوات سيخسر مرتين للمرة الأولى بالدور الأول للمونديال من دون أن ينجح فيهما بالتسجيل للمرة الأولى أيضاً.

أسباب السقوط
يتحمل لوف الجزء الأكبر من المسؤولية ذلك أنه لم يختر بعض اللاعبين أمثال المهاجم فاغنر وغوتزه وشورله وإذا كانت أسبابه مقنعة بسبب تراجع مستوى هؤلاء فإن عدم اختيار ليروى ساني لم يقنع أحداً وخاصة أن جناح مان سيتي تألق بقوة في الموسم المنصرم حتى أن كثيرين وجدوا فيه نجماً قادما للمونديال، وأن الأسماء كثيرة جداً أمام عيني المدرب الخبير فقد احتار في بعض الأسماء وخانته الدقة أو أنه جامل البعض على حساب الآخر.
فما معنى أن توماس موللر أحد هدافي المونديال (10 أهدف في نسختين) لم يقدم شيئاً على حين ماركو رويس استعمله لوف كبديل، وحتى الحارس الأساسي نوير العائد من الإصابة يعتقد البعض أنه جومل على حساب تيرشتيغن فغابت الحلول وترهل المبتكرون فكان أن حفظ الخصوم كل تحركات الألمان التي بدت وكأنها تجري في منظومة واحدة من دون تغيير ولذلك لم يرتبكوا كثيراً بل جابهوهم وتفوقوا عليهم حينما قرؤوا أفكارهم وكراتهم فكان أن فشلت الماكينات بصنع ما هو جديد، بل فشلت بتقديم قديمها التليد فكان الخروج طبيعياً لفريق لم يقدم من صورة البطل سوى القميص المرصع بالنجوم الأربع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن