ثقافة وفن

التشبيه الضمني.. وقائع ودلائل … أحد أنواع التشبيه البارزة ونوع مستقل لا يأتي على أي صورة من صور التشبيه المعروفة

| سارة سلامة

التشبيه الضمني تشبيه خفي غير صريح، لا يأتي على أي صورة من صور التشبيه المعروفة، ولا يرد فيه المشبه والمشبه به صراحة، بل يلمحان ويفهمان من تضاعيف الكلام، ولذلك سمي ضمنياً.
والتشبيه الضمني ثري المعاني والمباني، ليس لأنه أبرز أنواع التشبيه وأشهرها، بل لأنه يتسم بسمات تفرد بها دون غيره من ألوان التشبيه، وفي هذا وظائف نفسية وجمالية تستحق أن نتوقف عندها لنجلو دقائقها وخفاياها وأسرارها، حيث صدر عن وزارة الثقافة الهيئة السورية للكتاب، كتاب بعنوان «التشبيه الضمني» وقائع ودلائل، للدكتورة منيرة محمد فاعور ضمن سلسلة قضايا لغوية.

فن يصعب الخوض فيه
وفي مقدمة الكتاب تقول الكاتبة: التشبيه الضمني هو أحد أنواع التشبيه البارزة التي لا تندرج تحت أقسامه الكثيرة، فهو نوع مستقل بنفسه، لا يأتي على أي صورة من صور التشبيه المعروفة، وقد سمي ضمنياً لأنه لا يأتي صريحاً في الكلام، بل يلجأ فيه إلى التلميح وليفهم القصد منه من كامل المعنى»، مضيفة: إن «التشبيه فن يصعب الخوض فيه حتى على أصحاب البيان، لذلك قد نستغرب قلة شواهده في دواوين الشعراء عامة والفحول منهم خاصة، ولعل السبب في ذلك يعود إلى جملة من الأمور، أبرزها سببان، الأول: الإيحاء بالتشبيه دون التصريح به، والآخر: رفد المخاطب بأدلة وبراهين تؤكد صحة ادعاء المتكلم، لينفي عنه كل شبهة أو لبس قد يعتري المخاطب وهذا لا يتأتى إلا لمن امتلك رؤية خاصة حققت له كشفاً أو فتحاً لإدراك الروابط الدقيقة الخفية بين الوقائع التي يراها، أو يعتنقها، أو يثق بوقوعها، والدلائل التي ساقها لتنفي عنه الشك والشبهة، كل ذلك في صورة يتعاضد فيها عالم الأفكار بعالم المحسوسات أو المشاهدات».

سمات التشبيه الضمني
وهذه السمات نقع عليها مجتمعة في مجمل شواهده وأمثلته لقوة الروابط بينها، وإن كان بعضها قد يبدو أوضح وأظهر في بعض نماذجه دون بعض، وأبرز هذه السمات: غياب أداة التشبيه وهي السمة البارزة فيه، ولا يعني ذلك أن حذف الأداة أو غيابها يجعل التشبيه ضمنياً، فقد تغيب الأداة ويبقى التشبيه صريحاً واضحاً مقدراً، فقول كعب بن زهير:
إن الرسول لنور يستضاء به
مهند من سيوف اللـه مسلول
تشبيه صريح، فقد شبه الرسول بالنور، والصورة التشبيهية واضحة على غياب الوسيط (الأداة) فيها، لأنه مما يسهل تقديرها، فنقول: (إن الرسول كالنور)، لكن الحذف هنا أضفى على المعنى بياناً وقوة، فازدادت قوة التشبيه، لأن حذف الأداة يقوي ادعاء اتحاد ركني التشبيه (المشبه والمشبه به), ومثله قول الشاعر:
فإذا شكا فالقلب برق خافق
وإذا بكى فدموعه الأمطار
فالتشبيه ظاهر مقدر على غياب أداة التشبيه.
أما قول أبي فراس الحمداني:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فهو من التشبيهات الضمنية ليس فقط لغياب أداة التشبيه، بل لغياب المباشرة في التشبيه، ولإيثار التلميح دون التصريح به في أي صورة من صوره الكثيرة المعروفة، وبذلك ارتقى في سلم البلاغة درجات، فالتشبيه كلما دق وخفي كان أبلغ وأفعل في النفس.
المشبه به لا يتقدم على المشبه

إن ركني التشبيه «المشبه والمشبه به» كليهما يلمحان ويستنتجان بلا ترابط مباشر بينهما، وكأن أحدهما منفصل عن الآخر مستقل بنفسه.
ويقول الشاعر:
كل الحوادث مبدأها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
فالشطر الأول يشير إلى قضية، هي أن الحوادث الجسام سببها إطلاق النظر فيما حرمه الله، والشطر الثاني يشير إلى قضية أخرى، وهي أن النار الكبيرة كانت في بدايتها شرارة صغيرة، ثم جاءت الواو بينهما لتستأنف كلاماً قد يبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة له بالأول، لكنهما في حقيقة الأمر متصلان متقاربان، فالأولى تشبه الثانية حكماً وواقعاً، ودليل ذلك أنك إن لم تهتد إلى التشبيه فاسأل نفسك بم شبه الحوادث الجسام التي سببتها تلك النظرة، يأتك الجواب مباشرة: شبهها بالنار التي كانت بالأصل شرارة صغيرة.
وقس عليه قول البحتري:
ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم
وللسيف حدّ حين يسطو ورونق
وإن المشبه به لا يتقدم على المشبه، فلا يصح أو يجوز أن نبتدئ به، «فالتشبيه الضمني لا بد أن يأتي عقب المعنى، أي عقب تمام المعنى الذي يريده المتكلم ليكون بمنزلة دليل وبرهان»، وهذا ما أقره عبد القاهر في حديثه عن ضربي التمثيل.
ويقول ابن الرومي:
قد يشيب الفتى وليس عجيباً
أن يرى النور في القضيب الرطيب

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن