ثقافة وفن

أعتز بما اعطاني إياه والدي وخاصة خامة صوتي … سمعان فرزلي لـ«الوطن»: أنتمي إلى إذاعة دمشق وأتمنى أن تنهض لتعود إلى القمة

| سوسن صيداوي

من الأب أخذ خامة الصوت، ولأنه ابن صالح، رغم تعنّده برغبته، عاد وتمثّل بأبيه ملتزماً بنصحه وإرشاده له، اللذين مكّناه من التمسك بحلم اختاره رغماً عن الوالد، الأخير الذي حاول أن يجنبه صعوبة ما سيواجهه، لكنّ الابن تحدّى وكافح ومضى قدماً، وصوته الآن يعبُر الأثير المباشر في الإذاعة السورية الأم… إذاعة دمشق، إنه المذيع سمعان فرزلي الذي لم يتمسك بخامته وبشغفه فقط، بل بذل كلّ جهد وتدريب وتمرين مكتسباً المهارات، كي يتفنن ويبدع ببصمته الصوتية، ويكون الأفضل في مجال التعليق الصوتي الـ(VO)، بادئا مشواره في العمل في المؤسسة الإعلامية من عام 2001 في قسم الأخبار/قسم الاستماع السياسي، بعدها في عام 2003 جرت مسابقة في إذاعة دمشق، تقدّم إليها وانتقل من خلالها إلى دائرة المذيعين. صحيفة «الوطن» حاورت ضيفها سمعان فرزلي الذي سلّط الضوء على العديد من النقاط المهمة.

البداية من على الكاسيت

مثله مثل أي هاوٍ مراهق يحب المرح والمشاكسة، قرر مرة وهو في الصف العاشر أن يوقِع والده المذيع التلفزيوني رجا فرزلي بمقلب مدبّر، مستغلاً الابن تشابه الصوت وأخفق كل من يتصل بهم هاتفياً في التمييز بينهما، فقام سمعان الابن بتسجيل خبر على الكاسيت، وعند حضور الأب كان يستمع، لكنه لاحظ بأن الخبر لم يقم بإذاعته، ويتابع فرزلي: «أعتز بما ورّثني إياه والدي وخاصة خامة صوتي، والدي معلمي الأول سواء كمذيع من حيث الملاحظات والتوجيهات، أو حتى في الحياة باكتساب الخبرة من دروسها، وبالفعل لم أوقِع أبي في هذا المقلب، لأنه أولاً انتبه إلى أن الخبر المسجل لم يقم بإذاعته، كما أنه انتبه إلى حرف، أقوله أنا بطريقة وهو يقوله بأخرى. ومن هنا قال لي «إن اجتهدت على نفسك فسيكون لك مستقبلاً». وبقيت أحلم بأن أكون مذيعاً حتى عام 1999 عندما عرفت بأن هناك مسابقة لاختيار مذيعين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، هنا تصادمت مع أبي لكونه لم يسمح لي بالتقديم، لأنه لم يرد لي أن أتعذب كي أثبت نفسي. لكنني تمسّكت بموقفي إلى أن دار الزمن وعملت في قسم الأخبار في قسم الاستماع السياسي لمدة ثلاث سنوات، طبعاً الاستماع السياسي أضاف لي الكثير من الخبرة من خلال حسن المتابعة ودقتها، فكنت أتابع نشرات الأخبار وأسجل عنها تقارير وأقدمها للإدارات، فالمهمة كانت ممتعة ودقيقة. بعدها انتقلت إلى قسم الإذاعة وكان بوقتها الأستاذ مخلص الورار هو من أحد المدربين، وقال لي: «ما من شيء أدربك عليه.. أنت جاهز». بالطبع شهادته زادت من حماستي وتمسكي بشغفي وحلمي، هنا ولدي كان فقد جهده بممانعة رغبتي في الاستمرار بأن أكون مذيعاً، ولكنه اكتفى بمتابعتي وبعدم التدخل بشأني لا من قريب أو بعيد وأنا في مبنى الإذاعة. لا أنكر… ربما هذا الأمر جعلني أجتهد أكثر كي أثبت نفسي وبأنني مستحق بأن أكون مذيعاً».

عن التلفزيون

أخبرنا ضيفنا سمعان فرزلي بأن فكرة وقوفه أمام الكاميرا لم تكن غائبة عن محاولاته التي لم تُجد لأسباب شرحها: «لا أدري من كان ضد ظهوري، أو ما سبب رفضي. ولكن الأمر لم يعد يعنيني، وربّ ضارة نافعة، وهي حقيقة بأننا لا ندرك جمال الأمر الذي يحصل معنا أو نقدّر قيمته إلا بعد مضي الزمن. فالرفض جعلني ألتفت إلى أمر آخر وأهتم به وأقوم بتطويره، هو التركيز على الإذاعة وعلى الحالة الصوتية بشكل أكبر، الأمر الذي مكّنني من اكتساب الشهرة الصوتية كمعلق صوتي(VO)، الذي فيه الكثير من الصعوبة، ولا يستطيع إتقانه إلا قلّة، لأنه يعتمد بشكل كبير على فن الأداء وليس فقط الخامة الصوتية الجميلة. هنا أحب أن أشير إلى أنه في الماضي لم يتم اختيار مذيع تلفزيوني إلا إذا كان يمتلك صوتاً جميلاً، إضافة إلى شكله الجذاب، هذا المعيار تغيّر، فلم يعد الصوت الجميل مطلوباً إذا كان حضور المذيع قويا. وللأمانة في عام 2012 بسبب بداية الحرب في سورية أصبح هناك فراغ من حيث المذيعين التلفزيونين، الأمر الذي دفع الإدارة إلى التوجه إلي، ولكنني لم أقبل لأنني فقدت الرغبة- تقديراً لذاتي- بالوقوف أمام الكاميرا. صحيح لم أفقد التوق لأكون مذيعاً تلفزيونياً، وخاصة أن الفرص الخارجية كانت متاحة، وبالمقابل لم أبق هنا مزاودة على أحد بالوطنية، لكنني وبصدق اخترت البقاء لأنني إن أردت أن أغادر مكان عملي وإقامتي ووطني فالأمر بمزاجي أنا وليس مفروضاً علي، وأضيف أخيراً بأن العمل في التلفزيون أسهل، فملامح المذيع مقروءة للمشاهد بعكس مذيع الراديو الذي يعتمد على صوته وانفعالاته كي يوصل إحساسه للمستمع، وبالنسبة لي متعة التحدي بما أقوم به ما زالت تدفعني».

الحفاظ على الملَكة

كي نحافظ على ما وهِبنا، لا بد لنا من الاهتمام العاطفي والجسدي وحتى الطاقوي، والإحاطة بأنفسنا بكل ما هو إيجابي في الأسلوب والأداء، هذا الأمر واضح مع مذيعنا الذي لا تفارق الضحكة الرنانة والتفاؤل حديثه ومحيّاه، وعن حفاظه وتمارينه الصوتية يقول: «اعتدت منذ عدة سنوات على الاستيقاظ باكراً، فالأحبال الصوتية مثلها مثل أي عضلة بالجسم وتحتاج إلى وقت لتدخل مرحلة النشاط، لهذا أستيقظ يومياً في الخامسة والنصف، وفي السابعة والنصف تقريباً أكون في الأستديو. أحب أن أؤكد نقطة أن أي إنسان هو مدرّب لنفسه، فالمرء بحاجة ليجتهد كي يصقل موهبته، وعليه أن يسمع ويتابع ويقرأ. وبالنسبة لي وعلى صعيد شخصي أقلعت عن التدخين فلم يعد لي مزاج به، ولا أشرب الأركيلة إلا في فترات متباعدة ومع الأصدقاء، وفي النهاية ممارسة العمل هي ما تمكنني من المحافظة على اللياقة».

التكنولوجيا والراديو

اليوم في ظل هذا الزحام الكبير للإنترنت والتكنولوجيا يُخشى على الراديو من التأثر والضياع، وعن هذه النقطة يثير فرزلي العديد من النقاط: «مع تطور الزمن تطورت الحالة السمعية والبصرية، وحتى وسائل البث ووسائل إيصال الفكرة، هذا ما يتطلب منا السعي من أجل تطوير الردايو بشكل دائم، وبالطبع يُخشى على الراديو في بلادنا، فالغرب يدفعون مالاً كي يسمعوا الراديو أو يروا التلفاز، هذا ما يثير التساؤل: (هل من المعقول أن نفقد الجريدة الورقية مقابل ما تؤمنه لنا مواقع الشبكة العنكبوتية؟)، حتى السؤال يمتد للراديو والتلفزيون فالمتابعة ستكون عبر الانترنت، في الخارج تنبّهوا لهذا الأمر وعملوا على تطوير كل الأمور من حالة سمعية، تكنولوجية، وإنترنت. بالمقابل نحن ليس لدينا الوعي لتنمية هذا الموضوع، وخاصة في الوقت الحالي، هناك إهمال للراديو ومتعارف عليه في الإذاعة والتلفزيون في سورية، إذا صدر خطأ من مذيع تلفزيوني يعاقب بنقله للإذاعة، هذا الأمر سيئ للغاية لأنه زرع برأس الكل بأن الإذاعة كالسجن وفيها تستوجب العقوبة، ومن ثم تمّ تعميم ثقافة عامة وخاطئة. هذا من جهة ومن جهة أخرى أي وزير إعلام عندما يستلم وزارته يتحول فوراً إلى «وزير تلفزيون» ويهمل الإذاعة، انطلاقاً من حجة بأن الجميع يتابع التلفزيون ولا أحد يتابع الإذاعة. فهنا نسأل: لماذا لا يتابع الجمهور الإذاعة؟ الخطأ يقع على من؟ إذاً من الواجب المحافظة على الكوادر الحقيقية بغض النظر إن كانت أكاديمية مختصة أو لا، مما يعني بأنه علينا أن نتمسك بفكرة، بأن الإعلام موهبة وإبداع، وخصوصاً أن الكثيرين من اللامعين في هذا المجال ليسوا من خريجي كلية الصحافة والإعلام».

كل الحب لدمشق الإذاعة

في سؤالنا عن أسباب تراجع إذاعة دمشق على الرغم من أنها كانت قبلة للفنانين العرب وركناً أساسياً ومهماً من أركان الإعلام السوري والعربي؟ وهل ما تعانيه سيدفع بقرار يقفل أبواب أثيرها؟ جاء جواب المذيع سمعان فرزلي: «لا أظن أن إذاعة دمشق ستغلق أبوابها، وهنا أحب أن أشير إلى تجارب الإذاعات العالمية الحكومية كالـ(بي بي سي) عندما وقعت بالمطب نفسه، بحثت وجرّبت ونهضت مبتعدة عن الرتابة كي تنافس العصرنة وليس الإذاعات الباقية». وأخيراً ختم حديثه بتمنياته لإذاعة دمشق قائلاً: «إذاعة دمشق لها عندي ما لها من الحب والامتنان والانتماء، هذا ما قد يشعر المرء به ولكنه لا يدركه، فالحالة حقيقية وعميقة الارتباط. وللأمانة أنا لا أرغب بأن أقول: إنني أريد لإذاعة دمشق أن تنهض من تحت هذا الركام، بل أعتبر أن ما تمرّ به كبوة، وأتمنى أن تنهض من كبوتها، التي وقعت أو أوقعت بها، وأيضاً أن تعود إلى القمة كما كانت كل عهدها.. في القمة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن