رياضة

ديشان لكتابة تاريخه الخاص وداليتش لصناعة المجد … الديوك تخشى لهيب الناري في نهائي ثأري

| خالد عرنوس

ها قد وصلنا إلى ختام العرس الكروي.. فيشهد ملعب لوجينكي بالعاصمة موسكو ليلة تنصيب ملك المونديال الروسي من خلال النهائي الذي انتظره عشاق الكرة العالمية منذ نهائي 2014 ويجمع على غير المتوقع منتخب فرنسا العائد إلى النهائي بعد 12 عاماً والساعي إلى التتويج الثاني بتاريخ الديوك مع منتخب كرواتيا الذي فاجأ الجميع ببلوغه مباراة اللقب للمرة الأولى بعد أقل من 22 عاماً على ظهوره الأول بالتصفيات العالمية.

وتعتبر المواجهة التي يقودها الحكم الأرجنتيني نيستور بيتانا ثأرية للفريق الناري الذي خسر نصف نهائي 1998 أمام نظيره الفرنسي في طريق الأخير إلى النجمة الأولى، ويطمح مودريتش لقيادة فريقه إلى المجد على حساب الديوك التي يقودها المدرب ديديه ديشان أحد أبطال تلك الليلة ويأمل بدوره في كتابة تاريخه الخاص ليصبح ثالث ثلاثة توجوا باللقب الأثير (مدرباً ولاعباً).

على غير موعد

كل المقدمات كانت تشي بنهائي كلاسيكي بين منتخبين من أبطال المونديال لكن النسخة الحادية والعشرين وبعد كل غرائبها كان لابد أن تعطينا نهائياً جديداً وهكذا وجدنا منتخبي فرنسا وكرواتيا في مباراة التتويج، وإذا كان الأزرق الفرنسي قد حاز الكثير من ترشيحات المراقبين والخبراء للمنافسة على اللقب فإن وصوله بالطريقة التي حصلت كانت مفاجئة بكل المقاييس ولاسيما في أدوار الإقصاء عندما أكد علو كعبه على منتخبات أميركا الجنوبية فأقصى اثنين من ثلاثة كبار اللاتين قبل أن يتخطى أحد أفضل منتخبات البطولة (البلجيكي) ليتأهل إلى النهائي مؤكداً حسن اختيار المتابعين له كمرشح للظفر باللقب العالمي.

«الإيكيب» كان أحد المرشحين للمنافسة وهاهو مرشح للقب على حساب الناري الكرواتي الذي دخل البطولة مرشحاً بدوره للمنافسة لكن ليس على الكأس التي باتت على بعد خطوة منه بل على الصعود إلى الدور الثاني وفي أقصى الأحوال لدخول دور الثمانية وحتى أكثر المتقائلين به لم يتوقعوا أكثر من بلوغه مربع الكبار، إلا أنه قلب توقعات الخبراء رأساً على عقب وهاهو يدخل نهائي موسكو بصورة البطل التاسع في تاريخ المونديال.

قفزات الديوك

نبدأ بالمنتخب الفرنسي صاحب المشاركات الأكبر وحامل اللقب وكذلك تأهله للنهائي أولاً فنقول أنه تجاوز المباريات الست السابقة على طريقة (الديك) فقفز أحياناً وسار بشموخ أحياناً أخرى واستعمل الطيران إلى الحد الذي ضمن له عدم السقوط عندما احتاج الأمر، ففي الدور الأول لم يحتج الأمر من الفرنسيين كثيراً من الجهد أو بذل مزيد من العرق فضمنوا التأهل إلى الدور الثاني من الصدارة بفوزين ضئيلين قبل أن يتعادلوا في مباراة على الواقف.

في الدور الثاني ارتفع المستوى في مواجهة تهديفية متقلبة أمام الأرجنتينيين وظهر الزرق بمخالب جرحت كبرياء راقصي التانغو وفي ربع النهائي لم يضطر لاعبو ديشان لإظهار تلك المخالب فساروا بشموخ أمام فريق قاوم شوطاً واستسلم بالثاني، وفي نصف النهائي كان الطيران الأعلى للديوك بالفوز على أحد أجمل وأقوى فرق المونديال بطريقة خلت من الجمال لكنها ارتقت إلى أعلى أداء دفاعي وإبهار تكتيكي من دون تركيز هجومي لكنه كان كافياً لتجاوز المطب الأصعب عملياً.

المغامرة الجميلة

هو الوصف الذي استحقه المنتخب الكرواتي عبر ما قدمه في البطولة حتى الآن فقد دخل الفريق الناري البطولة ضمن المرشحين لتسجيل المفاجأة أو أحد الأحصنة السوداء في المونديال الروسي وهكذا كان فمع انتهاء الدور الأول كتب مودريتش ورفاقه سطراً جميلاً بكونهم أحد ثلاثة منتخبات حصدت العلامة الكاملة عبر ثلاثة انتصارات جديرة ويحسب لهم أنهم تفوقوا على الأرجنتين وصيفة بطل العالم في مباراة للذكرى وقبلها بعدما تغلب بالحنكة على نسور إفريقية الخضر قبل أن يحبطوا المفاجأة الآيسلندية.

وفي أدوار الإقصاء واجه صعوبات كبيرة لكن الحظ والتوفيق حالفاه مع عدم نسيان ما قدمه لاعبوه الذين يحسب لهم أنهم خاضوا أطول طريق بين المنتخبات الـ32 في البطولة، ومع كل محطة توقع كثيرون سقوطه إلا أنه سار مع البعض الذين خالفوا هذه التنبؤات حتى وصل النهائي بفارق مباراة كاملة (توقيتاً) عن منافسه فيها.

خبرة ديشان

لم يكن ديديه ديشان الأكثر خبرة بين أقرانه في روسيا 2018 لكن مع مضي الوقت أضحى الأقدم بين مدربي منتخبات دور الأربعة وإن لم يكن أكبرهم سناً بالطبع فقد مضى على استلامه منصب المدير الفني لـ(الإيكيب) قرابة ست سنوات، على حين الثلاثة الآخرون لم يمض أكثرهم أكثر من عامين، والقاسم المشترك بين أربعتهم أنها المرة الأولى التي يدربون منتخبات وطنية، ولم يكتف ديديه بأنه الأقدم بل سبق له تدريب أندية بحجم موناكو ومرسيليا (الفرنسيين) ويوفنتوس الإيطالي على حين اكتفى نظراؤه بتدريب أندية صغيرة وإن كان الإنكليزي ساوثغيت مشرفاً على منتخب (تحت 23 سنة) قبل أن يتسلم مهمة تدريب الأسود الثلاثة.

وفوق كل هذا فإن ديديه ديشان ابن التاسعة والاربعين كان لاعباً دولياً مثل منتخب بلاده في أكثر من 100 مباراة دولية وكان كابتن الجيل الذهبي عندما توج باللقبين العالمي والقاري (1998 و2000) وهو ما يضعه بالمقدمة، وبسبب كل هذا وبوجود نخبة من اللاعبين المتميزين نجح بالوصول مع الفريق إلى أبعد مدى ممكن مقلداً ما فعله جاك سانتيني وعلى بعد خطوة من محاكاة إنجاز إيميه جاكيه.

وبالطبع تأثر الفريق بالنزعة الدفاعية لديشان فأظهر قوة في هذا الجانب مع عدم رضا كثيرين من عشاق الكرة الفرنسية للأسلوب الذي اتبعه في بعض المباريات وخاصة في نصف النهائي عندما أظهر وجهاً اعتبره الحياديون مقيتاً وعذر بعض الأحباء المدرب واللاعبين ذلك أنه واجه فريقاً لا يمكن المغامرة أمامه أكثر من ذلك، ويفتخر ديديه وأنصاره بأنهم رغم النهج الدفاعي إلا أن فريقه سدد أكثر من منافسه على المرمى.

لياقة داليتش

بالمقابل لم يكن زلاتكو داليتش يظن قبل عامين أنه سيكون قرب منصة التتويج بأقوى بطولات العالم فهذا المدرب لم يكن لاعباً مشهوراً على مدار 15 سنة ولم يكن ذلك الاسم الكبير في عالم التدريب لكن الأقدار وضعته في موقف عظيم عندما تسلم تدريب المنتخب الكرواتي (كمدرب مؤقت) قبل نحو أسبوعين من ميلاده الحادي والخمسين بدلاً من أنتي ساسيتش عقب الخسارة من تركيا والتعادل مع فنلندا، وهكذا خلال أقل من خمسة أسابيع نال الثقة الكبيرة من دافور سوكر رئيس الاتحاد الكرواتي وأيضاً لاعبي المنتخب الناري الذين طالبوه جميعاً بعقد رسمي لقيادة الفريق بالمونديال.

وقبل انطلاق البطولة أطلق عدة تصريحات منها: لدينا ثلاثة لاعبين في نهائي دوري الأبطال وهذا دليل على جودة لاعبينا، لا نريد منافسين ضعفاء فمواجهة الأقوياء تضعنا أمام مسؤوليات وتجعلنا نقدم الأفضل، جيل التسعينيات فخر الكرة الكرواتية لكن لا يمكننا التوقف عنده ومجموعة 2018 قادرة على تكرار الإنجاز.

وفي الامتحان أثبت داليتش حسن تدبيره ولم يعر الاهتمام إلا لتقدم فريقه مباراة بعد أخرى ودوراً بعد آخر مؤكداً أنه متحدٍ كبير وليس مجرد ضيف عابر على بطولة لا تعترف إلا بالنتائج والأرقام.

ديوك بمخالب حديدية

في استعراضنا للاعبي المنتخب الفرنسي نجد أن القائد هوغو لوريس بطل في عرينه وهو الذي نجح في أكثر من اختبار جدي ولم يكن مسؤولاً عن الأهداف التي ولجت مرماه، وأمامه نجما دفاع البرشا والريال (صامويل أومتيتي ورافائيل فاران) والأخير أحد لاعبين لم يرتاحا أي دقيقة وكلاهما سجل هدفاً حاسماً، وفي طرفي الدفاع وجهان جديدان أثبتا جدارتهما وهما حديثي العهد دولياً ونقصد بنيامين بافار ولوكاس هيرنانديز.

في الوسط هناك بول بوغبا الطامح لبطولة الكبار وهو بطل مونديال الشباب 2013 برفقة أومتيتي، وكذلك نغولو كانتي اللاعب الثاني الذي لم يستغن عنه ديشان في المباريات الست، وربما لعب ماتويدي دوراً كبيراً مثل ما فعل أمام بلجيكا أو استبدل بتوليسو في حال عدم جاهزيته ولاننسى البدلاء (نبيل فقير أو ستيفن نزونزي أو حتى توماس ليمار.

في الأمام مازال أوليفر جيرو مفضلاً لدى ديديه كراس حربة متقدمة وعلى جانبيه كليان مبابي أبرز مواهب البطولة من الشباب والهداف الأعسر انتونيو غريزمان، وهذا التشكيل الأساسي الذي اعتمده ديشان طوال الوقت رغم أنه أشرك 21 لاعباً (عدا المدافع عادل رامي والحارس الثالث أريولا) وربما استعان في الهجوم بعثمان ديمبلي أو فلوران توفين).

ألسنة الناري الحارقة

بالمقابل أشرك المدرب الكرواتي 21 لاعباً ووحدهما الحارسان الاحتياطيان لم يشاركا وباستعراض الأسماء نجد أن الحارس سوبازيتش سيظل أساسياً بالطبع وأمامه رباعي الدفاع دوماجوي فيدا وسيم فيرساليكو وإيفان سترينيتش (في حال تعافيه) وقد خرج مصاباً من مباراة نصف النهائي وقلب الدفاع الأشهر ديان لوفرين الذي طالب الإعلام بالنظر إليه كبطل بلغ نهائي دوري الأبطال وهاهو يصل نهائي المونديال، وقد أثبت أنه مدافع محترم عندما نجح في قطع الكثير من الكرات الصعبة وخاصة أمام الإنكليز.

وفي خط الوسط يبقى الاعتماد على ثنائي الريال والبرشا (لوكا مودريتش وإيفان راكتيتش) وإلى جانبهما إيفان بيرسيتش وقد يكون زميل الأول في الملكي (ماتيو كوفاسيتش) شريكهما الثالث، وفي الهجوم قدم أنتي ريبيتش أداء رفيعاً ما يبقيه خياراً أول لزلاتكو ويسانده ولو متأخراً ماريو ماندزوكيتش واندريه كراماريتشن وفي الاحتياط هناك: مارسيللو برزوفيتش وجوزيب بيفاريتش وماركو رييكا وفيليب برادريتش وميلان بادلي.

مواجهات خاصة

عند استعراض أسماء الفريقين يلحظ الجميع أن مواجهات خاصة داخل النهائي ربما تصنع الفارق فثنائي كرواتيا الأشهر مودريتش وراكتيتش سيكونان على صدام مباشر مع زميليهما في الريال والبرشا فاران وأومتيتي وكذلك هناك زميل الأخير وهناك زميل ثالث لهما في حال مشاركة كوفاسيتش وديمبلي، وفي وسط الملعب سيلتقي ماندزوكيتش لاعب اليوفي مع زميله ماتويدي وربما شارك زميلهما الثالث بييكا في صفوف الناري، وقد يواجه حارس مرمى كرواتيا زميليه في نادي موناكو توماس ليمار وجبريل سيديبي.

الليلة الكبيرة

لا شك أن التشكيلة الفرنسية التي بلغت النهائي تحمل في ثناياها لوحة جميلة لا ينقصها إلا الصعود إلى منصة التتويج وبالمقابل يعتبر الناري الكرواتي فريقاً شجاعاً خاض مغامرة رائعة يمكن أن تكون أحلى مع ختام على دراما المسلسلات العربية.
قبل عشرين عاماً كانت المشاركة الأولى للمنتخب الكرواتي بالمونديال ويومها أطلق مدربه بلازيفيتش توقعاً (نارياً) بأن منتخبه سيواجه نظيره الفرنسي بالنهائي، فعلاً تواجه المنتخبان إنما في نصف النهائي، واليوم لم يكن أحد يتوقع هذا النهائي عدا بعض المجانين فتحققت نبوءة أو توقع بلازيفيتش فهل يفعلها خلفاء ذلك الجيل ويتوجوا باللقب ليستحق المونديال الروسي لقب بطولة المفاجآت؟، أم إن الفرنسيين سينالون اللقب الثاني بتاريخهم؟.. بالطبع لم يعد مفاجئاً بعد كل الذي تابعناه في روسيا 2018 أن نرى اللون الأزرق على منصة التتويج، ومن المؤكد أن العكس لن يمثل وقعه مفاجأة للكثيرين.

للذكرى

تقابل المنتخبان في خمس مناسبات سابقة أولاها في نصف نهائي مونديال 1998 ويومها تقدم الكروات عبر هدافهم الأثير دافور سوكر (46) لكنه لم يهنأ طويلاً فقد سجل المدافع تورام التعادل بعد دقيقة واحدة قبل أن يسجل المدافع الأسمر نفسه هدف الفوز الذي ضمن تأهل أصحاب الأرض إلى النهائي وهما الهدفان الدوليان الوحيدان في سجله.
اللقاء الثاني والثالث كانا وديين عام 1999 و2000 وانتهيا بفوز الفرنسيين 3/صفر و2/صفر أما الرابع فكان ضمن الدور الأول لبطولة يورو 2004 ويومها انتهى بالتعادل 2/2 فتقدم الفرنسيون عبر المدافع الكرواتي تيودور (22) قبل أن يقلب راباييتش وبرسو النتيجة (48 و52) لكن تريزيغيه أدرك التعادل (64) وفي تلك البطولة خرج الكروات من الدور الأول على حين الفرنسيون غادروا من ربع النهائي بالخسارة من اليونان، أما المواجهة الأخيرة فانتهت سلباً وكانت بالإطار الودي عام 2011.

أرقام كرواتية

– في ست مباريات نجح المنتخب الكرواتي بالفوز 4 مرات على حساب نيجيريا 2/صفر والأرجنتين 3/صفر وآيسلندا 2/1 وإنكلترا 2/1، مقابل تعادلين حسمهما بركلات الترجيح، المرة الأولى مع الدنمارك 1/1 (3/2) والثانية مع روسيا 2/2 (4/3).
– سجل الفريق 12 هدفاً عبر بيرسيتش ومودريتش وماندزوكيتش (هدفان) وريبيتش وراكتيتش وفيدا وبادلي وكراماريتش وجاء هدف بقدم المدافع النيجيري إيتوبو، واهتزت شباكه 5 مرات ولم يحافظ على نظافة شباكه سوى مرتين.
– وكان منتخب 1998 سجل 9 أهداف حتى مباراة الترتيب مقابل 4 أهداف بمرماه، ويومها فاز بـ4 مباريات وخسر مرتين خلال 6 مباريات خاضها على حدود النهائي.
– سجل المنتخب الكرواتي هدفاً من ركلتي جزاء محتسبتين وسدد كلاهما مودريتش، وتلقى هدفاً من ركلة جزاء ضد آيسلندا.

أرقام فرنسية

– خمسة انتصارات حققها الإيكيب في البطولة على حساب كل من أستراليا 2/1 والبيرو 1/صفر والأرجنتين 4/3 والأورغواي 2/صفر وبلجيكا 1/صفر مقابل تعادل مع الدنمارك من دون أهداف.
– 10 أهداف سجلها خمسة لاعبين بواقع 3 لكل من مبابي وغريزمان وهدف لكل من: بافار وفاران وأومتيتي وجاء الهدف العاشر من مدافع أستراليا بيهيتش، وحافظ الفريق على شباكه نظيفة في 4 مباريات.
– سجل المنتخب الفرنسي 12 هدفاً قبل خوض نهائي 1998 مقابل هدفين بمرماه وذلك من خلال 5 انتصارات وتعادل، وسجل لاعبوه 8 أهداف فقط قبل نهائي 2006 مقابل هدفين فقط بمرماهم من خلال 4 انتصارات وتعادلين.
– منتخب 1998 المتوج باللقب انقاد إلى الوقت الإضافي مرتين ففاز بالهدف الذهبي على البارغواي ثم تجاوز إيطاليا بركلات الترجيح، على حين لم يحتج منتخب 2006 لأي من هذه الحلول لكنه خسر النهائي بالترجيح.
– جاء هدفان للمنتخب من علامة الجزاء عبر غريزمان واحتسبت ضده ركلة ترجمها جيديناك في لقاء أستراليا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن