ثقافة وفن

علاقتي مع الممثل مهمة وأعمل على بروزه وفرادته وتميزه … سمير حسين لـ «الوطن»: نهاية «فوضى» بقيت مبهمة لأن الكاتب لا يريد لوي عنق المنطق وصنع نهايات هندية

| سارة سلامة

بكفة واحدة جمع مشاهد الدمار والجمال والحزن والحب في هذه الفوضى العارمة التي اعترت واقعنا، ربما وجدت قبل الحرب ولكن خلالها تغذت وكبرت مثل النار في الهشيم، وهي مفرزات حرب تفشت وفككت المجتمع من غدر وخيانة وتعاطي المخدرات وصراع الإخوة وسرقة المعونات وترويج القصر والدخول إلى عالم القضاة واستباحة القانون، كل هذه الأمراض الاجتماعية حملها مخرج «فوضى» سمير حسين في عمله وقدمها كوجبة رمضانية جريئة تحمل المرار ولكنها صادقة وتشبه تفاصيلنا حيث وحد العمل الشارع السوري واعتبر الأبرز لهذا العام.
وقدم المأساة الإنسانية والاجتماعية بصورة قريبة جعلت من العمل محط أنظار المشاهدين ليس فقط محلياً إنما عربياً إضافة إلى الاهتمام الذي حظي به من اللاجئين في الخارج ربما لأنه تحدث عنهم وجسد مشاكلهم بكل أمانة أمامهم.
وهذا ليس جديداً عليه فسمير كعادته يحب التفرد والتميز وتقديم أعمال كل عام ترتقي إلى مستويات عالية ومتقنة من جميع الجوانب، وهو الممثل أساساً يعمل جاهداً على إبراز الممثل ويلعب على الشخصية لتكون قريبة من وجدان الناس ما أدى إلى بروز أبطال العمل كلهم كنجوم هذا الموسم.
وكان في ضيافة «الوطن» وحدثنا أكثر عن «فوضى» ونهايته وتأثيره والجهد المبذول، وأضاء على تسويق العمل حيث لم يتأثر أسوة بغيره من الأعمال لأزمة التسويق، وكل ذلك في هذا الحوار.

حظي العمل بمتابعة جماهيرية كبيرة في الشارع السوري والعربي وحتى خارجاً، وتعرض لترويج القصر، وصراع الإخوة، ودخل عالم القضاة، وموضوع المساعدات والمعونات هل لأنه لقربه من واقعنا وتفاصيلنا؟
لعل أبرز الأسباب هو التصاق العمل بالناس وهمومهم وقرب الشخصيات من شريحة كبيرة من الناس سواء الذين ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة أم الذين ينتمون إلى مستويات اقتصادية متعددة بكل أطيافهم، حيث وجدوا بشكل أو بآخر صورتهم من خلال هذا العمل، وهي نقطة من أماكن الجذب وتعود لكتّاب النص حيث كتبوا عن الناس ومشاكلهم وهمومهم وضياعهم وتمزقهم.
وشخصيات «فوضى» موجودة حولنا في الواقع حيث هناك الكثير من الناس الذين نزحوا من الأماكن الساخنة ولجؤوا إلى المدينة، والطرح الأساسي الموجود في العمل يقول إن (المدن لا تشيخ بتعاقب العصور إنما تشيخ بفعل الإهمال)، وهذا الإهمال الذي تعرضت له المدن البعيدة أدى إلى تسريب الإرهاب رويداً رويداً ما قبل الحرب واشتداده في أثنائها من هذه العشوائيات والأماكن غير المنظمة، التي اقتحمت المدينة وتحولت أماكن الطبقة الوسطى إلى ما يشبه العشوائيات.
وحدث ذلك بفعل الإهمال الموجود ضمن مؤسسات الدولة التي يجب أن تكون مسؤولة سواء في الحرب أم قبلها عن المدينة وتاريخها وخصوصيتها وتنظيمها، حيث انعكست هذه الجغرافية التي قطن فيها معظم أبطال العمل بشكل أو بآخر على سلوكهم وعلاقاتهم مع بعضهم، وانتقلت فوضى المكان إلى فوضى العقول والأرواح والقلوب، وتحولت إلى ما يشبه العبث في اللامعقول وهذه الظاهرة حدثت في أوروبا إبان الحرب العالمية وأثرت بكل ضروب الفنون سواء التشكيلي أم في المسرح، وهي نتيجة ما حدث من قتل وتدمير وتلاشي الإنسانية، ومن ثم التواصل بين البشر صار أقرب إلى العبثية واللامعقول، ونرى أن العلاقات بين الشخوص فيها حالة من العبثية وحالة من اللامعقول، وكما لاحظنا مثلاً شخصية عبير فهي عبثية بالمطلق لا تعرف ما يحدث ولغتها مع الآخرين ليست متوازنة ولا تعرف ماذا تفعل على الرغم من أنها تنتمي إلى عائلة متنعمة، وكذلك زيدان يمثل حالة من العبث المجنونة، إذاً هي حالة من العبث الغريبة التي نستطيع تعميمها على كل شخوص العمل ومن أجل ذلك فإن الفوضى ما زالت مستمرة والنهاية كانت في المحكمة.

قيل إن «فوضى» وصل عدد حلقاته إلى المنتصف ولم يبلغ ذروته الدرامية؟
عندما نتحدث عن بعض الآراء هذا لا يعني الحالة الجمعية، وبالطبع الجميع له رأيه واحترم جميع الآراء والذائقة الخاصة بهم ولكن إذا ما نظرنا إلى وجهة نظر النص أو الكتّاب فإن العمل ينتمي إلى المدرسة الواقعية، ولا يتجه باتجاه المألوف في الطرح الدرامي، أي أن تكون الحبكة موجودة من البداية وتتصاعد حتى النهاية، إنما العمل من دم ولحم وهو يقدم مجموعة من الشخصيات والصعاليك الذين تركوا الأماكن الساخنة التي كانوا يقطنونها وسكنوا في هذه الحارة.
ويقدم العمل حالة بانورامية عن هؤلاء الشخوص بعيداً عن أي فبركة مقحمة باتجاه إثارة حالة من التشويق المألوفة، وطبيعة النص كانت عنصر جذب لشريحة هائلة من الناس وحققت معادلة نجاح، ومن ثم نحن نهتم بآراء البعض وبكل تأكيد تهمنا آراء الأكثرية الذين رأوا في العمل شيئاً غير مطروق من خلال الشخصيات ومجموعة من الخطوط غير المتشابكة بعضها مع بعضٍ، وهذا أخطر ما في «فوضى» لأن الخطوط كلها منفصلة الواحد عن الآخر في مرحلة من المراحل، وتعود ليتشابك ويتداخل بعضها مع بعضٍ.

الختام لم يحمل معه تقرير مصائر الشخصيات وترك الباب مشرعاً، لماذا؟
لم تتقرر نهاية الشخصيات وفي المحكمة نجد أن القضية لم تنتهِ وما زالت عالقة بين واحد من أمراء الحرب ورجل أعمال موجود خارج سورية، حيث يأتي أمير الحرب ليحصل على مكاسب مادية وضغط على القانون وعلى المحامي راتب ونجد أن القانون مستباح، وتركنا النهايات مبهمة لأن الكاتب لا يريد لوي عنق المنطق وصنع نهايات هندية.

لكن الناس تحب النهايات المعروفة المصير؟
ليس هدفنا تكريس ما تحبه الناس ومسؤوليتي هي إعادة قراءة النص بطريقة إخراجية تتناسب مع ما يريده الكاتب، وتبقى هناك حلول لها علاقة بالإخراج تحمل بصمتي ومن الطبيعي في عمل يحمل اسم «فوضى» أن هذه الفوضى لا تنتهي، فكيف نحل مصائر الشخصيات ضمن منطق نعيشه مملوءة بالفوضى والعبثية واللامعقول. والنهايات بقيت مشرعة لأن الفوضى ما زالت مستمرة وحجر الأساس كان استباحة القانون والذي يعتبر المفصل الأساسي في العمل، والفساد الذي يعج في جنبات القانون بشكل أو بآخر حتى نترك بيوتنا وأبوابنا مشرعة للآخرين ليدخلوها ويصنعوا ما صنعوه هي حالة من الدمار والقتل والخراب وكل ذلك محاولات بائسة باتجاه تسييد القانون ولكنها ما زالت فاشلة بالمطلق.
لذلك انتهى العمل بصراع خصمين في المحكمة وعندما يضرب القاضي المطرقة ويقول محكمة ونرى المحكمة خاوية بالمطلق، ليس ذلك إلا إشارة ليفسر كل شخص بطريقته وأسلوبه الخاص، ونحن لا نكرس ما هو مألوف ولا حتى في الأعمال القادمة، لأنني لست مع الحبكات التقليدية باتجاه انتهاء مصائر الشخصيات والنهايات السعيدة ونحن بحاجة للدخول إلى غمار آخر للطرح.

«فوضى» حظي باهتمام كبير من اللاجئين السوريين لماذا؟
في عمل «بانتظار الياسمين» تناولنا فترة بداية اشتعال الحرب عند التجاء الناس للحدائق العامة، أما «فوضى» في 2018 فتحدث عن الصراعات التي بقيت مستمرة ولجوء الناس إلى الأماكن العشوائية واستئجارهم بيوتاً وكراجات عشوائية، وهو يحكي عن الطبقة التي تتمتع بدخل قليل والمرحلة التي ما زالت الناس خلالها تنوي الهجرة.
وأثار العمل انتباه الناس في المغترب ومعظم من ذهب وركب بالبلم هارباً ودخل هذه التجربة، والذين هربوا من الأماكن الساخنة وقطنوا في قلب المدينة متوزعين سواء في دمشق أم في غيرها.
لأننا أمام قصة منقولة بأمانة ومعيشة حيث إن الكاتب حسن سامي يوسف لجأ من أماكن ساخنة إلى قلب العاصمة وسكن بفندق 7 أعوام، وهو يدري تماماً ما يجري على الأرض لأن منزله تعرض للحرق وأصابته قذيفة، وتحدث عنهم بطريقة ذكية ومعظم من هاجر بالبلم والذين ماتوا وضاعوا هم الشخصيات ذاتها الموجودة في «فوضى» وهي لصيقة بهم وعاشوها وأحبوها.

كم كان للشركة المنتجة أهمية في إنجاح العمل نظراً لما نراه من شح درامي؟
الشركة المنتجة خدمت العمل جداً وخاصة مع حالة الشح في الدراما السورية والتي تمخضت عنها أعمال رديئة جداً ومتواضعة وغير مكلفة إنتاجياً وقد تكون اجتماعية ولكنها بعيدة عما يحدث ربما معلقة بين السماء والأرض ولا تحتوي على مكان وزمن.
وفي «فوضى» نرى حالة تماس مع الحرب ولكن ليس بطريقة مباشرة بل بمنزلة الإضاءة على مفرزات الحرب، ومن خلال عقول وعلاقات هذه الشخصيات المتشابكة مع بعضها ونلاحظ أن العمل متابع في مصر والخليج ولبنان حيث رأوا المأساة بطريقة اجتماعية إنسانية محايدة للغاية وعالية المستوى ولم يقف العمل إلى جانب جهة معينة بل عرض التجربة المرة التي خاضتها هذه الشخوص.

إلى أي حد استفادت الدراما السورية من الأماكن المدمرة حيث اعتبرت بمنزلة إستوديوهات جاهزة؟
طبيعة النص فرضت على كثير من الأعمال التصوير في الدمار، وعندما نعرض الناس الذين خرجوا من الأماكن الساخنة كان من الطبيعي التصوير في منطقة خرج منها مسلحون وتكون آمنة ونعيد صناعته منذ البداية وذلك كان في الحلقة الأولى والثانية والمسلسل في الحلقات الأخرى غرّد بعيداً عن التماس المباشر مع الحرب.
إلى أي درجة يعمل سمير على بناء شخصية الممثل لتكون محورية ومؤثرة؟
بما أنني خريج المعهد العالي للفنون المسرحية فإن علاقتي مع الممثل مهمة للغاية وأعمل على بروزه وفرادته وتميزه لأن هذا يسهم في نجاح العمل كله، وهذه المسألة أؤمن بها جداً، وهي مسألة متكاملة العناصر ولها علاقة بالقيمة الفنية وبالكاميرا والممثل ومجموعة العناصر الفنية التي تحكمه وتنظمها علاقة المخرج مع هذه الأدوات التي يعمل بها، وكلما ارتقيت بأداء الممثل فإنه يسهم في رفع مستوى المشهد، والمشهد، مرتبط بسلسلة من المشاهد، ومن ثم فإن الممثل سيرتفع خطه البياني وكذلك لا ننكر أن الشخصيات في النص كُتبت بصورة جميلة والنص له 50 بالمئة من نجاح أي عمل.
وتقع على المخرج قدرته في ربط إيقاع العمل وتقريبه من وجدان الناس، و«فوضى» عمل في غاية التعقيد وهو مجموعة من الخطوط ومن المفروض ضبط إيقاعه من خلال الممثل والعناصر الفنية المهمة كي لا يتشتت المتفرج، لأن العمل ذو خط منفصل حتى الحلقة 15 لتبدأ الخطوط بالتشابك مع بعضها، وفي البداية كان لا بد من اللعب على الممثل وأدائه وسحر الصورة ومعظم العناصر الفنية، وواحد من عناصر الجذب هو الممثل لذلك عملت على كل الشخصيات بمنتهى الدقة (سلوم حداد بدور راتب وأبو الخيل فادي صبيح وديمة قندلفت وميري كوجك ونادين تحسين بك)، إضافة إلى الشخصيات الأساسية هناك الكثير من الشخصيات الثانوية حيث لعبها خريجو المعهد من خلال مشهد أو أكثر.

دور تلك الشراكة الأدبية بين حسن سامي يوسف ونجيب نصير في إنجاح أي عمل؟
لم أتعامل مع الكاتب نجيب نصير لأنه أساساً موجود خارج البلد، وكانت علاقتي المباشرة مع الكاتب حسن سامي يوسف وأعتقد أن الجزء الأعظم من «فوضى» من كتابته، ومهما كانت هذه الشراكة الأدبية بين الكاتبين التي جمعتهما عدة أعمال إلا أن يوسف كان له الكثير من الأعمال المنفردة ولاقت نجاحاً كبيراً إضافة إلى النجاح الذي يلقاه في الشراكة، إنما بالنسبة للكاتب نصير فقدم أعمالاً منفردة لم تنجح وأعتقد أنه عمل واحد وهو «تشيللو» المبني أساساً على رواية، ونستخلص من ذلك أن المنبع الأساسي هو هذا الروائي الجميل الخاص حسن سامي يوسف.
«فوضى» لم يتعرض كغيره من الأعمال السورية لمشاكل تسويقية، لماذا؟
السبب هو اجتهاد الشركة المنتجة (سما الفن) باتجاه تسويقه من لحظة انطلاقنا في العمل إلى لحظة عمليات المونتاج والمكساج والموسيقا واللون وإلى آخره، وتسهم في ذلك أيضاً أهمية العمل، وفي المقابل هناك أعمال غير جيدة وسوقت وموضوع التوزيع موضوع خاص له علاقة بالناس التي تقوم بالتوزيع.
والعمل اخترق الحدود السورية وذهب باتجاه (الجديد والجيم المغربية وart حكايات) وغيرها، وهذا له علاقة بجهد الشركة إضافة إلى أنهم زودوني بكل ما احتجت إليه ولأنني كنت مرتاحاً استطعت أن أخرج بهذه النتيجة.

هل شاهدت أعمال الموسم الرمضاني لهذا العام، وما رأيك؟
رأيت جزءاً كبيراً منها وفيما يخص الأعمال العربية المشتركة هي من الأعمال التي لا أحبها إطلاقاً لأنها خارج السياق والمنطق ولها أجندتها الخاصة عند المحطات، أما بالنسبة للدراما السورية فلم ألمح شيئاً خاصاً ومهماً بالمنتج هذا العام ولم أشاهد فرادة أو اختلافاً وبقيت الأعمال تراوح في الدائرة نفسها.

ماذا تميز «فوضى» عن باقي الأعمال هذا العام؟
تميز بالحالة الجماهيرية المهمة المنقطعة النظير والتي سحبت الشارع سواء في سورية أم خارجها وذلك مرتبط بالجهد الهائل الذي بني عليه.

هل سنشاهد ميري في كل أعمال سمير حسين؟
هذا واجبي لأنني أقدم عملاً خلال عام فلا بد من وجودها.

تقول إنها ظلمت في السابق لماذا؟
ظُلمت وهي كذلك ظَلمت نفسها لأن هناك أدواراً يجب ألا تمثل وكانت تجرب نفسها وبالنسبة لي هي ممثلة وخريجة إعلام وتعمل بهذه المهنة وعرض عليها أكثر من دور في السنة الماضية ولكن لا شيء مناسباً بالمادة نفسها بالدور ولا بالنص أي إنه لا يقدم أو يؤخر لها أي شيء وهي تحب وتستمتع في تجسيد دور جميل ومختلف.

كمخرج شرقي كيف استطعت تقديم «عبير» في «فوضى»؟
أدت ميري دوراً متعباً وسمعت الملاحظات بشكل جيد وشكلت لها هذه الشخصية حالة من الهوس، إلا أنها في البداية لم تحب الشخصية وهي كانت تناسبها كحالة شكلانية لأن الشخصيات الأخرى إما أصغر في العمر وإما أكبر، ولكن عندما اقتنعت تناقشنا في الدور كواحدة من الممثلين ولم يكن لها ميزة وربما كنت أكثر قسوة معها، وكان لها اجتهاداتها ووجهة نظرها.
وكمخرج شرقي لا مانع لدي من ذلك لأن الحياة ممتلئة بالنماذج وهذا نموذج موجود، ولست صاحب مؤسسة وهابية أو دينية، أنا فنان وزوجتي تمثل وتشخص شخصية من الشخصيات وجرأتها كانت بروح الشخصية وأفعالها التي ترتكبها وحتى الأفعال كانت ضمن إطار شرطي صارم جداً ولغة تعبيرية كبيرة وكان لباسها طبيعياً وضمن المعادل الفني الموضوعي وليس المعادل الواقعي الفج الذي نراه بطريقة شرسة جداً في الحياة وبأفعال قبيحة وتخدش حياءنا، وطرحنا «عبير» ضمن معطيات فنية وموضوعية وشرطية لنقدم تركيبة هؤلاء الشخوص وحالة من الفوضى والعبثية، ولكن في الأعمال القادمة يجب أن تقدم أشياء مختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن