مكافحة الفساد
| نبيل الملاح
في عام 2008 ترأس السيد رئيس الجمهورية اجتماعاً لمجلس الوزراء في مقره الجديد، ووجه بالبدء بالتنفيذ الفعلي لاستخدام استمارات الملكيات الخاصة لكبار العاملين في الجسم الحكومي والقضائي والتشريعي ومتابعة هذه الاستمارات دورياً، والوضع المالي لهؤلاء العاملين خلال فترة عملهم لضمان الشفافية والنزاهة.
وفي ضوء هذا التوجه كتبت مقالاً بعنوان «ضماناً للشفافية» طالبت الحكومة ومختلف أجهزة الدولة المعنية بإيجاد الصيغ والآليات الفاعلة لتنفيذه بجرأة وشفافية، والشفافية في أصلها وتعريفها: صدق في القول وإخلاص في العمل.
وذكرت أن الفساد مرض عضال يصيب المجتمع والدولة، وإذا استشرى يصبح كالسرطان يأكل جسم المجتمع ويضعف كيان الدولة، ولا بد من التصدي له بقوة وحزم وموضوعية. واقترحت إحداث هيئة أو جهازاً يعنى بهذه المسألة كما هو الحال في بعض الدول المشابهة لنا، وأن يرتبط هذا الجهاز برئيس الجمهورية مباشرة، وأن يتم اختيار كوادره من الأجهزة الرقابية والأمنية المختصة بالتحري والبحث بما يضمن قيام هذا الجهاز بمهامه بالشكل الأمثل.
واليوم وفي ضوء ما آلت إليه الأمور نتيجة الأزمة التي مرت على سورية وما زالت تداعياتها تتصاعد وتنتشر، واستغلال الكثير من المسؤولين الأزمة لتحقيق مصالحهم الخاصة والمجاهرة في ذلك دون خوف أو حذر..؟! لا بد من المضي في المشروع الوطني للإصلاح الإداري وفق رؤية إستراتيجية واضحة وشاملة لإعادة بناء مؤسسات الدولة بناء سليماً وعصرياً، وأن يكون محور هذا المشروع مكافحة الفساد بأشكاله كافة.
وبالتأكيد فإن هذا المشروع يتطلب أولاً البحث عن رجال الدولة الأكفاء والمخلصين الذين يتمتعون بالنزاهة والجرأة للنهوض به، ولا بد من الاستعانة برجال الدولة المتقاعدين والاستفادة من تجربتهم وخبرتهم.
وعلينا أن ندرك أن هناك الكثير الذين يريدون إجهاض هذا المشروع وتمييعه بطرق وأساليب مختلفة، وأن الحكومة ومجلس الشعب لا يملكان في ظل الأزمة الوسائل والأدوات الكافية لمحاربة الفساد، وأن أجهزة الرقابة والتفتيش بوضعها القائم وقوانينها النافذة غير مؤهلة للمساهمة في محاربة الفساد بشكل فعال.
وعلينا أن ندرك أيضاً ضرورة التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لتخفيف الأعباء عن المواطن، هذا المواطن الذي أصبحت معيشته وحياته مهددتين بالانهيار بسبب ضعف دخله وارتفاع تكاليف معيشته التي تزيد يوماً بعد يوم.
وكل تأخير في ذلك سيؤدي حتماً إلى تفاقم تداعيات الأزمة وانعكاساتها على حياة الناس ووجودهم.
ليس من المعقول والمقبول اختزال محاربة الفساد بورشة عمل تقيمها وزارة العدل حول «إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد»، في الوقت الذي أصبح فيه الفساد منتشراً وظاهراً ولا يحتاج إلى تشخيص، بل يحتاج إلى معالجة فورية وبتر مواضعه وتموضعه كافة.. لقد استهجن الناس وجود العديد من الذين تتحدث وسائل التواصل الاجتماعي عن حالات فساد تطولهم، وهم في الصف الأول في هذه الورشة؟! وكان الأولى العمل الحثيث لمحاربة الفساد الذي اخترق المؤسسة القضائية وأصبح حديث الناس صغيرهم وكبيرهم، فالقضاء هو الرافعة والميزان لجميع مؤسسات الدول ولا يجوز بحال من الأحوال التراخي في التصدي للذين يسيئون إليه ويظهرون بمظاهر تدل بوضوح على فسادهم.
وأنا هنا أناشد رجال القضاء المشهود لهم بالنزاهة أن يبادروا إلى التصدي لمن يسيء إلى مؤسستهم التي من دونها لن يتحقق العدل والأمن المجتمعي والحفاظ على حقوق الناس وثروات الوطن، وأؤكد ضرورة الاستعانة بالقضاة الكبار المتقاعدين الذين ما زالوا قادرين على العطاء والمساهمة في إعادة بناء المؤسسة القضائية.
آن الأوان أن نضع شعار محاربة الفساد، الذي كان ملازماً لبيانات كل الحكومات التي تعاقبت، موضع التطبيق، وعدم تكراره من باب اللغو والنفاق الذي مله الناس.
فلنبدأ بالعمل بعيداً عن التنظير والندوات والمهرجانات، وليكن شعارنا «صدقاً في القول وإخلاصاً في العمل».
باحث ووزير سابق