اقتصاد

بلاغة قانون الاستثمار

| علي محمود هاشم

لا يستحق مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي طرحته الحكومة على موقعها التشاركي وصف «الثوري»، ثمة كلاسيكية بائنة في صياغته، فبالرغم من نجاح رؤيته الخلفية في كسر عادة «حوافز الدوغمة»، إلا أنه عملياً لا يزال كذلك، ولو عبر توزيع هذه الدوغمائية على قطاعات تستجيب لما يسمى «رؤية» الحكومة التنموية.
الفلسفة الوحيدة الجديدة في القانون تلخصها المادتان السابعة من فصل «مزايا وحوافز الاستثمار»، والعاشرة حيث «المناطق الاقتصادية الخاصة»، وكلاهما تتيحان منح حوافز خاصة غير ضريبية عطفاً على تقديرات استثنائية، وهو أمر يعد مقبولاً فقط بسبب افتقارنا لتصورات واثقة عن المشاريع المحلية ذات البعد الإقليمي، المرتكزة إلى مزيّة الجغرافية التي لطالما تم تهميشها قسراً ويحتاج توليدها تحفيزاً مخصصاً يعزز فرصها في ظل منافسة شديدة تتعرض وستتعرض لها من الجوار.
كما تترك المادتان الباب موارباً أمام تجاوب ظرفي مرن تبعاً لما يمكن أن تسوقه المستجدات الاقتصادية المستقبلية، بما في ذلك «الاستثمار القائد» الذي يمكن له أن يلعب دوراً رئيسياً في دفق الاستثمارات التقليدية الداخلية والخارجية، عبر تخليق حوافز إضافية غير منظورة راهناً، ذلك أن الاكتفاء بالحوافز الضريبية التقليدية لا يشكل استثناءً يمكن الركون إليه لتخليق بيئة تنافسية مع جوار يتناهب الفرصة لسرقة المنصات الاستثمارية المفترض تدفقها إلى سورية.
الاستثناء هو في الواقع حق مكروه في الاقتصاد، وفي حالتنا، فإن التعويل عليه يعد منفذاً لاستدراك قصور تصوراتنا إزاء البعد الاستراتيجي للاستثمارات الرئيسية التي يمكن أن تتدفق إلينا، وملطفاً للآثار السلبية لنزعة «العدالة الاستثمارية» الأفلاطونية، فهذا المفهوم ذو الحدين، يمكنه جعل بيئة اقتصادية مدمرة كما هي حالنا، جاذباً لاصطناع استثمارات تحت استراتيجية تلتهم ما حضر -أو ما بقي لنا- من مزايا وطنية، فيما يعجز عن تحقيق الرؤية الأشمل لترابط الاقتصاد الوطني عبر الحدود، ولبعده التاريخي الممكن ضمن بيئته الإقليمية والدولية.
على خطا ما سبق، يمكن على سبيل المثال فهم مجانية المخازن التجارية العملاقة مشفوعة بتسهيلات وإعفاءات أخرى فريدة تقدمها الحكومة اليايانية لمزودي النفط، هذا الأمر يختزن أهدافاً خلفية تتطلع إلى تبريد الاحتياجات التقليدية للاستثمار من خلال تسهيلات استثنائية للاستثمارات القائدة الأشبه بـ«غير الربحية»، خدمة لتوسيع دروب العبور الاستثماري ذات الطبيعة التنموية التقليدية..
قد تختلف احتياجاتنا بدرجة أو بأخرى، إلا أن المثال الياباني يتيح فهماً تقريبياً لمعنى ترك الباب مواربا أمام إعفاءات مخصصة يتناسب كرمها -ولأسباب معللة- طرداً مع جدواها المحلية لكن من ضمن بيئتنا الاقتصادية الإقليمية كما هي حال مشاريع شبكات الطاقة الكهربائية وحواملها وشبكات الاتصالات واستثمارات النقل الجوي والبري والبحري، ومن الجانب الآخر، تأثيرها المؤكد على دفع الاستثمارات عنوة نحو الداخل على خلفية حسابات توافر الاحتياجات وتدني تكلفتها كبند رئيسي يتجاوز في أهميته الحوافز الضريبية وغير الضريبية التقليدية، كما في صناعة البتروكيماويات مثلاً..
ليست نزهة يحسد عليها صيّاغ مشروع قانون متناسب للاستثمار في بلد مزقت الحرب بناه التحتية عمداً، فبين مفهومي «جذب الاستثمار» و«إعادة الإعمار» تضاد لغوي ونفسي يضفي مزيداً من الصعوبة على المهمة، إلا أن الآمال كانت لتفترض من مشروع كهذا أن يقطع نهائياً مع قوانين «الآمال المنخفضة» التي عادة ما نفضلها، عبر نسج خطوط أكثر وضوحاً لمعاني «المشاريع الاستراتيجية» ولتعاريف «القيمة الحقيقية للاقتصاد الوطني» بما يفصح تلقائياً عن رؤية أكثر كفاءة لمستقبلنا وللمشاريع التي يمكن أن تسقط حروف الامتناع والجزم ضمن «جملة الاستثمار» البليغة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن