مع التحية صراع مع العقل
د. اسكندر لوقــا :
أمر طبيعي أن يحدث التباين في الرأي بين العقل والقلب لاعتبارات، فكل منهما يعتقد أنه، هو وحده، على صواب، ولهذا السبب قد يفضي أمر كهذا إلى نشوب صراع بين الطرفين في نهاية المطاف. إن صراعا كهذا ليس رهنا بزمان، كذلك هو حال التباين في الرأي بين العقل والقلب منذ أن وجد الإنسان على الأرض.
هذه الظاهرة تذكرنا بما كان يشغل أدباء الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على نحو: الشكل أولاً أم المضمون؟ المظهر أولا أم الجوهر؟ وبالتالي أكاد أقول إنه كان صراعا بين الشيء ونقيضه، ولذلك لم يثمر سجال أدباء تلك الحقبة الزمنية رأيا قابلا للحياة بنسبة 100%، ولا أظن أن نسبة كهذه يمكن أن تتحقق في يوم آت سواء في القرن الحالي أم القرون الآتية. ولهذا الاعتبار سيبقى صراع من هذا النوع مستمرا بين أبناء البشر ما دامت الحياة تتأرجح بين العقل والقلب.
إن العقل، من حيث المبدأ، كما نعلم، يبقى في موقع المراقب لكل صغيرة وكبيرة في الحياة، بينما يبقى القلب في موقع النبع الذي يتدفق مليئا بمياه العاطفة التي يحتاج إليها المرء كي يرتوي، مثله في ذلك مثل لمسة اليد الدافئة على جسد يحتاج إلى لمسة حنان. ولهذا، كثيراً ما يحذّر علماء النفس من جنوح القلب الذي لا يحسن تقدير اختيار ساعة الانطلاق أو التوقف بعيداً عن العودة إلى العقل الذي يؤدي دوما دور الرقيب، وقد يكون مزعجا في بعض الأوقات لقدرته على ضبط مسار القلب، وخصوصاً الذي لا يعرف حدا للوقوف عنده.
هذه المعادلة، ليست من طبيعة الكائن البشري فقط، بمقدار ما هي أيضاً من طبيعة الدول التي تتصارع مع بعضها بعضا، مدفوعة أحياناً بعواطفها لا بعقولها، ونتيجة لهذا الاندفاع كثيراً ما لقيت العلاقات الدولية نهايات لم تكن متوقعة، لأن العقل هُزم في سياق تصديه لاندفاعة القلب، وغالبا ما كان الثمن ضحايا بشريّة إرضاء لنزعة التوسع أو التفوق أو إرضاء لغريزة الجشع وصولا إلى المزيد والمزيد من المكاسب على حساب الآخر.
وفي رأي الحكيم اليوناني القديم إلفيسيوس «560- 410 ق. م»: إن البشر هم دوما ضد العقل عندما يكون العقل ضدهم.
وهذا ما نراه اليوم لأن العقل يقف ضد الطامحين في المزيد والمزيد من المكاسب التي حققوها أو يرغبون في تحقيقها على حساب الآخر، ومن هنا مصدر متاعبه.